خوف أوروبي من الابتزاز الأمريكي بسبب التبعية الرقمية
تناولت صحيفة "هامبورغر أبيند بلات" الألمانية في مقال لها مخاوف أوروبا من الابتزاز الأمريكي بسبب اعتمادها على واشنطن في مجال المعلومات والبيانات، وأشارت إلى أن الشركات والحكومات والمستهلكين الأوروبيين يعتمدون بشكل كبير على خوادم الولايات المتحدة. والسؤال المطروح: ماذا سيحدث إذا لم تعد معلوماتهم آمنة هناك؟
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لم تعد أي من الثوابت السابقة - سواء كان التعاون العسكري أو توريد الأسلحة أو العلاقات التجارية - مؤكدة بالنسبة لأوروبا. بروكسل الآن تشكك في موثوقية الولايات المتحدة كشريك وتدرك هشاشة موقفها.
الاعتماد المتزايد للحكومات والشركات والمستهلكين الأوروبيين على خدمات تكنولوجيا المعلومات التي تقدمها شركات أمريكية كبرى مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون يثير القلق في الأوساط السياسية والاقتصادية الأوروبية.
وقال دينيس رادكه، السياسي الأوروبي من الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني: "لقد تلاشت الثقة الأساسية بأن الأمريكيين يقفون إلى جانبنا. هذا الوضع لن يعود كما كان قبل عهد ترامب، وينطبق ذلك بشكل أساسي على مجال الدفاع."
في هذه الظروف، تعمل ولاية شليسفيغ-هولشتاين الألمانية على الانفصال عن برامج عملاق البرمجيات مايكروسوفت. وقال ديرك شرودتر، وزير الرقمنة في الولاية: "الوقوع في فخ الحلول البرمجية للمزودين الكبار، خاصة غير الأوروبيين، لا يشكل تهديداً لأمننا فحسب، بل يشل أيضاً نمو اقتصادنا الرقمي."
وحذر رادكه قائلاً: "جزء كبير من بيانات الشركات والمؤسسات الألمانية محفوظة في السحابات الأمريكية. علينا أن نكون مستعدين لاحتمال قطع الوصول بشكل تعسفي من قبل أمريكا، مما سيجعل الشركات والمؤسسات الألمانية عاجزة، وسيكون لذلك عواقب كارثية على حياتنا اليومية."
كما حذرت كلاوديا بلاتنر، رئيسة المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات الألماني، من الهيمنة السيبرانية لبعض اللاعبين في مجال الخدمات السحابية، قائلة: "يمكنهم تحديد الميزات والتحكم في التحديثات والوصول، ومراقبة بيانات عملائهم إذا لم يحموا أنفسهم بشكل صحيح."
وأضافت أيريس بلوغر، عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الصناعات الألمانية: "إذا تفاقمت العلاقات مع الولايات المتحدة لدرجة أننا لم نعد قادرين على الوصول إلى عروض مزودي الخدمات السحابية الأمريكيين، فسيكون تأثير ذلك على الصناعة الألمانية واسع النطاق." وأضافت أن تقريباً جميع الشركات الصناعية الألمانية تستخدم الحلول السحابية الأمريكية لمعالجة بيانات العمليات والمنتجات.
وعلى الرغم من أن بلوغر لا ترى احتمالية نشوب "حرب بيانات" بين الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنها تدعو إلى إيجاد بدائل لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
وقالت: "يجب على أوروبا أن تواصل الاستثمار في تطوير حلولها السحابية الخاصة لتصبح أكثر استقلالية في المستقبل. هناك بالفعل بدائل ناشئة من ألمانيا."
في هذا السياق، يتعاون المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات الألماني مع مزودين أجانب لدمج طبقات أمنية تقنية في منتجاتهم لحماية البيانات الأوروبية. وقالت بلاتنر: "يجب تكييف المنتجات الدولية أو تضمينها بطريقة تتيح الاستخدام الآمن والمستقل."
وفي السياق ذاته، حذر وزير الأبحاث الألماني مؤخراً من محاولات واشنطن فرض قيود على وصول الباحثين الأوروبيين إلى قواعد البيانات الأمريكية، داعياً إلى استقلالية أوروبا عن أمريكا في هذا المجال.
كما طلبت وزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية بقيادة نانسي فايزر من الولايات المتحدة الالتزام بتعهداتها في اتفاقية نقل البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك بسبب مخاوف في الاقتصاد الألماني من أن دونالد ترامب قد يلغي الأساس القانوني لاتفاقية نقل البيانات بين جانبي المحيط الأطلسي.
