تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
أزمة هيكلية في النظام الصحي البريطاني
تقليص الكوادر والخدمات الصحية
أعلنت المستشفيات في إنجلترا مؤخراً عن خطط طموحة لتقليص عدد الموظفين وإغلاق بعض الخدمات الصحية الأساسية. تأتي هذه الإجراءات الصارمة في إطار ما أطلق عليه «إعادة الضبط المالية» التي فرضها السير جيم ماكي، الرئيس التنفيذي الجديد لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، وذلك بهدف تفادي عجز مالي متوقع قد يصل إلى ٦.٦ مليار جنيه إسترليني على مدار العامين المقبلين.
وحسب تقرير استقصائي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، أبدى العديد من المسؤولين التنفيذيين في القطاع الصحي قلقهم العميق، مؤكدين أن تحقيق المدخرات المطلوبة يشكل تحدياً هائلاً في ظل الظروف الحالية. وحذر هؤلاء المسؤولون من أن تنفيذ هذه الإجراءات التقشفية قد يكون له تأثير سلبي عميق على جودة الرعاية المقدمة للمرضى وسيؤدي حتماً إلى زيادة أوقات الانتظار الطويلة أصلاً في المستشفيات البريطانية.
خطر على الخدمات الحيوية
في تصريح لافت للنظر، أوضحت سافران كورديري، الرئيسة التنفيذية المؤقتة لجمعية مقدمي خدمات NHS، أن الأهداف المالية المفروضة تعتبر غير واقعية وبعيدة المنال. وأضافت كورديري أن محاولة تحقيق هذه الأهداف الطموحة قد تعرض للخطر خدمات صحية حيوية تشمل مراكز إعادة التأهيل، وخدمات العلاج النفسي، والأسرّة المخصصة لرعاية المرضى في مراحل نهاية الحياة، مما يثير تساؤلات أخلاقية حول أولويات النظام الصحي.
ورغم تخصيص الحكومة البريطانية مبلغ ٢٢ مليار جنيه إسترليني لدعم خدمة الصحة الوطنية خلال العامين الماضيين، فإن المؤسسات الصحية لا تزال تواجه ضغوطاً هائلة لتحقيق وفورات مالية كبيرة تهدد استمرارية العديد من الخدمات الأساسية.
أرقام تكشف حجم الأزمة
كشفت دراسة شاملة أجريت على ١٦٠ من كبار المسؤولين في ١١٤ مؤسسة صحية بريطانية عن حقائق مقلقة: ٤٧٪ من هذه المؤسسات قامت بالفعل بتخفيض الخدمات المقدمة، بينما يدرس ٤٣٪ آخرون إمكانية اتخاذ خطوات مماثلة في المستقبل القريب. كما أظهرت الدراسة أن ٣٧٪ من المؤسسات الصحية قلصت المناصب السريرية الحيوية، مع احتمال أن يتبع نهجها ٤٠٪ من المؤسسات الأخرى في الأشهر القادمة.
وفي مثال واقعي على هذه التخفيضات، قامت إحدى المؤسسات الصحية الرئيسية في شرق لندن بإلغاء ١١٥ وظيفة في الخدمات الإدارية، بالإضافة إلى تقليص كبير في عدد الورديات للعاملين المؤقتين، وذلك في محاولة يائسة لتوفير الأموال المطلوبة للحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية.
تحذيرات من التأثير على رعاية المرضى
صرح أحد الرؤساء التنفيذيين للمستشفيات، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بأن «تقليص عدد الموظفين بهذه الطريقة سيكون له تأثير سلبي لا محالة على مستوى الرعاية المقدمة للمرضى»، مضيفاً أنهم «سيبذلون قصارى جهدهم لتقليل المخاطر المحتملة وضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية بأفضل مستوى ممكن في ظل هذه الظروف الصعبة».
وفي السياق ذاته، أشار مسؤول تنفيذي آخر إلى «الصعوبة البالغة في تحقيق التوازن بين الكفاءة المالية والحفاظ على مستويات آمنة من الرعاية الصحية»، مشدداً على أن «الضغط المستمر لخفض التكاليف قد يدفع النظام الصحي إلى حافة الانهيار».
من جانبها، حاولت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية تهدئة المخاوف المتزايدة، مؤكدة أن الحكومة استثمرت ٢٦ مليار جنيه إسترليني لتحسين النظام الصحي. وأوضحت الوزارة أن خططها تهدف بالدرجة الأولى إلى «خفض البيروقراطية وزيادة الإنتاجية في القطاع الصحي»، وذلك لضمان تقديم خدمة أفضل للمرضى مع استخدام الأموال العامة بشكل أكثر كفاءة.
ومع ذلك، تشير هذه التطورات المتسارعة إلى وجود تحديات هيكلية عميقة تواجهها خدمة الصحة الوطنية البريطانية في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة، مما يثير قلقاً واسع النطاق ليس فقط بين العاملين في القطاع الصحي، بل أيضاً بين ملايين المرضى الذين يعتمدون على هذه الخدمات الحيوية في حياتهم اليومية.
