مصورون إيرانيون يوثقون ذاكرة الحرب المفروضة

عدسة المقاومة.. صور خالدة من الدفاع المقدس

/ لعبت الكاميرا دوراً مهماً وأساسياً خلال سنوات الدفاع المقدس الثماني؛ فالصور تُعد تواريخ مصورة تُجسّد مشاهد بارزة من الإيثار والتضحية. وتُعتبر الصورة وثيقة تاريخية تربط بين الأجيال الماضية والحاضرة والمستقبلية، وهي مؤثرة إلى درجة أنها لا تزال، بعد مرور عقود، تُثير مشاعر المتلقي.
في زمن الحرب، لا تُكتب البطولات بالحبر فقط، بل تُخلّد أيضاً بالضوء والظل، بعدسة مصورٍ شجاعٍ قرر أن يجعل من الكاميرا سلاحاً في وجه النسيان. خلال سنوات الدفاع المقدس، لم يكن المصورون مجرد شهود على الأحداث، بل كانوا جزءاً منها، يشاركون المقاتلين الخنادق والخطر، ويصنعون من كل لقطة شهادة حيّة على صمود شعبٍ آمن بقضيته. من بين صور الحرب المفروضة، هناك صور نالت شهرة واسعة بمرور الزمن نتيجة انتشارها في الملصقات ووسائل الإعلام. وقد يكون ذلك بسبب رمزية الصورة، أو تكوينها الفني، أو حتى القصة التي تقف خلف التقاطها. لفهم الأسباب الدقيقة التي جعلت هذه الصور تُحفر في الذاكرة الجمعية، يجب أخذ العديد من العوامل بعين الاعتبار. ومع ذلك، تبقى هذه الصور بمثابة مرايا تعكس حضورنا في الحرب. بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس، توجهنا إلى بعض الصور الشهيرة للتعرف على أبرز مصوري الحرب المفروضة، أولئك الذين وثّقوا، في سن مبكرة، مشاهد فريدة من الحرب المفروضة لثماني سنوات. 
الصورة... وثيقة وطنية
منذ اندلاع الحرب المفروضة من قبل نظام صدام في 22 أيلول/سبتمبر 1980، برز دور الصورة كأداة مقاومة، ووسيلة لتوثيق الحقيقة في وجه آلة الدعاية المعادية. لم تكن الصور مجرد مشاهد عابرة، بل تحوّلت إلى وثائق تاريخية، تُحاكي وجدان الأمة، وتربط الأجيال ببعضها البعض. فالصورة التي التُقطت في لحظة خطر، أصبحت بعد عقود مرآةً للكرامة، وذاكرةً لا تموت. في هذا السياق، لعبت الكاميرا دوراً أساسياً في الدفاع المقدس، حيث سجّلت مشاهد الإيثار والفداء، وخلّدت وجوه الجنود، ودموع الأمهات، وصمت المدن المدمرة. بعض الصور أصبحت رموزاً بصرية تتكرر في الملصقات والوسائط الإعلامية، ليس فقط لجمالها الفني، بل لقوة قصتها، وتكوينها، وظروف التقاطها.
أبرز مصوري الدفاع المقدس
بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس، نسلّط الضوء على أبرز المصورين الذين وثّقوا تلك المرحلة، وتركوا بصماتهم في الذاكرة البصرية الإيرانية، من بين هؤلاء المصورين: علي فريدوني، سعيد صادقي، بهرام محمدي فر، كاوه غلستان، بهمن جلالي، ساسان مويدي، وآلفرد يعقوب‌زاده، الذين سجّلوا بعدساتهم صوراً خالدة من الدفاع المقدس، فنذكر نبذة عن كل منهم.
- سعيد صادقي: وُلد عام 1953 في تبريز، وبدأ التصوير خلال الثورة الإسلامية عام 1979، ثم عمل كمصور ومراسل في صحيفة الجمهورية الإسلامية عام 1980 مع بداية الحرب المفروضة. بعدها، أقام معرض «الوجه الخفي للحرب المفروضة» بالتعاون مع مصور عراقي، وصوّر سلسلة وثائقية بعنوان «سبعة جراح من الدفاع المقدس». حصل على وسام الشجاعة عام 2006، ووسام الدرجة الأولى الفنية من المجلس الأعلى للثورة الثقافية عام 2007.
- علي فريدوني: المولود عام 1954، فقد بدأ التصوير عام 1970، وانضم عام 1976 إلى قسم  التصوير في وكالة «إرنا» للأنباء. وعن تجربته في الجبهة، يقول: «خلال أول خمس سنوات لي في الوكالة، كنت أعمل في قسم التصوير، ثم كُلّفت من قبل المدير العام الدكتور خرازي ورئيس القسم رسول قديري نيا بالتصوير في منطقة العمليات خلال فك حصار آبادان، وكانت تلك أول مرة أمسك فيها بالكاميرا، وبداية الطريق الذي أقف عليه اليوم.»
- بهرام محمدي فر: بدأ التصوير كهواية عام 1976، ثم أسس قسم التصوير في وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء «إرنا» عام 1979. يقول إنه وثّق نحو 80% من الحرب، وتعاون خلال تلك الفترة مع عدة مجلات مثل «سروش» وغيرها.
- كاوه غلستان: ولد عام 1950 في آبادان، وانتقل مع أسرته إلى طهران، بدأ التصوير الصحفي عام 1971 بمهمة لتوثيق الحرب في أيرلندا الشمالية. وثّق صورًا خالدة خلال الحرب المفروضة. توفي في 2 أبريل 2003 في منطقة كفري بإقليم كردستان العراق، أثناء مهمة تصوير إثر انفجار لغم.
- بهمن جلالي: ولد في 15 يناير 1945 في طهران. درس الاقتصاد في الجامعة الوطنية، ولم يدرس التصوير أكاديميًا بل تعلمه بشكل عملي. بدأ العمل كمبدأ العمل كمصور في أواخر الستينات بعد التخرج، ودرّس التصوير في مؤسسات وجامعات مختلفة، والتقط صورًا مؤثرة للمنازل في خرمشهر.
- ساسان مؤيدي: وُلد عام 1959 في طهران، وبدأ احتراف التصوير في سن السابعة عشرة. بدأ نشاطه في الإذاعة والتلفزيون عام 1976، وشارك خلال سنوات الحرب في عمليات متعددة، حيث سجّل صوراً مؤثرة.
- آلفرد يعقوب‌ زاده: وُلد عام 1958 في أسرة أرمنية-آشورية. ترك دراسة التصميم الداخلي بعد الثورة عام 1979، ودخل عالم التصوير. خلال الحرب والثورة، صوّر لصالح وسائل إعلام محلية ودولية. ركّز نشاطه المهني على توثيق أحداث احتجاز الرهائن في حرب لبنان، وصوّر لمدة 13 عاماً بين المناضلين الفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني.
- محمد حسين حيدري: وُلد عام 1962 في قرية «لوشاب» التابعة لمحافظة أصفهان. بدأ التصوير عام 1979 في مجال الثقافة والفنون، ويشغل حالياً منصب مدير جمعية مصوري الثورة والدفاع المقدس.
- رضا أحمدي: وُلد عام 1967 في أسرة دينية وتقليدية بمدينة أراك. بدأ نشاطه السياسي والاجتماعي في سن مبكرة من خلال المشاركة في التظاهرات ضد النظام الملكي البائد، وكان حضوره الدائم في قاعدة «السيد مهدي» سبباً في توجهه إلى الجبهات.
- كمال الدين شاهرخ: بدأ نشاطه كمصور صحفي عام 1978، وشارك في أكثر من 10 عمليات عسكرية خلال الدفاع المقدس حتى نهاية الحرب.
الصورة كفن مقاوم
ما يجمع هؤلاء المصورين ليس فقط الشجاعة، بل الإيمان بأن الصورة يمكن أن تكون فعلاً مقاوماً، وأن الفن ليس ترفاً في زمن الحرب، بل ضرورة ثقافية. لقد ساهموا في بناء أرشيف بصري يُظهر للعالم وجه إيران الحقيقي: شعبٌ موحّد، مقاوم، ومؤمن بقضيته.
إن الصور التي التقطوها لا تزال تُعرض في المعارض، وتُستخدم في الأفلام الوثائقية، وتُدرّس في الجامعات، لأنها ليست مجرد لقطات، بل روايات ضوئية تحكي قصة وطن.
فرصة لتأمل القوة الكامنة في الثقافة
أسبوع الدفاع المقدس ليس مجرد مناسبة لإحياء ذكرى الحرب المفروضة، بل هو فرصة لتأمل القوة الكامنة في الثقافة، والفن، والصورة. إنه تذكير بأن الكاميرا، حين تُحمل بإيمان، يمكن أن تكون أقوى من الرصاص، وأن الصورة، حين تُلتقط بصدق، يمكن أن تخلّد أمة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي