عراقجي، مُؤكّداً أن الأمن البحري لا ينبغي أن يكون أداة بيد القوى الأجنبية:
لن نسمح للتنافس بين القوى العالمية بتحديد مستقبل المنطقة
أكد وزير الخارجية عباس عراقجي، في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر الوزاري الثامن لدول المحيط الهندي في مسقط، أمس الأحد، أن الأمن البحري لا ينبغي أن يكون أداة ضغط للقوى الخارجية، بل يجب أن يكون نتيجة للتعاون بين دول المنطقة.
وصرّح عراقجي: اليوم نجتمع في أرض عرفت منذ قرون بأنها جسر بين الشرق والغرب، وبين الحضارات العظيمة والشعوب القريبة والبعيدة. وأضاف: عمان، مضيفنا الثقافي، لم تكن منذ فترة طويلة لاعباً اقتصادياً فحسب، بل كانت أيضاً رمزاً للتعامل والحوار والدبلوماسية البناءة في منطقة المحيط الهندي، وتستمر هذه المنطقة، التي كانت دائماً في طليعة التطورات العالمية، في لعب دور حاسم في مستقبل الاقتصاد الدولي.
البحار بوابات تربط بين الحضارات
وأردف وزير الخارجية قائلاً: على مر التاريخ، كانت البحار دائماً بمثابة بوابات تربط بين الحضارات، وليست حدوداً جغرافية. منذ آلاف السنين، لم يكن المحيط الهندي مجرد مسطح مائي، بل كان أيضاً طريقاً سريعاً للتجارة والتبادل الثقافي والتطور الحضاري. لقد ربط هذا الطريق التجار من سواحل الهند إلى أفريقيا، ومن الجزر الإندونيسية إلى الخليج الفارسي، ومن إيران إلى البحر الأحمر. في وقت كانت فيه الطرق البرية طويلة وغير آمنة، كان المحيط هو الذي يربط الاقتصادات الناشئة ويخلق فرصًا جديدة.
وتابع عراقجي: لكن العالم اليوم شهد تغيرات جذرية. لقد أصبحت وتيرة التغير الاقتصادي والتكنولوجي، واعتماد البلدان على طرق التجارة الجديدة، والحاجة إلى الأمن والتعاون الإقليمي أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي مثل هذه الظروف، لم يعد بوسعنا الاعتماد على المسارات التقليدية ونماذج الأعمال القديمة. يتعين علينا أن نرسم مستقبلاً لا يصبح فيه المحيط الهندي مجرد طريق عبور، بل مركزاً للتعاون الاستراتيجي والاقتصادي. وهذه هي الفلسفة وراء عنوان مؤتمر هذا العام، «رحلة نحو آفاق جديدة للشراكة البحرية».. هذا العنوان ليس مجرد شعار، بل يعبر أيضاً عن ضرورة تاريخية لجميع بلدان المنطقة.
خطة شاملة وتنفيذية لتطوير الموانئ
ومضى وزير الخارجية يقول: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإدراكاً منها لهذا التطور، وضعت السياسة «الموجهة نحو البحر» كأولوية استراتيجية لتطورها. إن بلداً يبلغ طول سواحله أكثر من 5800 كيلومتر ــ 4900 كيلومتر منها في الجنوب، على طول هذا المحيط الشاسع ــ لا يمكن أن يظل غير مبال بمستقبله. إن تطوير الاقتصاد البحري ليس مجرد خيار بالنسبة لإيران؛ بل هو شرط. لقد أدركنا أن سواحلنا ليست حدوداً طبيعية للبلاد فحسب، بل هي أيضاً بوابات تربط إيران بالاقتصاد العالمي. وبناء على ذلك، وضعت حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطة شاملة وتنفيذية لتطوير الموانئ والنقل البحري وإنشاء سلسلة توريد إقليمية.
سواحل مَكُران تحظى بمكانة خاصة
وأوضح عراقجي أن سواحل مَكُران (جنوب شرق إيران) تحظى بمكانة خاصة بين سواحل البلاد، وقال: إن هذه السواحل التي أهملت ثرواتها الطبيعية والاقتصادية على مدى قرون أصبحت اليوم من أولويات التنمية الوطنية. وأضاف: ينبغي أن تصبح «جنة مَكُران المفقودة» اليوم المركز الاقتصادي المستقبلي لإيران والمنطقة. وبناء على هذه الاستراتيجية، حددت حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أربعة أهداف رئيسية لتنمية هذه المنطقة:
أولاً: تعزيز الاقتصادات المحلية والأصلية، وخلق فرص عمل مستدامة للمجتمعات التي تعيش في هذه المناطق، ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي يمكن أن تلعب دوراً في سلسلة التوريد الإقليمية.
ثانياً: تطوير البنية التحتية للطاقة، مع التركيز على الطاقات المتجددة. لقد أدركنا أن اقتصاد المستقبل هو اقتصاد يعتمد على الطاقة المستدامة والنظيفة. إن الاستثمار في تكنولوجيات الطاقة الجديدة وتقليل الاعتماد على الموارد الأحفورية ليس ضروريًا من الناحية البيئية فحسب، بل سيساعد أيضًا في جعل المنطقة أكثر قدرة على المنافسة اقتصاديًا.
ثالثاً: استكمال الممرات الدولية وتعزيز طرق النقل. إن إنشاء شبكة من السكك الحديدية والطرق البرية والبحرية التي تربط إيران بالدول الأخرى في المنطقة وخارجها يشكل أحد الركائز الأساسية لسياساتنا البحرية.
رابعاً: جذب الاستثمار المحلي والأجنبي كقوة دافعة للتنمية الاقتصادية. لن ينمو أي اقتصاد بدون استثمار مستدام، ونحن نرحب بجميع البلدان للمساهمة في تنمية هذه المنطقة.
وأضاف: لكن أياً من هذه الخطط لن تتحقق دون تحقيق الأمن المستدام. إن الأمن البحري يشكل اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قضية أساسية للاقتصاد العالمي. وتقع على عاتق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالإضافة إلى دورها الاقتصادي والتجاري، مسؤولية ضمان الأمن البحري. ولعبت البحرية الإيرانية، بالتعاون مع دول المنطقة، دوراً مستمراً في عمليات مكافحة القرصنة، ومكافحة تهريب المخدرات، والجريمة المنظمة، وضمان أمن الشحن.
الأمن البحري
وتابع وزير الخارجية: نعتقد أن الأمن البحري لا ينبغي أن يكون أداة للضغط أو التأثير في يد قوى من خارج المنطقة، بل ينبغي أن يكون نتيجة للتعاون بين دولها، وأردف: في الوقت نفسه، لا يمكن لأي بلد أن يتقدم بمفرده في تنميته الاقتصادية. إن التعاون الإقليمي هو المفتاح لتحقيق التقدم المشترك. ومن خلال عضويتها في رابطة دول المحيط الهندي (IORA) ومنظمة القوات البحرية (IONS)، تؤكد إيران إلتزامها بالتعددية والتعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة.
وأضاف: لكن في هذه الأثناء هناك تحديات مهمة وهو أن بعض القوى الإقليمية تحاول استغلال الثغرات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة والتأثير على التعاون الطبيعي بين دولها. ولا يمكننا أن نسمح للمنافسات الجيوسياسية بين القوى العالمية بتحديد مستقبل هذه المنطقة. إن القرارات المتعلقة بمصير المحيط الهندي يجب أن تتخذها بلدان المنطقة وبما يخدم مصالح شعوبها.
الرحلات الجوية بين إيران ولبنان
على صعيد آخر، تباحث وزيرا الخارجية الإيراني «عباس عراقجي» ونظيره اللبناني «يوسف رجي»، في اتصال هاتفي جرى أمس الأول بينهما، حول العلاقات الثنائية والقضايا الاقليمية، كما تطرقا إلى موضوع الرحلات الجوية بين البلدين.
وهنأ عراقجي، في هذا الحوار، رجي على تعيينه وزيرًا للخارجية في الحكومة اللبنانية الجديدة، متمنيًا له وللحكومة الجديدة كل النجاح. وأكد الجانبان على تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، بما يتماشى مع مصلحة شعبي البلدين وعلى أساس الاحترام المتبادل. كما تم تبادل الآراء حول سبل حل المشكلة الخاصة بالرحلات الجوية بين البلدين، حيث أعرب الجانبان عن استعدادهما لإجراء مباحثات بناءة تسودها النوايا الحسنة بهذا الشأن.
