تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
بسبب وقوعها وسط لعبة القوى العظمى
ما هي تداعيات التوترات الأمنية جنوب آسيا على آسيا الوسطى؟
التطورات الأمنية في جنوب آسيا
أحدث وأهم حدث أمني في جنوب آسيا هو التوترات الأمنية والعسكرية بين باكستان والهند في منطقة كشمير. في 22 أبريل من العام الميلادي الحالي، في أعقاب ذلك، اتخذت الهند عددًا من الإجراءات المضادة، بما في ذلك إغلاق الحدود، وتخفيض عدد الدبلوماسيين، وإلغاء بعض الاتفاقيات الثنائية، واتخذت باكستان بالمثل إجراءات مماثلة. أدت هذه التوترات إلى تبادل نيران المدفعية بين البلدين و إطلاق النار المتفرق، مما أسفر، وفقًا لبعض المصادر، عن مقتل أكثر من 20 شخصًا. وعلى الرغم من توقف التوترات بعض الشيء و إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن تداعياتها الأمنية قد تستمر لفترة أطول، مما سيكون له تأثيرات مهمة على آسيا الوسطى.
ومن التطورات الأخرى الجديرة بالذكر في جنوب آسيا التوترات الأخيرة بين باكستان وحركة طالبان. كانت التوترات الأمنية مع تحريك طالبان باكستان واتهامات طالبان أفغانستان بدعم حركة الانفصال في خيبر باختونخوا، إلى جانب القيود المفروضة على النفوذ التقليدي لإسلام آباد في أفغانستان، عاملاً في تصعيد التوترات في أفغانستان. وقد أدى ذلك إلى بدء الهجمات الجوية من قبل الجيش الباكستاني على أجزاء من أفغانستان منذ ديسمبر 2024، واستهداف مناطق مثل بكتيا. وعلى الرغم من أن هذه التطورات تحدث في إطار الديناميكيات السياسية والأمنية لجنوب آسيا، إلا أنها يمكن أن يكون لها تأثيرات مباشرة على الديناميكيات الأمنية لآسيا الوسطى.
مخاطر أمنية على آسيا الوسطى
يمكن للتطورات الأمنية في التوتر بين باكستان وأفغانستان، وبشكل خاص أزمة كشمير، أن تحمل تداعيات متعددة لآسيا الوسطى على مستويات مختلفة.
أخطر تهديد وأكثره جدية لآسيا الوسطى هو تشكيل بؤرة عدم استقرار في كشمير لنشاط وتحرك الجماعات الإرهابية. وفي الوقت الذي تشهد فيه أفغانستان تحت حكم طالبان انتقالاً تدريجياً نحو الاستقرار، يمكن للتطورات في كشمير أن تكون محركًا خطيرًا للتأثير على هذه العملية. إن تحويل التوترات الجيوسياسية والأمنية إلى صراع ديني بين المسلمين والهندوس، وفي الوقت نفسه إحياء عدد من الجماعات الإرهابية الأخرى، سيؤثر بشكل مباشر على آسيا الوسطى. وكانت قد طُرحت سابقاً في هذا السياق سيناريوهات مثل نقل المقاتلين من سوريا إلى أفغانستان، لكن أزمات مثل كشمير أو التوترات بين طالبان وباكستان يمكن أن تكون محفزًا لهذا الانتقال.
في الوقت نفسه، يوفر هذا الموضوع أرضية لجذب المزيد من القوات من آسيا الوسطى إلى مناطق الصراع، والتي ستكون الوجهة الخامسة لمقاتلي آسيا الوسطى بعد سوريا والعراق وأفغانستان وأوكرانيا. كما أن تصاعد التوترات بين باكستان وطالبان سيؤدي بشكل ملحوظ إلى إضعاف القدرات الأمنية والدفاعية لطالبان، وهو ما يسهّل تحقيق الفرضية المشار إليها. من ناحية أخرى، في حالة تصاعد التوترات واستمرارها، قد تعزز باكستان من خطاب الإسلام السياسي، مما سيؤثر على مجتمعات آسيا الوسطى.
الإستراتيجية الأميركية و معاداة الصين
كما أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تمثل نقطة مكملة لهذا السيناريو وللتهديد الأمني المتمثل في معاداة الصين . وعلى الرغم من أن العديد من التطورات الأمنية تحدث في باكستان، إلا أنه يمكن اعتبار الصين المتضرر الأكبر في هذا السياق. يعد الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان أحد المضايق الاستراتيجية للصين بعد فرض عقوبات على روسيا وفي حالة وجود قيود في مضيق ملقا، ويمكن لمثل هذه العملية من عدم الاستقرار أن تستهدف الصين بشكل مباشر.
في الوقت نفسه، أفادت بعض المصادر أنه في وقت الهجوم الإرهابي الأخير في كشمير، كان «جي دي فانس»، نائب الرئيس الأمريكي، في الهند في إطار زيارة عمل. وقد قدمت بعض المصادر الباكستانية، فيما يتعلق بهذا السيناريو، المرتزقة الأجانب كعامل رئيسي في هذا الهجوم، وحتى طرحت بعض المصادر سيناريوهات مثل دور الموساد كمقاول أمني. يمكن أن يحمل هذا الموضوع سيناريو مكملاً للتأثير على المناطق الغربية من الصين كبؤرة لعدم الاستقرار باستخدام البيئة الجغرافية لآسيا الوسطى.
في الوقت نفسه، يمكن للتطورات في كشمير أن تؤثر على ديناميكيات العلاقات بين القوى الكبرى. لدى الصين وروسيا والولايات المتحدة مصالح مختلفة وأحيانًا متعارضة في ملف كشمير. تؤدي هذه المقاربات المتعارضة إلى تفاقم المنافسة بين هذه القوى الدولية، والتي ستمتد أيضًا إلى آسيا الوسطى.
تأثيرات على عدة مستويات
كل من الهند وباكستان أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، لكن يبدو أن الهند تتمتع بموقع أفضل بسبب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. وفي العديد من الأوساط المتخصصة ومراكز الفكر الروسية، تمت التوصية بتقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي للهند في إطار الاعتراف بحق سيادة هذا البلد على أجزاء من كشمير، وفي الوقت نفسه تعريف دور الوساطة لموسكو.
إلى جانب هذه الاتجاهات، يمكن للمنافسة بين الهند وباكستان في آسيا الوسطى أن تتأثر أيضًا بهذه التطورات في كشمير. خلال السنوات الأخيرة، كان للهند بشكل خاص نهج مركّز تجاه آسيا الوسطى. منذ عام 2019، عُقد الاجتماع الأول لآلية 1+5 لآسيا الوسطى مع الهند، وفيما بعد أدت هذه الآلية إلى المزيد من التفاعلات؛ بما في ذلك عقد اجتماع على مستوى القمة في عام 2022. في ديسمبر 2022، عقد أمناء مجالس الأمن لهذه البلدان اجتماعًا مشتركًا، وقبل ذلك في فبراير من نفس العام، تم تشكيل مجلس الأعمال المشترك بين الهند وآسيا الوسطى. وفي مارس 2023، عُقد أول اجتماع عمل مشترك حول أفغانستان بين الجانبين. كما تتمتع الهند بخبرة في الوجود العسكري في آسيا الوسطى وإجراء تدريبات عسكرية متعددة مع دول المنطقة. كما استبدلت نيودلهي استراتيجية «العمل في آسيا الوسطى» بـ «الاتصال بآسيا الوسطى»، والتي كانت فيها هذه العلاقة تعتمد على باكستان. من ناحية أخرى، تتمتع باكستان جغرافيًا بموقع فريد يمكن أن يوفر وصولاً لآسيا الوسطى إلى مياه المحيط الهندي. تم تعريف وتطوير مبادرات مثل ممر عبر أفغانستان ومشاريع كبيرة مثل تابي وكاسا-1000 بالاعتماد على دور وموقع باكستان. يمكن لهذه التوترات الأمنية أن تؤثر بعمق على هذه المشاريع وتجعل آفاق تحقيقها غامضة.
و من الناحية الجغرافية وقرب شمال باكستان وكشمير من آسيا الوسطى، يمكن لنطاق تهديدات الحرب أن يؤثر على هذه البلدان أيضًا. على سبيل المثال، أشارت وسائل الإعلام الإقليمية بوضوح إلى عواقب أي تهديد أمني ضد سد مانغلا في شمال باكستان. ويُقال إنه في حالة تدمير هذا السد، سيستمر تدفق الفيضانات إلى أجزاء مهمة من طاجيكستان وأوزبكستان. أيضًا، في المجال الاقتصادي، يثير وقف المعاهدات المائية بين البلدين قلقًا شديدًا في آسيا الوسطى. وفقًا للتقديرات الحالية، توفر الموارد المائية المشتركة المياه اللازمة لحوالي 40 في المائة من محاصيل القمح والأرز في باكستان، وقد يؤدي تعطيل تدفقها إلى تطورات عميقة في مجال الأمن الغذائي لسكان باكستان والبلدان الأخرى. آسيا الوسطى أيضًا، التي تنتج حاليًا كمية محدودة من الحبوب وما زالت مستوردة لها باستثناء كازاخستان، ستكون ضعيفة أمام مثل هذا التيار.
