من «تمثيل الواقع» إلى «صناعة الواقع»

كيف يعيد الذكاء الإصطناعي تشكيل ملامح السينما الإيرانية؟

/ لم تُعد السينما اليوم مجرد فن يعتمد على الكاميرا والممثلين والديكور؛ نحن نعيش لحظة مفصلية يمكن وصفها بـ«نقطة اللاعودة» في تاريخ الصورة، حيث يقتحم الذكاء الإصطناعي عالم السينما بسرعة تفوق كل التحولات التقنية السابقة. فبعد أن غيّر دخول الصوت واللون شكل الشاشة، يأتي الذكاء الاصطناعي ليُغيّر جوهر الصورة نفسها، منتقلاً بنا من عصر التقاط الواقع إلى عصر توليد الواقع. وفي قلب هذا التحوّل العالمي، تبرز السينما الإيرانية كأحد المختبرات الأكثر جرأة في المنطقة، مقدّمة نماذج لافتة في استخدام الذكاء الاصطناعي، من بينها إنتاج أول فيلم «فائق الواقعية» بالكامل عبر الخوارزميات، وهو فيلم «فلسطين در جشم هايم» أي «فلسطين في أعيني». في هذا المقال نقدّم نبذة قصيرة عن الذكاء الإصطناعي وبعض الأفلام الإيرانية التي تم إنتاجها باستخدام الذكاء الإصطناعي.
الذكاء الإصطناعي والسينما
في تاريخ السينما الممتد لمئة وثلاثين عاماً، هناك لحظات يمكن وصفها بنقاط «اللاعودة»؛ لحظات مثل دخول الصوت الذي كسر صمت القاعات، أو ظهور اللون الذي غيّر عالم الشاشة الرمادي. لكن ما نعيشه اليوم في النصف الأول من عقد 2020 ليس مجرد تغيير تقني بسيط، بل هو زلزال في ماهية الصورة نفسها. نحن ننتقل من عصر «تمثيل الواقع» إلى عصر «إنتاج الواقع حسابياً»؛ عصر يتشابك فيه الذكاء الاصطناعي مع السينما إلى حدّ أن الخوارزميات لم تعد مجرد مساعد تقني، بل جلست على مقعد «المؤلف». هذا التقرير رحلة إلى عمق هذه النهضة الرقمية وإعادة تعريف ماهية الصورة السينمائية. لقد دخلنا عصر «السينما الإصطناعية»؛ حيث لا حاجة لمرور الضوء عبر حساس الكاميرا لتسجيل صورة، بل تولد الصور في فضاء لا نهائي من الحسابات والمتجهات الرياضية.
«فلسطين في أعيني»
الفيلم القصير «فلسطين در جشم هايم» أي «فلسطين في أعيني» للمخرج سروش البخشي نائيني، ومن إنتاج جمعية السينما الشبابية في إيران، يُعتبر أول فيلم «فائق الواقعية» يُنتج بالذكاء الاصطناعي في إيران، مع الحفاظ على استمرارية الشخصيات والبيئة، ووفقاً لبعض المصادر الدولية، فهو أول فيلم في العالم يتمتع بهذه الخصائص.
تم إنتاج الفيلم بالكامل عبر منصات الذكاء الإصطناعي، كما إستُخدمت هذه التقنيات في مرحلتي ما قبل الإنتاج وما بعده. وقد وظّف صانعوه «Midjourney» و«4‑ChatGPT» لإنتاج الصور، و«Runway AI» للتحريك، و«UDIO» للصوت والموسيقى، وجميعها تعمل ضمن بيئة الذكاء الاصطناعي. وجاء في ملخص الفيلم: «عالِم فلسطيني يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي يخفي حقيقة الحرب عن طفله الكفيف عبر ابتكار جهاز واقع افتراضي».
«آلفا والروبوت المدمّر»
يُعد فيلم «آلفا وربات نابودكر» أي «آلفا والروبوت المدمّر» أول فیلم سینمائي إيراني يستخدم الذكاء الاصطناعي، حيث يعتمد على روبوتات حقيقية تمّت برمجتها بدقة لتأدية حركات مختلفة، من بينها تقديم الشاي للممثلين. ينتمي الفيلم إلى فئة الأطفال، وتدور قصته حول روبوت قوي يخطفه ساحر شرير للسيطرة على العالم، بينما يحاول فريق «آلفا» من علماء الروبوتيك إحباط خطته. يشارك الأطفال في القصة عبر اختراع أجهزة وبرمجة روبوتات تساعدهم لاحقاً على النجاة. شارك في الفيلم نحو ثمانية روبوتات إيرانية، بينها روبوت ضخم مكوّن من 470 قطعة. كما صُنعت الدقائق الثلاث الأولى باستخدام الذكاء الاصطناعي والمؤثرات البصرية، بدعم من عدة جامعات أبرزها جامعة شريف.
«حلم الأقاليم السبعة»
فيلم «رؤیاي هفت إقلیم» أي «حلم الأقاليم السبعة»، فيلم قصير إيراني يُنجز باستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي، من إخراج علیرضا ربیع‌ مقدم وإنتاج حسین كاكاوند. يعتمد الفيلم على أدوات الذكاء الاصطناعي في مراحل مختلفة من صناعته، في ظل التطور السريع لهذه التكنولوجيا وانتشار إستخدامها في الغرافيك والمونتاج والمؤثرات البصرية. يقدّم الفيلم رواية وثائقية عن عجائب الدنيا السبع الجديدة، تُسرد من منظور الذكاء الاصطناعي نفسه. 
معنى الصورة وملكية الخيال 
إنّ تأثير الذكاء الاصطناعي على السينما لم يعد سؤالاً عن المستقبل، بل حقيقة تتشكّل أمام أعيننا. وبينما يفتح هذا التحوّل آفاقاً واسعة للإبداع، فإنه يطرح في الوقت نفسه أسئلة أخلاقية وفلسفية حول معنى الصورة، وملكية الخيال، وحدود تدخل الآلة في الفن. السينما الإيرانية، بخطواتها التجريبية الجريئة، تبدو اليوم في موقع متقدّم لإستكشاف هذا العالم الجديد، لكنها مثل بقية سينمات العالم مطالبة بإيجاد توازن بين الابتكار والحفاظ على روح الفن الإنساني. فالمستقبل بلا شك سينمائي، لكنه أيضاً.. خوارزمي.
البحث
الأرشيف التاريخي