تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
مع التوتر القائم بين أوروبا وأميركا
هل اقتربت تركيا من الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي؟
الفرصة الجديدة
مع انتشار صور تعامل ترامب ونائبه بطريقة استخفافية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، اجتاحت موجة من القلق دول أوروبا. في هذا السياق، تحاول تركيا استغلال الفرصة وإرسال رسالة إلى دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مفادها: من مصلحتكم أن تكون تركيا إلى جانبكم.
في الوقت الذي أظهر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفاً غير ودي تجاه حلف الناتو، مما أثار قلق الأوروبيين، تشعر أنقرة أن الوقت قد حان لأوروبا المتخوفة من ترامب للتقارب مع تركيا. لكن الواقع يشير إلى أن هناك غياباً لأي إشارات إيجابية تُرسل إلى أنقرة، وأن العلاقات لا تزال باردة وجامدة.
يرى بعض المسؤولين الأتراك أن تصريحات ومقترحات مارك روته، أمين عام الناتو، حول ضرورة التعاون بين تركيا والناتو في مجال الصناعات الدفاعية، وتجنب أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، انتقاد تركيا بشأن موجة الاعتقالات الأخيرة، إلى جانب تخصيص مليار دولار لتركيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية، تعد مؤشرات إيجابية تدل على أن أوروبا تنظر بإيجابية إلى تركيا في الظروف الحالية.
ملل تركي
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية، مراراً أن تركيا قد سئمت من البقاء في قائمة الانتظار وتطمح لأن تكون عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، للاستفادة من مزايا مهمة مثل إلغاء الرسوم الجمركية المرتفعة وسهولة سفر المواطنين الأتراك إلى منطقة شنغن بأكملها.
لكن قبل أيام قليلة، صرح سانشيز، المقرر الخاص للبرلمان الأوروبي بشأن تركيا، علناً أن العديد من القادة الأوروبيين يعتقدون أنه ليس لديهم ما يناقشونه مع المسؤولين الأتراك. فمن وجهة نظر القادة الأوروبيين، اتخذت حكومة أردوغان موقفاً إلى جانب روسيا في السياسة الخارجية، واشترت منها نظام صواريخ S-400، كما أنها لم تستجب لأي من مطالب الاتحاد في مجال التنمية السياسية والإصلاحات القانونية.
من النقاط المهمة في موقف تركيا تجاه الاتحاد الأوروبي ربطها موضوع الاتحاد بحلف الناتو، في حين أن الأوروبيين أنفسهم لا يتبنون هذا الموقف ولا يرغبون في دمج هاتين المؤسستين.
على الرغم من أن عضوية تركيا التي امتدت سبعين عاماً في حلف الناتو قد وضعتها فعلياً في الجبهة السياسية والدفاعية والأمنية الغربية، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يعتبر تركيا مجرد مرشح للعضوية، وقد توقفت منذ فترة طويلة عن استكمال ملفها، وبقيت مفاوضات الانضمام معلقة عملياً. وصلت تركيا الآن إلى استنتاج مفاده أنه في ظل الوضع الحالي لأمريكا وروسيا وأوكرانيا، ينبغي على الناتو وأوروبا أن يعتمدوا على تعاون تركيا أكثر من أي وقت مضى.
مواقف متناقضة
تشير الأدلة إلى أن الرئيس التركي يتبنى موقفاً ونهجاً عملياً ومتناقضاً تجاه الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي. فمن ناحية، أعرب عن سعادته بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ويتصور أن عصراً ذهبياً ينتظر العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ومن ناحية أخرى، يسعى للحفاظ على رضا بوتين وروسيا، وفي خضم هذا المشهد، يصر على لعب دور الوسيط بين موسكو وكييف.
قال أردوغان مؤخراً عن الوضع الراهن للسياسة والقوة والنظام الدولي في العالم: "يمكنكم أن تروا بوضوح أن الاتحاد الأوروبي يواجه مأزقاً غير مسبوق. وفي اعتقادنا، تركيا وحدها قادرة على إنقاذ الاتحاد الأوروبي من المأزق الذي يواجهه، من الاقتصاد إلى الدفاع، ومن السياسة إلى المكانة الدولية".
وخلال كلمته، انتقد أردوغان مجدداً القادة الأوروبيين لتجاهلهم التعاون الأمني مع تركيا، والإسلاموفوبيا، ومعاداة المهاجرين، ورهاب الأجانب، والشعبوية، وتحدث عن أن أوروبا والغرب بأكمله يشهدان وضعاً يدل على تراجع الديمقراطية الليبرالية.
في الوقت الذي وجه فيه أردوغان هذه الانتقادات إلى دول الاتحاد الأوروبي، أشار معظم المحللين الأتراك، فيما يتعلق بأهم قضايا الانتخابات الألمانية، إلى أن ترامب ونائبه فينس قد تدخلا فعلياً في الانتخابات الألمانية ولم يكونا محايدين.
يرى مراد يتكين، أحد المحللين البارزين في تركيا، أن ترامب وفينس سيدعمان تنامي التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية في دول أخرى أيضاً، ومع تدخلهما، ستزداد الاستقطابات في المشهد السياسي الأوروبي. وفي النهاية، سينمو من خلال هذا التيار خطاب يعتبر بقاء الاتحاد الأوروبي قضية عبثية وغير مجدية، ويبرز دعم قيادة مثل ترامب كخيار وأفضلية دولية.
إمكانية تقارب؟
السؤال المهم من وجهة نظر المحللين الأتراك هو: هل يمكن لتركيا أن تقترب من الاتحاد في ظل الظروف التي تكتسب فيها أطروحة الاستقلال الدفاعي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة في ألمانيا وفرنسا، المزيد من المؤيدين؟
يعتقد بعض الدبلوماسيين الأتراك أن حكومة أردوغان يجب أن تذكر الأوروبيين باستمرار في هذه المرحلة بأن تركيا يمكن أن تكون شريكاً جيداً لأوروبا بسبب اكتفائها الذاتي في إنتاج المنتجات الدفاعية ودورها الفعال في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط. لكن الواقع هو أن دول الاتحاد تفضل الاستفادة من تعاون ومساعدة تركيا في المجال العسكري فقط، دون أن تظهر أي استعجال بشأن عضويتها في الاتحاد.
في الوقت الذي يحاول فيه أردوغان جذب انتباه الاتحاد الأوروبي من خلال التركيز على أهمية القضايا الأمنية والدفاعية، يقول منتقدوه، بمن فيهم علي باباجان، زعيم حزب التقدم والديمقراطية: "أعلن السيد أردوغان أن الوقت قد حان لتركيا لإنقاذ الاتحاد الأوروبي من المأزق. لكن الحقيقة هي أن المهمة الرئيسية لأردوغان هي إنقاذ الاقتصاد التركي. في ظل الظروف التي تواجه فيها حياة المواطنين وتأمين معيشتهم مشاكل، لا يمكن ادعاء محاولة إنقاذ أوروبا".
في النهاية، يجب القول أنه على الرغم من أن سياسات دونالد ترامب ونائبه القاسية وغير المتوقعة قد أثارت مخاوف الناتو وأوروبا، إلا أن هذا الوضع لن يجعل الظروف أكثر ملاءمة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. أولاً، لأن تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية وأردوغان لديها ميل كبير للتعاون في آن واحد مع الولايات المتحدة وروسيا، وثانياً، لأن الاقتصاد التركي والهيكل السياسي والقانوني للبلاد ليسا جاهزين بعد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
