بعد قرار ترامب بتعليق عملها
هل انتهى دور (USAID) في آسيا الوسطى؟
/ أحد الأوامر التنفيذية المثيرة للجدل لـ»دونالد ترامب» كان وقف نشاط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID حيث تم تعليق نشاطات هذه الوكالة التي لديها تاريخ 64 عاماً من النشاط وأكثر من 10 آلاف موظف حول العالم لفترة 90 يوماً لمراجعة مدى توافق نفقات هذه الوكالة مع المصالح الأمريكية. يعتقد «إيلون ماسك» أنه يجب وقف نشاط هذه المنظمة، وأكد «ماركو روبيو» أيضاً أن هذه الوكالة قد أنفقت أموالاً ضد المصالح الأمريكية. وبالتالي، بأمر من ترامب، تم تعليق هذه المنظمة لمدة 90 يوماً وتم إرسال جميع موظفيها في إجازة إجبارية. هناك بعض التقارير الأولية بأن قوة عمل هذه الوكالة ستنخفض إلى أقل من 300 شخص، مما يعني تدميرها بالكامل.
نشاطات مشبوهة
على الرغم من تأسيس وكالة التنمية الدولية الأمريكية بالتوازي مع خطة مارشال في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها تشكلت بشكل ملحوظ متأثرة بديناميكيات الحرب الباردة. كان تأسيس هذه الوكالة الحكومية في عام 1961 مرتبطاً بشكل أساسي بمنافسات فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق، ومن هذا المنظور، بعد عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفييتي، تم تخصيص جزء كبير من مواردها للجمهوريات حديثة الاستقلال. كانت آسيا الوسطى أيضاً جزءاً من هذا المجال. أنفقت وكالة التنمية الدولية الأمريكية 2.7 مليار دولار في دول آسيا الوسطى في الفترة من 2001 إلى 2024 فقط، وهي ميزانية كبيرة.
خلال هذه الفترة، تلقت دول طاجيكستان وقيرغيزستان أكبر نصيب من مشاريع «يو إس إيد» بحصة 841 و602 مليون دولار على التوالي، وأوزبكستان في المرتبة التالية بـ502 مليون دولار. كما تظهر التقارير الرسمية أنه في عام 2023، بلغ إجمالي مساعدات هذه المنظمة لطاجيكستان 88.5 مليون دولار، ولقيرغيزستان 53.5 مليون دولار، ولأوزبكستان 52 مليون دولار، ولكازاخستان 32.5 مليون دولار، وأخيراً لتركمانستان 4.8 مليون دولار، مما يعني إجمالي إنفاق 231 مليون دولار في سنة واحدة فقط. أيضاً، وفقاً للتقارير الرسمية، بعد فبراير 2022، تحولت أولويات هذه الوكالة بشكل ملحوظ إلى منطقة الاتحاد السوفييتي السابق. حصلت أوكرانيا وحدها في عام 2023 على 37% من إجمالي موارد «يو إس إيد» بقيمة 16 مليار دولار، متصدرة قائمة متلقي هذه المساعدات. وفي المقابل، كانت هذه المساعدات في عام 2022 تعادل 9 مليارات دولار، وهو مستوى لا يزال مرتفعاً.
تخصيص ميزانية قدرها 4.5 مليون دولار من قبل هذه المنظمة لمكافحة نشر المعلومات المضللة هو جزء صغير من هذا النهج. على المستوى الحكومي أيضاً، خصصت هذه الوكالة مبالغ كبيرة لتدريب الموظفين الحكوميين في مجالات مختلفة ونفذت البنية التحتية لرقمنة العمليات البيروقراطية بهدف زيادة الشفافية. أدى هذا الأمر إلى تمكين الوصول إلى المعلومات وتشكيل شبكة من النخب المتوافقة مع أمريكا.
على الرغم من أن «يو إس إيد» تعتبر منظمة تنموية، إلا أن لها وظائف ونهج سياسية مهمة أيضاً. لعب تقديم المساعدات النقدية وغير النقدية للمنظمات غير الحكومية في دول مثل قيرغيزستان وكازاخستان دوراً مهماً في نشر التوجه الغربي في المشهد السياسي لهذه الدول، بما في ذلك قوى المعارضة. كما أن جزءاً من هذه المبالغ يتم في إطار تفاعلات سرية ومموهة لـ»يو إس إيد» مع المسؤولين الحكوميين. بعبارة أخرى، كانت هذه الوكالة أداة لغسيل الأموال ونقل الموارد المالية في المشاريع السياسية والأمنية. أظهرت تجربة أوكرانيا بوضوح كيف استطاعت هذه المنظمة، من خلال عملية طويلة الأمد، إنشاء قواعد بيروقراطية موالية لأمريكا في هيكل الدولة الأوكرانية.
الهيكل غير الشفاف لحكومات آسيا الوسطى يثبت بوضوح وجود مثل هذه العملية. جزء آخر من هذا النهج تم تنفيذه في شكل مشاريع أمنية مموهة. على سبيل المثال، دعمت هذه المنظمة إنشاء مختبر للسلامة البيولوجية في طاجيكستان، ثم أنشأت مركزاً بيولوجياً آخر لمكافحة السل، واتضح لاحقاً أنه كان جزءاً من النشاطات البيولوجية الأمريكية في آسيا الوسطى. مثال آخر يمكن ذكره في المجال السيبراني. شاركت هذه الوكالة سابقاً في تمويل شراء خوادم لإدارة الجمارك في كازاخستان، وهو موضوع قد يوفر لأمريكا الوصول إلى البيانات التجارية والمعلومات الاقتصادية لهذا البلد باعتباره أكبر شريك تجاري لروسيا في آسيا الوسطى.
قرار غير متوقع
على الرغم من أن النهج المتشدد لترامب تجاه وكالة التنمية الدولية الأمريكية كان متوقعاً، إلا أن القرار المفاجئ بوقف نشاطات هذه الوكالة يعتبر قراراً غير متوقع نسبياً. سابقاً، في الفترة من 2016 إلى 2020، أقرت إدارة ترامب الأولى تخفيض الميزانية المخصصة لـ»يو إس إيد»، وكان من المتوقع أن يتسارع هذا التخفيض في الفترة الجديدة لزيادة الكفاءة. ومع ذلك، فإن فترة 90 يوماً من تعليق نشاطات هذه الوكالة تعتبر صدمة سياسية واقتصادية وحتى أمنية.
كانت وكالة التنمية الدولية الأمريكية في آسيا الوسطى على الأقل إحدى المؤسسات المؤثرة في تعزيز السياسة الخارجية الأمريكية. من هذا المنظور، يبدو متفائلاً للغاية قبول نية أمريكا في إيقاف نشاطها بشكل دائم في آسيا الوسطى في الفترة الحالية. لذلك، من المتوقع أن يتم استبدال هذه المنظمة، على الأقل في قسم آسيا الوسطى، بمنظمة أو مؤسسة أخرى أو أن تُستبدل بنسخة معدلة ستكون على الأرجح أكثر كفاءة. في الواقع، لا يسعى ترامب بالضرورة إلى القضاء على وظائف هذه المنظمة، بل يسعى إلى إعادة تنظيمها وفقاً للنهج الجديد لأمريكا وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. من هذا المنظور، ووفقاً لنهج السياسة الخارجية الأمريكية، يمكن لهذه الوكالة في المستقبل القريب أن تستأنف نشاطها بهيكل مماثل وربما بموارد أكبر. لذلك، ليس من المستبعد أن تزداد الميزانية والموارد المخصصة لآسيا الوسطى وأن تنشط في هيكل جديد.
أهداف التعليق
فيما يتعلق بأسباب وخلفيات قرار ترامب بتعليق نشاط «يو إس إيد»، يمكن الإشارة إلى عدة عوامل. بينما يتم طرح تطهير مؤسسات السياسة الخارجية من الديمقراطيين على المستوى الداخلي الأمريكي، وعلى مستوى آسيا الوسطى يمكن الإشارة إلى انخفاض كفاءة أداء هذه المنظمة بعد التغييرات الأخيرة. لذلك، أحد الأسباب المهمة والمؤثرة في هذا التغيير الهيكلي قد يكون القوانين والقيود الجديدة لحكومات آسيا الوسطى. قامت بعض دول المنطقة مثل قيرغيزستان مؤخراً، على غرار روسيا، بسن قوانين تقييد تلقي الموارد الأجنبية، والتي تطلبت عمليات بيروقراطية وشفافية خاصة. حتى كازاخستان بدأت مؤخراً في دراسة المسودة الأولية لهذا القانون. من هذا المنطلق، قوبل قرار ترامب بإيقاف نشاطات هذه الوكالة بترحيب من بعض التيارات السياسية الحكومية في المنطقة. يحد هذا الموضوع من العمليات المالية المتعلقة بالتحركات المحتملة لأمريكا، ومن هذا المنظور، من غير المرجح أن يكون لـ»يو إس إيد» بهيكلها الحالي وظيفة مناسبة في هذه الظروف.
في الوقت نفسه، يمكن أن تكون إعادة تعريف النهج الأمني والاستخباراتي لأمريكا جزءاً آخر من أسباب اتخاذ هذا القرار. مع خبرة أكثر من ثلاثة عقود من النشاط والحساسية المتزايدة لروسيا والصين وحتى حكومات آسيا الوسطى تجاه تحركات وإجراءات «يو إس إيد»، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين قد أدركوا انخفاض الكفاءة الأمنية والاستخباراتية لهذه الوكالة بسبب تحديد القوات وقنوات تحويل الأموال وأساليب النشاط وغيرها. لذلك، قد لا تنجح مشاريع جديدة ضد الصين أو روسيا بنجاح كامل، كما حدث سابقاً في عام 2020 عندما أدى تنظيم الاحتجاجات بدعم من مؤسسات تابعة لـ»يو إس إيد» إلى فشل فعلي لأمريكا. يبدو أن الجهود الأمريكية الجديدة في قيرغيزستان لم تسفر أيضاً عن أي نتيجة خاصة بسبب إجراءات جباروف في العامين الماضيين مع تشديد إضافي تجاه المؤسسات الأمريكية. في الوقت نفسه، يُعتبر مشروع «أوكرنة» بعض دول المنطقة مع التركيز على كازاخستان أحد المشاريع المهمة لـ»يو إس إيد». تستند التحليلات إلى أن النموذج الأوكراني يتم تنفيذه في كازاخستان بشكل ناعم من خلال تشكيل طبقة واسعة من المؤيدين للغرب ذوي التوجه المعادي لروسيا بشكل راديكالي ثم تفعيل أنشطة هذه القوات في المجال الأمني والاستخباراتي. سبق أن أكد رئيس وزراء جورجيا صراحة أن المنظمات غير الحكومية التابعة لـ»يو إس إيد» تُستخدم رسمياً لتنظيم الثورة. يتم تنفيذ جزء من هذا المشروع من قبل «يو إس إيد». يمكن أن تؤدي إعادة تعريف هيكل وعمل هذه المنظمة إلى زيادة معدل نجاحها وتقليل تكاليفها.
ومن الناحية الهيكلية، في المستقبل القريب، سنشهد تغييراً جدياً في أداء «يو إس إيد» في آسيا الوسطى. ومع ذلك، من الناحية الوظيفية، يبدو أن هذه العملية لن تنخفض فقط، بل ستزداد أيضاً. بالنسبة لدول مثل طاجيكستان وقيرغيزستان، من المحتمل أن يكون للهيكل الجديد، مع الحفاظ على المساعدات المرسلة، نهجاً أكثر هجومية، بحيث نشهد انتقالاً من أولوية «القوة الناعمة» ونهج «إيجابي» في المجال السياسي والأمني إلى نهج «إدراكي ومعرفي» وأداء «سلبي» في المجال الدفاعي والسياسي والأمني. هذا يعني أن نهج أمريكا تجاه الهيكل البديل لـ»يو إس إيد» سيكون نهجاً أكثر عملية وسلبية وربما أكثر هجومية. في الوقت نفسه، سيزداد التشدد تجاه حكومات المنطقة وسيتم تسهيله في مقابل تقديم بعض الامتيازات السياسية، مما قد يؤدي إلى تعاون نسبي من حكومات المنطقة.
