في ظل الصراع الأميركي-الصيني
كيف ستتأثر تركيا في معركة التعرفات الجمركية الأميركية؟
/ يركز هذه الأيام، معظم محللي الاقتصاد السياسي والأسواق العالمية على معركة لا تصاحبها أصوات هدير الطائرات والقصف، لكنها نزاع واضح وشامل.
لقد أثار الصراع المالي وحرب التعريفات بين الولايات المتحدة والصين، بعد إعلان قرارات دونالد ترامب المثيرة للجدل، مخاوف الشركاء الماليين لكلا البلدين مرة أخرى.
وقد وجدت تركيا نفسها، كدولة وصلت وارداتها من الأسواق الصينية إلى 45 مليار دولار سنوياً، في مركز هذا الصراع المالي. فالاعتماد الاقتصادي التركي على الصين قد وصل إلى أقصى حد، وإذا لم تحدد حكومة أردوغان موقفها بشكل صحيح في خضم المنافسة العدائية بين الشرق والغرب، فستتعرض لأضرار فادحة.
القرار الصعب
يشير التوتر المتزايد الجيوسياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين إلى أن النظام الذي تمحور حول الأطلسي بعد الحرب الباردة قد أصبح غير مستقر.
إن "الحروب التجارية" التي بدأت خلال الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، تحولت لاحقاً في عهد جو بايدن إلى سياسة أكثر تعقيداً ولكن بنفس القدر من العدوانية، مما أدى إلى شكل غير مسبوق من "المنافسة الاستراتيجية" بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
لا ينبغي أن نغفل عن أهمية حقيقة أن هذا ليس صراعاً مقتصراً على التعريفات ونقل التكنولوجيا. إنها عملية تغيير في القيادة العالمية والنظام القيمي والهيكل المؤسسي.
في وثائق السياسة الشاملة التي نشرتها الحكومة الصينية مؤخراً، والتي تمثل بيان مواقفها ضد النهج الأحادي والمهيمن للغرب، نرى بوضوح أن بكين قد تحولت إلى لاعب لا يتبع قواعد اللعبة فحسب، بل يريد إعادة كتابة تلك القواعد من البداية.
إن تأكيد الصين على مفاهيم مثل "الربح المتبادل" و"التعددية" و"الاحترام المتبادل" هو بقدر ما هو ذو طبيعة دبلوماسية، دعوة لنظام عالمي جديد.
موقع تركيا في اللعبة
هذا الصراع المالي الثنائي ليس مجرد لعبة شطرنج بين واشنطن وبكين. بل هو عامل ضغط متعدد الطبقات على دول مثل تركيا التي تحتل موقعاً استراتيجياً بسبب عضويتها في الناتو وظروفها الجغرافية، وفي الوقت نفسه، تسعى للاندماج في مشاريع البنية التحتية الآسيوية.
تطلب الولايات المتحدة من حلفائها، بنهج "أنت إما معنا أو ضدنا"، مواءمة واضحة وصريحة. لا يهم إن قُدم هذا الطلب بأدب دبلوماسي أو تحت عنوان شراكة استراتيجية بشكل إلزامي وقسري.
لقد جعل فوز ترامب تركيا تواجه عملياً مثل هذا الوضع، وإن القرار بشأن الجانب الذي ستلعب فيه، لن يؤثر فقط على الدبلوماسية بل سيكون له تأثير حاسم على الاستقلال الاقتصادي والأمن التكنولوجي والبنية الدفاعية والاستقرار الاجتماعي.
لقد سعت واشنطن منذ فترة طويلة إلى الاقتراب من أنقرة من خلال سياسة "المشاركة الاستباقية". وهنا بعض الأمثلة على نهج الولايات المتحدة تجاه تركيا التي تظهر نظرة عدائية:
حذف اسم تركيا من قائمة مشتري ومنتجي مقاتلات إف-35.
فرض عقوبات عسكرية (CAATSA) على تركيا بسبب شرائها نظام صواريخ S-400 من روسيا.
اتخاذ العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي مواقف انتقادية تجاه تركيا.
تجاهل الحساسيات الأمنية التركية واستمرار الدعم العسكري والمالي الأمريكي لقوات YPG والميليشيات الكردية في شمال سوريا.
في حين تؤكد الحكومة الصينية مراراً على "التجارة المنظمة" والحوار، إلا أنها تمضي ببطء نحو تحقيق أهدافها في إيجاد التفوق التكنولوجي والسيادة على البيانات والتحكم في سلاسل الإنتاج وإنشاء مراكز لوجستية عالمية. إن مبادرة "الحزام والطريق" ليست مجرد مشروع بنية تحتية، بل هي استراتيجية التنمية الجيوسياسية الصينية المتكيفة مع العصر
الحديث.
في هذا السياق، ترى الصين دولاً مثل تركيا ليس فقط كشريك، بل كدولة ينبغي دمجها في النظام المعياري الصيني. بعبارة واضحة، فإن التأكيد على قواعد منظمة التجارة العالمية هو توسيع لاستراتيجية توحيد الدول النامية ضد الولايات المتحدة.
إن دور تركيا في هذا النظام لا يقتصر على ميزان الواردات والصادرات فحسب، بل يشمل نطاقاً واسعاً، من أولويات البنية التحتية الرقمية لدينا إلى ممرات نقل الطاقة، ومن استثمارات التكنولوجيا العسكرية إلى الدبلوماسية التعليمية.
مخاطر متوقعة
إذا ازداد الضغط السياسي والاقتصادي الأمريكي على تركيا، فقد تواجه تركيا المخاطر التالية على المدى القصير:
قد يتم تحدي موقف ومكانة تركيا في مجموعة الناتو العسكرية.
قد يتم تقييد الوصول إلى الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا.
قد يصبح تدفق رأس المال من المؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى السوق التركية أكثر صعوبة.
قد يزداد تصور المخاطر لدى المستثمرين الدوليين.
قد تتأثر صورة تركيا الإعلامية والأكاديمية في الغرب سلباً.
نتيجة لذلك، يجب أن تفكر تركيا في الإدارة السليمة وأن تتبع هذه الاستراتيجيات:
زيادة التعاون المالي واللوجستي الجديد مع الصين والهند وآسيا الوسطى.
يمكن أن يعزز التركيز على الاستقلال الاستراتيجي صورة تركيا كـ"لاعب موازن".
يمكن فتح أسواق جديدة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والمحيط الهادئ.
يمكن إنشاء قواعد إنتاج وتوزيع إقليمية من خلال مناطق حرة من الجيل الجديد.
اليوم، يجب على صناع القرار في أنقرة أن يحددوا ليس فقط المكاسب قصيرة المدى، بل أيضاً المسار الاستراتيجي الذي سيشكل السنوات الـ 10 إلى 20 القادمة.
لا ينبغي أن ننسى: الحركة الأكثر خطورة في لعبة الشطرنج العالمية هي ألا نلعب بأنفسنا وأن نقع في لعبة الآخرين.
ما تحتاجه تركيا هو كتابة سيناريو مستقل وعدم الدخول في سيناريوهات محددة مسبقاً. يجب على تركيا أن تخطط لتدريب مواردها البشرية وكفاءة مؤسساتها، والتحدي الحقيقي هو إنشاء نظام ديمقراطي شامل ومستدام داخل البلاد.
