تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
الحاج رمضان في معركة الرواية.. عقل المقاومة وقلب فلسطين
الحاج رمضان، القائد الإيراني الذي نذر عمره لفلسطين، لم يكن مجرّد ضابط ظلٍّ أو عنصر دعم لوجستي. بل كان جسراً حيّاً بين طهران وغزّة، عقلاً مُفكّراً يحمل عبء القضية، ومُجاهداً يحمل قلبها. لأكثر من أربعة عقود، قاد محور دعم فلسطين داخل إيران، بصمتٍ وزهد، وبتكليفٍ عقائدي لا يخالطه تردّد.
لم يكن الحاج رمضان قائداً عسكرياً فقط؛ بل كان مُنظِّراً في فقه المقاومة، وواحداً من أولئك الذين مزجوا بين ميدان الحرب وميدان الفكر. تشبّع بفكر الإمام الخميني(قدس)، ونهج الإمام الخامنئي، وتحوّل إلى صوتٍ فكريّ للمقاومة في قلب الجمهورية الإسلامية. وفي سرديات كثير من المقرّبين، هو الأقرب إلى الشهيد قاسم سليماني: شجاعةٌ في الميدان، وبصيرةٌ في القرار، وعمقٌ في النظرة، وسعةٌ في الفقه السياسي والقرآني. كان يؤمن أنّ المقاومة تتجاوز المدفع والسلاح، وتتحوّل إلى منظومة ناعمة، إلى عقلٍ جمعي، وإلى سردية تؤسّس وعي الشعوب وتعيد تعريف النصر. لم يكن يرى الهزيمة الميدانية نهاية المعركة، بل كان يراها محطة من محطات الانتصار الأخلاقي، استلهاماً من سيرة الإمام الحسين(ع). أعلنَ بصدقٍ وثقة أنّ «طوفان الأقصى» عملية فلسطينية خالصة، من التصميم إلى التنفيذ. ودافع عنها بشرف، معتبراً نفسه حارس الجبهة الخلفية وداعمها بلا تردّد. لم يطلب شيئاً، ولم يسعَ إلى الأضواء. لكنّه كان عنواناً لصمودٍ إستراتيجي استمر 48 عاماً، ولم يتغيّر. بحسب شهادة الدكتور خليل الحيّة وعدد من قادة المقاومة في غزّة، كان الحاج رمضان واحداً منهم، لا حليفاً من بعيد. أسهم بشكل مباشر في تطوير القدرات التكتيكية والتقنية لكتائب القسّام، وسرايا القدس، وغيرها من الأجنحة، وعمل على تمكينهم من الموارد والخطط والمواقف. في إيران، لم يكتفِ بقيادة محور الدعم؛ بل سعى إلى تكوين رأي عام إستراتيجي داخل الإعلام الإيراني، يُدرك مركزية فلسطين. كان يوجّه الإعلاميين إلى اعتبار فلسطين «إكسيراً» لوحدة الأمّة، ونقطة تقاطع بين السنّي والشيعي، والعربي والأعجمي. وكان يرى أنّ الكيان الصهيوني يخوض حرباً نفسيّة وإعلامية موازية، ويغطّي ضعفه الحقيقي بقوة الصورة، بينما تغفل المقاومة عن نقاط قوّتها السردية. «لا تنتظروا توازناً عددياً في الإعلام مع العدوّ»، كان يردّد، «بل اصنعوا الأثر». دعا إلى إعلام مبادر، شبابي، خفيف وسريع، يختار الزمان والمكان بعناية، ويراهن على الأثر النوعي لا على الحجم الكمي: «ابحثوا عن الأثر الكبير لا الوسيلة الكبيرة». كان الحاج رمضان يوصي الإعلام المقاوم بالهجوم لا الدفاع، وبالابتكار لا التكرار، وبالعمل النوعي لا الكليشيهات المكرّرة.
في شخصه، كان بسيطاً، حسن الخلق، صوفيّ الروح، صاحب نظرة نافذة لا تُنسى. «لم يكن فقط عقل المقاومة، بل كان قلبها وروحها. ومَن عرفه، لا يستطيع أن ينسى سلوكه الحسني، ولا عزيمته العاشورائية، ولا نظرته التي كانت كالحُجّة، تُحرّك فيك اليقين بأنّ النصر وعدٌ إلهي، والمقاومة طريقٌ لا رجوع عنه».
