الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • رياضة وسياحة
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثة عشر - ١٢ يوليو ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثة عشر - ١٢ يوليو ٢٠٢٥ - الصفحة ۷

الشيخ نعيم قاسم في حوار الصراحة والمراحل الكبرى:

على العهد باقون.. والمقاومة تُعيد رسم مستقبل لبنان

د.اكرم شمص


في واحدة من أكثر المقابلات عمقًا وشفافية، يفتح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قلبه وعقله أمام شاشة «الميادين»، ليروي تفاصيل ما بعد «معركة أولي البأس»، ويرسم ملامح المرحلة الجديدة للمقاومة بعد استشهاد الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله.
وبين السياسة والميدان، والأمن والعقيدة، والعلاقات الدولية والتحالفات الداخلية، يكشف قاسم عن الرؤية الاستراتيجية التي تحكم قرارات الحزب، ويؤكد أنّ المقاومة ليست حالة طارئة بل مشروع راسخ في وجدان الأمّة.
ومن غزة إلى لبنان، ومن طهران إلى الضاحية، ومن القيادة إلى الشارع، هذه شهادة قائد، ووصية رفيق، ورسالة عهد من حزب لم يغِب عن معارك الأمّة، ولن يتراجع عن «الطريق الذي شقّه سيد شهداء العصر».
معركة إسناد غزة.. استراتيجية محسوبة وليست ردّ فعل
أكّد الشيخ قاسم أنّ دخول حزب الله في معركة «إسناد غزة» كان قرارًا استراتيجيًا جماعيًا اتخذته قيادة الشورى، لا ردّة فعل عاطفية أو اندفاعًا غير مدروس. وهو بذلك يُفنّد اتهامات أنّ الحزب «تورّط» في معركة لم يكن مستعدًا لها، موضحًا أنّ خيار المساندة المحدودة كان لتجنّب الانزلاق إلى حرب شاملة قد لا تكون الظروف مهيّأة لها. وأنّ الهدف المركزي هو تشتيت جبهة العدو عبر نقل المعركة إلى الشمال، وتعطيل قدرته على التركيز في غزة. وأنّ الرسائل السياسية هي أنّ المقاومة موجودة في أكثر من جبهة، و«إسرائيل» ستدفع ثمن عدوانها أينما كانت.
هذا الطرح يُقدّم نموذجًا لما يُعرف بـ«التصعيد المتحكَّم» في العقيدة العسكرية للمقاومة، حيث تُستخدم القوّة بمقادير مدروسة لأهداف سياسية وعسكرية دون تجاوز الخطوط التي تستدعي تدخلًا دوليًا مباشرًا (مثل دخول أميركا الحرب).
التحقيق في الخروقات.. مصارحة وشجاعة تنظيمية
كشف الشيخ قاسم عن الثغرات الأمنية الخطيرة التي أدّت إلى تفجير أجهزة «البيجر» واستشهاد عدد من القادة، على رأسهم الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي صفي الدين. وأشار إلى:
ضعف في إجراءات الشراء والكشف الفني للأجهزة.
وجود تنصت شامل وطائرات مسيرة صهيونية تراكم معطيات منذ 17 عامًا.
رغم ذلك، لا اختراق بشري مباشر في الصفوف القيادية العليا.
في زمن الحروب الإلكترونية والإستخبارية، هذه الاعترافات تعكس نضجًا تنظيميًا وشجاعة في المكاشفة، وتؤكد أنّ حزب الله بصدد إعادة بناء بنيته الأمنية والتقنية بشكل جذري.
ما بعد الحرب.. عقيدة النهوض والاستمرارية
أكّد الشيخ نعيم قاسم أنّ حزب الله خرج من الحرب الأخيرة أكثر صلابة وتصميمًا، داحضًا رهانات العدو على انهياره بعد استهداف قيادته وقدراته النوعية، إذ سرعان ما عاد إلى الميدان وفرض وقف إطلاق النار بشروطه. وأوضح أنّ المقاومة، وإنْ كانت في طور الترميم، فهي في أعلى درجات الجهوزية، ولن تنكسر تحت الضغوط الصهيونية والأميركية.
وإلى جانب الصمود العسكري، أطلق الحزب ورشة داخلية شاملة لتحديث أدواته الإعلامية والثقافية والسياسية، في سياق ما أسماه «المرونة الاستراتيجية» التي تحول الفقد إلى فرصة للنهوض، وتجعل من كل خسارة مدخلًا إلى تجديد القيادة والبنية التنظيمية دون مسّ بثوابته.
إستشهاد السيِّد.. صدمة مفاجئة
شكّل استشهاد الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله صدمة عميقة ومفاجئة لحزب الله وقيادته، كما عبّر الشيخ نعيم قاسم، الذي وصف اللحظة بحالة إنكار عاطفي شديد، تعكس عمق العلاقة بين القائدين. فقد بدا أنّ السيد نصر الله بالنسبة لهم هو «الركن الثابت» الذي يبقى حين يستشهد الآخرون، لما كان يتحلّى به من شجاعة وتسديد إلهي واضح.
ورغم مرارة الفقد، شدد الشيخ قاسم على أنّ الشهادة وسامٌ لا توقف المسيرة بل تغذّيها، داعيًا إلى مواصلة الطريق بعزيمة تليق بتلك التضحية.
وعن توليه القيادة بعد استشهاد السيد الهاشمي، أوضح أنّ خبرته الطويلة كنائب للأمين العام وعضو في الشورى أهّلته لإدارة المرحلة، بما يمتلك من إدراك سياسي وتنظيمي. وأكد أنّ الحزب لم يخرج عن انتظامه، بل حافظ على قدرته في اتخاذ القرار وتنفيذه، كما تجلّى في القصف الكبير لتل أبيب وقيادة «الأحد الأسود».
لقد أظهر الشيخ قاسم أنّ حزب الله، رغم خسارته لأبرز قادته، لا يزال متماسكًا، ويواصل أداءه بروح المؤسسة لا الفرد، وفاءً للشهداء، واستعدادًا لما هو قادم.
قرار وقف إطلاق النار.. قرار لبناني لا إيراني
شكّل قصف «تل أبيب» تتويجًا للقرار العسكري المنظم والمخطط له من قِبَل حزب الله خلال المعركة، وفق ما أكده الشيخ نعيم قاسم، مشيرًا إلى أن العملية نُفِّذت بتنسيق محكم مع القيادة الميدانية والخطاب السياسي، ما عكس الجهوزية العالية والانضباط التنظيمي حتى في أصعب الظروف. واعتبر أنّ الصمود «الأسطوري» في الجبهة كان نتيجة مباشرة لحسن الإعداد واستمرار تدفق الدعم، ما يؤكد أنّ بنية القيادة والسيطرة داخل الحزب لم تتأثر رغم الخسائر، وأنه، رغم كونه في مرحلة ترميم، يبقى جاهزًا لأي مواجهة.
وفي ما يتعلق بوقف إطلاق النار، أوضح قاسم أنّ القرار لم يكن استجابة لإملاءات خارجية، بل نتاج تقييم ميداني داخلي عندما أصبحت المعركة استنزافًا بلا أفق، وقد تحقق الردع ومنع العدو من التقدم. وأكد أنّ القرار اتُّخذ عبر الشورى بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري، وأُبلغ للمبعوث الأميركي هوكستين، في حين التزم المقاتلون بالقرار فورًا، ما يدحض الادّعاءات حول الفوضى أو ضعف التواصل.
بهذه الخطوة، كرّس حزب الله معادلته: هو لا يبدأ الحرب؛ لكنه يحسم شروط إنهائها.
«دور إيران كان أساسياً في صمود المقاومة»
جدّد الشيخ قاسم التأكيد على أنّ إيران لم تكن على علم مسبق بالطوفان؛ لكنها لم تبخل بالدعم بعد انطلاقه، واعتبر أن: أي دخول مباشر منها كان سيعني دخول أميركا. وأنّ دورها المحوري يكمن في الدعم الاستراتيجي الكامل (مالًا وسلاحًا ومعلومات) لا المشاركة المباشرة.
هذا الموقف يُكرّس ما يُعرف بـ«دور النبع» الإيراني، الذي يغذي ولا يستنزف نفسه، ويظهر ذكاء في توزيع الأدوار داخل محور المقاومة.
«نحن ضدّ التطبيع نظرياً».. موقف مبدئي
لا تدخل عملي
قال الشيخ قاسم بصراحة إنّ ما جرى في سوريا كان «خسارة لمحور المقاومة»، نتيجة سقوط النظام الذي كان داعمًا أساسيًا في التمرير والدعم اللوجستي.
وصف التطبيع السوري مع الكيان بأنّه «خطير».
عبّر عن عدم وضوح شكل النظام المقبل في سوريا.
لهجة نقدية نادرة من قيادة حزب الله تجاه الوضع السوري، تعكس إدراكًا لتراجع دور سوريا كممر استراتيجي، وحرصًا على عدم التورط في المشهد الداخلي المعقد.
ثوابت وطنية وشراكات مشروطة.. بين دعم الجيش ورفض الاستتباع
أكّد الشيخ نعيم قاسم أنّ مواقف الرئيس العماد جوزاف عون تتقاطع مع ثوابت حزب الله في ما يخص الانسحاب الصهيوني واستعادة الأسرى والإعمار، معتبرًا إياها مواقف لبنانية وطنية بامتياز.
ورفض الشيخ قاسم الضغوط الأميركية والعربية التي تحاول دفع الجيش إلى مواجهة المقاومة، مشيدًا بوعي الرئيس عون ورفضه للفتنة، كما حيّا موقف الرئيس نبيه بري الذي يرى أنّ الاستهداف يتعدى الحزب ليطال الطائفة الشيعية ولبنان كله.
وفي هذا الإطار، حذّر الشيخ قاسم من محاولات تهميش الشيعة، مؤكدًا أنهم قوة وطنية شريكة في بناء الدولة.
أمّا في علاقاته مع القوى السياسية، فأوضح الشيخ قاسم أنّ حزب الله منفتح على الحوار مع مَن يلتزم بالخطاب الوطني، بينما قاطع «القوات اللبنانية» لانخراطه في سردية معادية للمقاومة.
وعن «اليونيفيل»، شدد على قبول الحزب بوجودها ضمن التفويض المحدد واحترام السيادة اللبنانية، داعيًا إلى التنسيق مع الجيش لتجنّب التوترات.
المقاومة مشروع لا سلاح فقط.. حزب الله بين العقيدة والدولة
في ردّه على محاولات التشويه، شدّد الشيخ نعيم قاسم على أنّ حزب الله ليس مجرد سلاح، بل هو مشروع متكامل يجمع بين العقيدة، والتنظيم، والحضور الشعبي الواسع، ما جعله القوة الأكبر في لبنان. وأوضح أنّ السلاح ليس هدفًا بحدّ ذاته، بل أداة لحماية لبنان ضمن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، وأنّ الدعوات لنزعه تُخفي محاولات لتجريد الوطن من عناصر قوّته.
وردًّا على الاتهامات بأنّ الحزب يُهدّد الكيان اللبناني، اعتبر الشيخ قاسم أنّ الفتن والحروب الخارجية كانت التهديد الحقيقي، بينما المقاومة حررت، وردعت، وحمت الاستقرار. كما نفى وجود أي انقسام داخلي في الحزب، ساخرًا من شائعة «الأجنحة» بقوله: «الأجنحة تطير... ولم نرَ شيئًا يطير داخل حزب الله»، في تأكيد على التماسك والانضباط الداخلي.
النهج المستمر.. من دماء القائد
إلى عقيدة الأُمّة
شدّد الشيخ نعيم قاسم على أنّ أولويته في قيادة حزب الله هي مواصلة النهج الذي أرساه الشهيد السيد حسن نصر الله، معتبرًا أنّ هذا الخط هو جوهر وجود الحزب ومحوره في مشروع الأمّة. وأكد أنّ التزام الحزب بتحرير فلسطين هو التزام متكامل يُترجم في ميادين الثقافة، السياسة، والجهاد، مع رفض قاطع للفتنة المذهبية، وتمسك بالدستور واتفاق الطائف في سبيل بناء لبنان الموحّد القوي.
في البُعد الاستراتيجي، شدد على أنّ العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخامنئي هي علاقة عزّة ووفاء لا تبعية، مشيدًا بتضحيات الحرس الثوري ودعم محور المقاومة في اليمن والعراق وفلسطين. وأوضح أنّ الحزب منفتح على كل من يشترك في هذا المشروع، معتبرًا أنّ القوميين والعروبيين هم الحليف الطبيعي لحزب الله في مشروعه التحرري والمقاوم.
رفيق الدرب ووصية الدم.. نعيم قاسم يودّع السيد نصر الله في ختام المقابلة، رسم الشيخ نعيم قاسم لوحة وجدانية نادرة للراحل السيد حسن نصر الله، واصفًا إيّاه بأنّه ليس فقط قائدًا فذًّا صنع التحولات، بل إنسانًا استثنائيًا جمع بين الروحانية والصلابة، وبين التواضع والهيبة. كان «قائدًا من طينة التاريخ»، كما قال، لا تحكمه الكاريزما وحدها بل الصدق والبصيرة والإيمان، ما جعله ناطقًا باسم قلوب الناس لا باسم فصيل أو جبهة.
في تلك اللحظات الحميمية التي استعادها الشيخ قاسم، تتجلّى لا فقط ملامح القائد، بل مشاعر الأخوّة والوفاء والعهد، حين كانت الكلمات تتجاوز السياسة إلى الحب الصريح: «أحبّك يا سيِّد»، ليردّ القائد بتواضع المحب: «وأنا أحبّك».
هكذا تختتم المقابلة بوعد أخلاقي وتاريخي: أنّ دم الشهيد لم يُنهِ المسيرة بل رسم لها طريقًا أوضح، وأنّ مَنْ سار خلف السيد، لن ينكفئ عن حمل الأمانة حتى بلوغ القدس.
خاتمة: حزب الله يعيد التموضع لا الدفاع
مقابلة الشيخ نعيم قاسم ليست مجرد تأريخ لمحطات الحرب، بل إعلان صريح عن ولادة مرحلة جديدة في مشروع المقاومة.
من تحت الركام، ينهض حزب الله بمنهج الترميم والتأهب، ثابتًا على عقيدته، مرنًا في أدواته، مستعدًا لجولة قادمة أكثر تنظيمًا ونضجًا.
إنّها لحظة انتقال لا تنطوي على الانكفاء، بل على تحويل الفقد إلى طاقة نهوض، والوداع إلى تجديد عهد. في غياب القائد الجسدي، يحضر الصوت في الضمير، ويظل المشروع ممتدًا من الجنوب إلى القدس، بقدر ما يحمله الناس من وفاء ويقين. هكذا تتقدّم المقاومة: لا كجماعة مسلحة فحسب، بل كفكرة تتجدد كلما ظنّ العدو أنها انتهت.

 

البحث
الأرشيف التاريخي