الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • رياضة وسياحة
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثمانمائة وثمانية - ٠٣ يوليو ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثمانمائة وثمانية - ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ - الصفحة ٥

في ظل القرار الأخير ضدها

كوبا في قبضة الحصار الأمريكي؛ عقوبات أم عقاب جماعي؟

/  في عالمٍ يدعي برفع راية حقوق الإنسان في المحافل الدولية، تقبع جزيرة صغيرة تُدعى كوبا على هامش هذا الادّعاء، مسجونة داخل دائرة حصار اقتصادي أميركي مستمر منذ أكثر من ستة عقود. عقوبات قاسية، تبدأ من تفاصيل المعاملات التجارية، ولا تنتهي عند تقييد سُبل الحياة اليومية لملايين البشر. وبين كل تغيير في الإدارات الأميركية، تتجدّد نيران الحصار، وكأنها نار لا تنطفئ، بل تتغذّى من التقلبات السياسية، لتحرق أحلام التنمية، وتُضعف أجنحة الاقتصاد، وتُجهض كل محاولة للنهضة المستقلة.
لكن كوبا، تلك الدولة التي ما زالت تحمل ملامح الثورة، لم تكن يومًا أرضًا مستسلمة. فبينما تُحكم واشنطن قبضتها الاقتصادية، لا تزال هافانا ترسل أطبّاءها إلى بقاع العالم، وتعزّز نهجها المستقل في وجه الهيمنة.  واليوم، تعود هذه القضية إلى واجهة النقاش الدولي بعد صدور مذكرة رئاسية أميركية جديدة في يوليو/ تموز 2025، تُعدّ الأخطر في سلسلة العقوبات المفروضة منذ عقود. فهي لا تكتفي بتكثيف القيود بل تُسدل ستارًا على أي أمل بالتقارب، وتُكرّس منطقًا جديدًا في تعامل واشنطن مع كوبا، يقوم على الإخضاع لا الشراكة، وعلى الضغط بدل الاحترام المتبادل.فما الذي تتضمنه هذه الإجراءات؟ وما آثارها المحتملة؟ والأهم، كيف ترد كوبا على هذا التصعيد؟
جذور العداء؛ الحكاية الطويلة بين كوبا وأميركا
تبدأ القصة في مطلع ستينيات القرن العشرين، عندما قررت الثورة الكوبية بقيادة «فيدل كاسترو» تأميم الشركات الأجنبية، وعلى رأسها المصالح الأميركية. ردّت واشنطن بفرض أولى العقوبات عام 1960، ثم فرض الرئيس جون كينيدي حظراً تجارياً شاملاً عام 1962، شمل جميع أنواع التبادل التجاري والمالي.
على مدى عقود، تراوحت السياسات الأميركية بين التشدد والانفتاح المحدود. إدارة باراك أوباما سجّلت انفتاحاً نادراً حين أعادت العلاقات الدبلوماسية جزئياً، ورفعت بعض القيود على السفر والتحويلات. لكن إدارة دونالد ترامب ألغت معظم هذه الخطوات، وشددت الحصار مجددًا. واليوم، تعود إدارة جديدة لنهج أكثر قسوة، معلنةً مذكرة تنهي أي أمل بالتقارب.
المذكرة الرئاسية الجديدة؛ ملامح تشدد أميركي
في يوليو/ تموز 2025، أعلن البيت الأبيض عن مذكرة رئاسية تُعيد بصرامة العقوبات التي أُقرت في عهد ترامب، وتُلغي التسهيلات التي أدخلتها إدارة بايدن. أهم ما ورد في المذكرة: حظر شامل على المعاملات المالية، المباشرة وغير المباشرة، مع الشركات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية الكوبية، خصوصاً مجموعة «GAESA»، وهي الذراع الاقتصادي الأقوى للجيش الكوبي، والمتهمة أميركيًا بالسيطرة على قطاعات حيوية كالفنادق والموانئ، وفرض قيود مشددة على السفر، إذ تمّ حظر السفر السياحي نهائياً إلى كوبا للمواطنين الأميركيين، مع إلزام المسافرين الآخرين بالاحتفاظ بسجلات مالية دقيقة لتعاملاتهم لمدة لا تقل عن خمس سنوات، والتراجع عن السياسات التي شجّعت هجرة الكوبيين إلى الأراضي الأميركية، بدعوى «مكافحة الهجرة غير النظامية»، ما يُعد تحولًا جذريًا في تعاطي واشنطن مع ملف اللاجئين الكوبيين. والتأكيد على الاستمرار الكامل في الحصار الاقتصادي، ورفض أي مقترحات لرفعه داخل الأمم المتحدة أو في المنتديات الدولية، وإطلاق وعود بدعم «كوبا الحرة» عبر دعم حرية الصحافة، وتوسيع الوصول إلى الإنترنت، وتشجيع القطاع الخاص المستقل، وإنشاء قائمة بمطلوبين للعدالة الأميركية تزعم واشنطن أن هافانا توفّر لهم الحماية.
كوبا تردّ.. الإدانة والتمسك بالسيادة
لم تتأخر هافانا بالردّ على الخطوة الأميركية، إذ وصف وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغيز باريا، القرار بأنه «تصعيد للعدوان الاقتصادي»، و«إعاقة مباشرة لتطوّر الأمة الكوبية». وذهب أبعد من ذلك حين قال:« هذه السياسة تنتهك حقوق أمة بأكملها، وتثبت أنّ الحصار ليس مجرد وسيلة ضغط بل هو عقاب جماعي بحق شعبنا».
وأكدت الحكومة الكوبية أن العقوبات لا تستهدف النظام، كما تدّعي واشنطن، بل تصيب قلب الحياة اليومية للمواطنين، وتُقيّد إمكانيات التنمية والاستقلال الاقتصادي.
العواقب الاقتصادية؛ كوبا تحاصرها الأزمات
إن التداعيات الاقتصادية للعقوبات لا تحتاج كثيرًا من التحليل، إذ تظهر واضحة في حياة الكوبيين وفي القطاعات المختلفة، ففي القطاع الصحي، تواجه كوبا صعوبات بالغة في استيراد الأدوية، والمعدات الطبية، وقطع الغيار للمستشفيات، رغم أن نظامها الصحي من الأكثر تطورًا بين دول الجنوب.أما في قطاع الطاقة، فقد أُصيبت البلاد بسلسلة من الانقطاعات في الكهرباء، نتيجة نقص الوقود، وعدم القدرة على استيراد قطع غيار للمحطات المعطّلة. وفي قطاع السياحة، شكّلت قرارات حظر السفر من الولايات المتحدة ضربة قاصمة، إذ كانت أميركا تمثل أحد أكبر مصادر السائحين. كما كانت التحويلات المالية من الكوبيين المقيمين في الخارج شريان حياة للكثير من الأسر، لكن العقوبات حرمتهم من تلقي الدعم المالي بسهولة. وبالنسبة للاستثمار الأجنبي، فالحصار جعل من الصعب، بل والمستحيل، على الشركات العالمية التعامل مع كوبا دون مواجهة خطر العقوبات الثانوية الأميركية.
دوافع واشنطن.. لماذا هذا التصعيد الآن؟
يكمن وراء هذا القرار دوافع داخلية وخارجية، داخلياً، تحاول الإدارة الأميركية كسب أصوات الجالية الكوبية المعادية للنظام، خصوصاً في ولاية فلوريدا، والتي تلعب دوراً محورياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية. خارجياً، تسعى واشنطن لتوجيه رسالة حادة إلى الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية مفادها أن الدعم الأميركي لن يُمنح إلا للأنظمة «المطيعة».
كما أن هذا التشدد قد يكون جزءاً من صفقة جيوسياسية أكبر مع حلفاء مثل أوروبا أو دول منظمة الدول الأميركية لتعزيز جبهة الضغط على الأنظمة «غير المتماشية» مع السياسات الغربية.
المواقف الدولية؛ العالم لا يوافق
بعيداً عن الرؤية الأميركية، فإن المجتمع الدولي لا يتفق مع واشنطن، فالأمم المتحدة تشهد سنويًا منذ 1992 تصويتًا كاسحًا ضد الحصار،  إذ يصوت أكثر من 180 دولة لصالح رفعه، بينما تعارضه عادةً الولايات المتحدة والعدو الصهيوني فقط. الاتحاد الأوروبي يُعارض الحصار ويواصل علاقاته الاقتصادية والثقافية مع كوبا، ويعتبر أن سياسة العقوبات غير مجدية. روسيا والصين تؤيدان كوبا بقوة، وتعتبران العقوبات انتهاكًا للسيادة، وتسعيان لمدّ يد المساعدة الاقتصادية لها. دول الجنوب العالمي، خصوصاً في إفريقيا وأميركا اللاتينية، ترى في كوبا رمزاً للصمود، وتدعو إلى إنهاء الحصار فوراً.
واقع الحياة في كوبا؛ ما بين الصمود والمعاناة
رغم الحصار، لم تستسلم كوبا. لقد طوّرت لقاحات محلّية ضد فيروس كورونا، وتُرسل بعثات طبية إلى دول فقيرة، وتُخرّج آلاف الأطباء سنويًا. معدلات الأمية شبه معدومة، والتعليم مجاني، والرعاية الصحية متوفرة للجميع.
لكن في المقابل، فإن المعاناة لا تُخفى، فهناك نقص في المواد الغذائية، طوابير للحصول على الوقود، هجرة متزايدة، وتراجع في قيمة العملة المحلية. إن كوبا تُقاتل من أجل البقاء، لكن الثمن باهظ.
إلى أين يتجه المشهد؟
المستقبل يحمل عدة احتمالات، منها استمرار التصعيد، وهو ما سيُعمق الأزمة الاقتصادية، وقد يُشعل احتجاجات اجتماعية داخلية، ضغط دولي متزايد قد ينجح في كسر الجمود ويفتح نافذةً للحوار، تقارب مفاجئ في حال حدوث تغيير جذري في البيت الأبيض يعيد إحياء مسار الانفتاح، أو التحالف مع قوى كبرى كروسيا والصين وإيران لتأمين مصادر تمويل وتكنولوجيا بديلة.
كل سيناريو يحمل فرصًا ومخاطر، لكن يبقى العامل الأهم هو قدرة الشعب الكوبي على الصمود، واستعداد المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية.إن ما يحدث لكوبا ليس مجرّد خلاف بين دولتين، بل هو اختبار لقيم النظام الدولي، فكيف يمكن الحديث عن العدالة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي