تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
كيف شكّل الإعلام الإيراني جبهة مقاومة موازية في مواجهة الحصار والتضليل؟
الإعلام.. ودوره الفريد في الدفاع المقدس
الإعلام اليوم هو ساحة صراع ناعمة، تتنافس فيها الدول والتيارات والأفكار، وتُستخدم فيها الصورة والكلمة كسلاحين لا يقلان فتكاً عن القوة العسكرية. وفي ظل هذا الواقع، تبرز أهمية الإعلام المقاوم، الذي لا يكتفي بنقل الحدث، بل يسعى لكشف الحقيقة، وتثبيت الهوية، والدفاع عن القضايا العادلة في وجه التضليل والتزييف.
الإعلام الإيراني والدفاع المقدس
لم يكن دور الإعلام مقتصراً على نقل الأخبار داخلياً فحسب، بل تحول إلى ذراع قوية للدبلوماسية الإيرانية على الساحة الدولية لإثبات حقانية إيران، وهذا الدور كان من أهم الأبعاد الإعلامية الدولية في تلك المرحلة.
كما قال «محمد دیلم کتولي»، أحد جرحى الدفاع المقدس ومن الناشطين في مجال الإعلام، في مذكرة له: «لقد لعب الإعلام في فترة الدفاع المقدس دوراً مهماً وأساسياً في انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية والمناضلين الشجعان».
مواجهة الحرب الإعلامية الناعمة
كان التصدي للشائعات والحرب النفسية والمعلومات غير الدقيقة، وسحب الذرائع من يد العدو، من خصائص الإعلام خلال سنوات الدفاع المقدس الثماني. فإلى جانب نقل أخبار الحرب إلى الشعب، أظهر الإعلام صموداً في وجه الهجوم الشامل لأجهزة التضليل الإعلامي في الشرق والغرب ضد إيران.
لقد أوصل الإعلام صوت مظلومية إيران إلى العالم، وكسر الحصار الإعلامي المفروض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ففي زمن الحرب المفروضة، كنا نواجه إلى جانب الحصار العسكري والاقتصادي، حصاراً إعلامياً شديداً، لكننا بذلنا ما في وسعنا لإيصال صوتنا.
وعلى الصعيد الداخلي، وفي تنظيم العلاقات الثقافية والاجتماعية على أساس ثقافة الدفاع المقدس، عملنا بشكل جعل الجميع اليوم، يسعون للحفاظ على علاقة طيبة مع المدافعين الشرفاء عن الوطن. هذا المنظور هو نتيجة محترمة لأداء الإعلام في هذا المجال.
الإعلام؛ الذراع القوية للدبلوماسية الإيرانية
إلى جانب نقل الأخبار داخلياً، كان يجب على الإعلام أن يكون ذراعاً قويةً للدبلوماسية الإيرانية على الساحة الدولية لإثبات حقانية إيران، وهذا الدور كان من أهم الأبعاد الإعلامية الدولية في تلك المرحلة. ومن جهة أخرى، كان على الإعلام أن يكسر التكتل الإعلامي العالمي ضد إيران، وقد نجح في ذلك بشكل ممتاز.
إظهار صورة إيران عبر الإعلام والسينما
في دور السينما، كانت تُعرض أفلام حربية عن الدفاع المقدس، تُظهر المناضلين الإيرانيين بصلابة ووقار وثبات لا يُقهر.
أفلام الدفاع المقدس كثيرة تم إنتاجها خلال العقود الأخيرة ونرى تأثيرها حتى اليوم، منها: الوكالة الزجاجية، من كرخه الى الراين، المراقب، الصراخ في النار، الصدع 143، كيميا، موقع مهدي، منصور، الفيلائيون، وغيرها، وسنتطرق إليها في مقال خاص. كما كانت تُبث في المساجد، عبر مكبرات الصوت أناشيد ملحمية تحكي عن البطولة بصوت «صادق آهنكران»، ولا ننسى الصور التي كان يتم بثها من الإذاعة والتلفزيون الإيراني عن المناضلين الإيرانيين بصوت «آهنكران»، أناشيد ملحمية كثيرة منها: «لقد وصل الأمر من الإمام الخميني(رض)»، و «أين شهداؤنا» الذي جاء في قسم منه: «أين من سكنوا الأرض بدمائهم؟ أين من جعلوا من التراب محراباً، ومن الجراح راية؟ أين من غابوا عن العيون، لكنهم سكنوا القلوب؟»، وكذلك نشيد «يا أخي في الخندق» وجاء في قسم منه: «يا أخي، يا من ترابط في خندقك، تحرسُ الليلَ بصمتك، وتُضيءُ الظلامَ بثباتك. يا من جعلتَ من الترابِ وطناً، ومن الجراحِ راية، سلامٌ عليك في كل لحظةٍ، وسلامٌ على قلبك الذي لا يلين»، وكذلك نشيد «يا أخواتي، يا أمهاتي» وغيرها من الأناشيد الملحمية.
كتابة ملحمية عن «الإيثار والشهادة»
في إطار ترسيخ ثقافة «طلب الشهادة»، التي كانت العامل الرئيسي في انتصار الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، قام الإعلام والصحف والصحفيون بكتابة ملحمية عن «الإيثار والشهادة»، وخلقوا مجموعة قوية بحجم مئات من الكتب، تحتوي على ملاحم وتضحيات وفداء وتعبيرات جميلة من هذا النوع.
خلق الوحدة بين العاملين في الإعلام
قبل الدفاع المقدس، كان يسود بين العاملين في الإعلام مفاهيم سلبية مثل التنافس، الإقصاء، وغيرها. لكن الدفاع المقدس وحّد الإعلاميين حول محاور مشتركة مثل «الدفاع المقدس، نقل ملاحم عمليات المناضلين، فضح خدع الإعلام المعادي، نشر ثقافة الإيثار والشهادة...»، وجعلهم إخوة في الهدف.
ترسيخ ثقافة المقاومة الشاملة
من أهم وسائل ترسيخ ثقافة المقاومة الشاملة للشعب الإيراني في الدفاع المقدس كان الإعلام الدقيق والشفاف والموثّق، وقد نفّذ الصحفيون والعاملون في الإعلام هذه المهمة بتضحية وفداء، وقدموا أعزاء في سبيل هذا «الطريق النوراني».
الإعلام في مواجهة العدوان الصهيوني
كما شهدنا في الحرب الصهيونية المفروضة الأخيرة على إيران، عاد الإعلام المقاوم ليؤكد حضوره. لم تكن المعركة فقط في الميدان، بل كانت أيضاً على الشاشات، في المنصات، وفي الرواية. الإعلام المقاوم، من بيروت إلى طهران، ومن بغداد إلى صنعاء، واجه التضليل، وفضح الجرائم، وساند الشعوب في كشف الحقيقة. وفي هذا السياق، برزت أصوات إعلامية شجاعة، من بينها الإعلامية الإيرانية «سحر إمامي»، في مشهد إنساني مؤثر تجاوز حدود السياسة، ولامس قلوب الملايين. كلماتها كانت صرخة في وجه العدوان.
الإعلام ليس مرآة.. بل سيف
من الدفاع المقدس إلى طوفان الأقصى، يتضح أن الإعلام المقاوم ليس مجرد مرآة تعكس الواقع، بل هو سيفٌ يواجه الباطل، ويكتب رواية الحق. في زمن تتعدد فيه الروايات، يبقى الإعلام المقاوم صوتاً لا يُشترى، وضميراً لا يُكسر، ورسالةً لا تموت.
