خبير في العلاقات الدولية والإعلام لـ ”الوفاق”:
الثورة الإسلامية.. تحوّل جذري في تاریخ المنطقة والعالم
تمر علينا أيام عشرة الفجر المباركة وذكرى إنتصار الثورة الإسلامية التي تتزامن مع أيام ميلاد الأنوار المحمدية، ومن جهة أخرى نشهد في هذه الأيام أيضاً إنتصار المقاومة في غزة ولبنان، فبهذه المناسبة وفي يوم ميلاد باب الحوائج أبي الفضل العباس(ع)، أجرينا حواراً مع الأديب والخبير في العلاقات الدولية والإعلام وتحليل الخطاب الدكتور ”حسن بشیر” أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران، وتحدثنا معه حول انتصار الثورة الإسلامية والمقاومة، فيما يلي نصّه:
موناسادات خواسته
سِر إنتصار الثورة الإسلامية
بداية سألنا الدكتور حسن بشير عن رأيه حول سِر إنتصار الثورة الإسلامية، فهكذا رد علينا بالجواب: لم تكن الثورة الإسلامية في إيران حدثاً عابراً وصغیراً ومجرد تغيير في نظام الحكم. وانتصارها أیضاً لم یكن قضیة یمكن أن نختصرها بعوامل وأدلة قلیلة. إن انتصار الثورة الاسلامیة في ایران عام 1979وتأسیس الجمهوریة الاسلامیة علی ید قائدها الإمام الخميني(قدس) هو نتیجه لعوامل عدیدة متراكمة وبعیدة المدى في تاریخ المجتمع الایراني وحتی سائر الدول الاسلامیة التي عانت من حكامها آنذاك انواع الظلم والاستبداد. انها كانت تحولاً جذریاً في تاریخ المنطقة كلها وحتی علی المستوی العالمي.
لقد نجحت الثورة في كسر الهيمنة الغربية وأعادت الإسلام إلى صدارة المشهد السياسي العالمي. والآن وبعد مرور عقود، لا یزال تأثیرها واضحاً في المنطقة وعلی الصعید العالمي رغم كل الضغوطات والعقوبات والتحدیات التي واجهتها من قبل الدول الغربیة وعلی رأسها امریكا وسوف تبقی ایران قوة إقلیمیة فاعلة ومؤثرة بل قوة عالمیة تساهم في رسم الخطوط الأساسیة في موازنة السیاسات العالمیة.
باختصار یمكنني أن أطرح بعض المحاور المهمة التي تكشف عن أسرار إنتصار الثورة الإسلامیة في ایران:
1- ظلم الشاه المقبور واستبداده: تمیز نظام الشاه المقبور رضا بهلوي وبعده ابنه محمد رضا بهلوي بالظلم والاستبداد والقمع السیاسي و الاجتماعي. في نظام عائلة بهلوي لم یكن للحریة مكانة في المجتمع الایراني. جهاز المخابرات الإیراني المسمی بالسافاك كان اكثر الاجهزة الأمنیة قمعاً وتهمیشاً في العالم مما أثر كثیرا في إزدیاد كراهیة الشعب للنظام الملكي الحاكم في ایران.
2- تبعیة نظام الشاه للغرب ونهب ثروات الشعب: الشاه المقبور بكل معنی الكلمة كان عمیلاً للولایات المتحدة وبریطانیا. في عهد هذه العائلة كانت ایران أیضاً في كل سیاساتها وقضایاها الداخلیة والدولیة تابعة بشكل شبه كامل لهاتین الدولتین الغربیتین. في هذا النظام تم استغلال النفط من قبل الشركات الإجنبیة ولم یكن للشعب الایراني الا نصیباً لا یذكر من هذه الموارد. الثقافة الاسلامیة كانت مطرودة ومشروع التغریب القسری ومحاربة الحجاب وأمثاله كان هو الهدف الاساسي لهذا النظام الظالم. ومن الطبیعي ان یعارض الشعب هذه المشاریع الاجنبیة المغایرة للروح الاسلامیة والثقافة العامة ویحاول بكل جهده لإسقاط هذا النظام.
3- الوعي المتزاید السياسي والاجتماعي للشعب الایراني: حینما یزداد الظلم في اي مجتمع نری ان العلماء والمثقفين والخطباء الواعین یحاولون ان ینشروا الفكر الثوري المقاوم ضد الظلم والاستبداد. وهذا هو ما جری في المجمتع الایراني.
4- القيادة الكاريزمية للإمام الخميني(قدس): أستطیع ان أقول بقوة وصراحة واضحة إن قیادة الامام الخميني(قدس) علی مدی الاعوام الطویلة هو العامل الاساسي والمباشر لإنتصار الثورة الاسلامیة في ایران. كان للإمام الخمیني (قدس)شخصیةكاریزمیة قویة، استطاعت ان توحد الفئات المختلفة الاجتماعیة و السیاسیة و الدینیة تحت رایة واحدة في ایران.
مكانة الثورة الاسلامیة في المنطقة
حول مكانة الثورة الاسلامیة في المنطقة بعد مرور عقود علی انتصارها، يقول الدكتور بشير: یمكنني أن أطرح بعض المحاور المهمة باختصار.
إن الثورة الإسلامیة في ایران لا تزال بعد اكثر من أربعة عقود علی انتصارها في ایران، تلقی وتحظی بأهمیة كبیرة علی المستوی الإقلیمي والعالمي.
1- إحياء الهوية والثقافة الإسلامية وتعزیز السيادة الوطنية: كان هو الهدف الأساسي للثورة الإسلامیة وحینما انتصرت الثورة، كان لها الأثر الكبیر علی العدید من شعوب المنطقة وألهمت الحركات التحریریة الثوریة أن تسعى بقوة لمعارضة النفوذ الغربي والتبعیة الموجود في انظمة حكوماتها.
2- مقاومة الهيمنة الغربية وخاصة الامریكیة: عرف الشعب الایراني بوضوح إن العدو الرئیسي لإیران هي الولایات المتحدة وتبنّت سیاسة مستقلة رصینة ضد النفوذ والهیمنة الأمریكیة.
3-التطورات العسكرية والتكنولوجية والفنیة: ایران الیوم رغم كل الضغوط والعقوبات التي شهدتها من النظام الامریكي وأعوانه في المنطقة وعلی الصعید العالمي، حققت تطورات عسكریة وتكنولوجیة وفنیة هائلة حتی أصبحت تمتلك قدرات متقدمة ومتفوقة في الصناعات المختلفة مما جعلها لاعباً قویاً ومؤثراً في جمیع المعادلات السیاسیة والأمنیة في المنطقة وحتی علی الصعید العالمي.
4- تعزیز المقاومة وتحكيمها في المنطقة: من أهم ما قامت به ایران بعد انتصار الثورة الاسلامیة هو الدعم الأساسي والرئیسي لحركات المقاومة في المنطقة في فلسطین ولبنان والعراق والیمن وغیرها مما جعل المقاومة تكون قوة حقیقیة تواجه كل التحدیات بوعي وقدرة لا یمكن أن یتغافل عنها الأعداء.
العباس(ع) رمز لكل المجاهدين
يصادف اليوم ميلاد باب الحوائج اباالفضل العباس(ع)، فسألنا الخبير الإيراني عن رأيه فيما يتعلق بكيفية اتخاذ مجاهدي المقاومة أنموذجاً منه، فقال الدكتور بشير: "باب الحوائج" هو الإسم المعروف لأبي الفضل العباس(ع) الذي هو الرمز الخالد للایمان والشجاعة والایثار في التاریخ الاسلامي. أبو الفضل العباس جسّد في كربلا، حین وقف كل الاسلام امام كل الكفر والالحاد أنذاك، أسمی معاني التضحیة والفداء والایثار عندما قدم نفسه ودمه قرباناً في سبیل الله ونصرة إمامه الامام الحسین(ع). لذلك اصبح قدوة وأنموذجاً ورمزاً لكل المجاهدین والمقاومین والحركات الاسلامیة في فلسطین والعراق والیمن ولبنان وكافة الاقطار الاسلامیة.
لا یمكننا ان نحصي صفات أبي الفضل العباس(ع) ولكن یمكننا ان نذكر بعض أبرز صفاته التي أثرت علی المقاومة الاسلامیة وألهمتها روح الجهاد والنضال والتضحیة. الایمان الكامل بالاسلام، الوفاء لإمامة الامام الحسین(ع)، الإیثار والتضیحة بالنفس، الشجاعة والإقدام في القتال، البصيرة والوعي العميق، الوفاء للقضية وعدم الاستسلام والروح الإيمانية العالية هو من أبرز صفات أبي الفضل العباس(ع).
المقاومة الاسلامیة والمجاهدون، استلهموا جهاد ومقاومة أبي الفضل العباس(ع) في حركاتهم ونضالهم وصمودهم امام الظلم والاستبداد وكان هذا هو من اهم العوامل في انتصار المقاومة في المنطقة لأنه كان قدوة في طریق الجهاد والصمود امام الظلم.
سر انتصارات جبهة المقاومة
اما حول سر انتصارات جبهة المقاومة في المنطقة يقول الدكتور بشير: یمكنني ان اطرح بعض المحاور المهمة باختصار والتي یجب ان نبحثها في المستقبل بشكل تفصیلي لأهمیتها وقدرتها علی تغییر الكثیر من سیاسات المنطقة والعالم.
1- العقيدة الثابتة والإيمان بالنصر: المجاهدون في فلسطین و لبنان علی سبیل المثال، یقاومون العدو ویقاتلون بعقیدة ثابتة وایمان قوي بالنصر وسیرهم في طریق الحق.
2-الصبر والصمود رغم الحصار الظالم والاغتیالات العدیدة: اننا نعرف جمیعا كما كان أبي الفضل العباس(ع) صامدًا رغم فقدان يديه وجراحه العميقة، فإن المقاومة الاسلامیة في المنطقة بقيت صامدة رغم الحصار الاقتصادي، والقصف المتواصل، والاغتيالات العدیدة وهذا الامر لم یتمكن حتی الاعداء الصهاینة من أنكاره.
3-انهيار الروح المعنوية للاعداء وخاصة العدو الصهیوني: من أهم أسباب وعوامل نجاح المقاومة إضعاف الروح القتالیة للعدو الصهیوني والتي أقر هذا الأمر كثیر من جنودهم.
4-الدعم الشعبي الواسع للمقاومة الاسلامیة: كذلك من أهم عوامل استمرار المقاومة وقوتها وانتصارها هي إنها تحظی بدعم شعبي واسع من كافة المجتمعات الاسلامیة.
دور وسائل الإعلام في الثورة الإسلامية
فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام في الثورة الإسلامية وتحليل خطاب الثورة الإسلامية، يقول الأستاذ بشير: كان للإعلام دوراً مهما في انتصار واستمرار الثورة الاسلامیة في ایران. فقبل انتصار الثورة الاسلامیة كان للكاسیت دور مهم في نقل خطابات الامام الخميني(قدس) إلی الشعب الایراني مما جعل العالم ان یسمي هذه الثورة انتساباً للكاسیتات بـ "ثورة الكاسیت". انه الوسیلة الاعلامیة الصغیرة التي لعبت دوراً مهما في انتصار الثورة الاسلامیة كما لعبت ایضا وسائل الاعلامیة التقلیدیة و غیر التقلیدیة امثال المسجد و الحسینیات و ما شابه ذلك دوراً مهما في هذا المجال. ثم كان لإذاعة "صوت الثورة الإسلامیة" أیضاً دوراً مهماً في تنظیم الحركة الشعبیة ضد نظام بهلوي واسقاطه.
في الختام یجب التأكيد ان نجاح الثورة الاسلامیة في ایران كان الی حد كبیر لأسباب عدیدة اهمها قیادة الامام الخميني(قدس)، ووحدة الشعب الایراني، وفهمه للإسلام وایمانه القوي في الجهاد والمقاومة التي إستلهمها من امامه العظیم الامام الحسین(ع) أبو الشهداء، والطریقة التي استفاد منها لنشر الخطابات والثقافة الاسلامیة عبر الكاسیت والمسجد والحسینیة وما شابه ذلك. والاهم من كل هذا هو ان الثورة كانت اسلامیة باشراف علمائها المجاهدين والمجتهدين الذین وقفوا لنصرة الامام الخميني(قدس) في جهاده ونضاله وصموده ضد الظلم والاستكبار.
