معضلة ركام غزة.. الإعمار بحاجة لسنوات طويلة وعشرات مليارات الدولارات

مع استمرار تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يبدو ملف إعادة الإعمار أحد العقبات التي تواجه هذا الاتفاق، لاسيما مع حالة الدمار الكبيرة التي طاولت مختلف القطاعات الحياتية والمعيشية.
وعمد الاحتلال الصهيوني إلى تدمير المباني السكنية والبنية التحتية المتمثلة في شبكات المياه ومياه الصرف الصحي وشبكات التيار الكهربائي، لتحويل القطاع إلى بيئة طاردة للسكان ومكان غير صالح للعيش.
ووفقاً للتقديرات الحكومية في قطاع غزة، فإن الاحتلال دمر قرابة 80% من القطاع الإسكاني، سواء عبر التدمير الشامل للمنازل أو التدمير الكلي للمناطق. ووفقاً لهذه التقديرات، فقد دمر الكيان المحتل أكثر من 150 ألف وحدة سكنية بشكل كامل و80 ألف وحدة دمرت بشكل أصبحت معه غير صالح للسكنة و200 ألف وحدة مدمرة جزئياً.
وخلف الدمار الصهيوني عشرات الملايين من أطنان الركام التي تحتاج للتخلص منها قبيل بدء عملية إعادة الإعمار، حيث تشير التقديرات الأولية التي يجرى تناقلها في أوساط منظومة الأمم المتحدة إلى أن كميات الركام الهائلة الناتجة عن الدمار في غزة قد تزيد عن 42 مليون طن، في حين قدرت التكلفة الأولية لنقلها والتخلص منها بنحو مليار دولار.
وتقدّر بعض الجهات الأممية والدولية حجم الخسائر المالية والتكاليف التي يحتاجها القطاع للبدء في عملية إعادة الإعمار بنحو 80 مليار دولار، وهي تكلفة ستجعل عملية إعادة الإعمار تمتد لعقود.
ومع عودة النازحين إلى مناطقهم التي نزحوا منها، تكشّف حجم الدمار الكبير الذي طاول مختلف المدن والمخيمات التي كانوا يعيشون فيها قبل حرب الإبادة الصهيونية، ما يجعل القطاع بحاجة لتدخلات عاجلة على صعيد عملية إعادة الإعمار.
وتنص بنود إتفاق وقف إطلاق النار على بروتوكول إنساني سريع للإغاثة وعملية إعمار متعلقة بالمستشفيات والمؤسسات الحيوية وتشغيل التيار الكهربائي وشبكات المياه، بالإضافة لتأهيل المخابز.
وعلى صعيد عملية إعادة الإعمار، فإن الإتفاق كان ينص على عملية شاملة تتراوح ما بين 3 و5 سنوات من خلال بنود الإتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية قطرية ومصرية وأميركية.
وتتمثل الاحتياجات الفلسطينية في الفترة الراهنة بالحاجة للبيوت وإصلاح الطرق وشبكات المياه والكهرباء التي طاولتها عملية التدمير بشكل كامل، وهي ملفات تمس بعصب الحياة في غزة.
 خسائر كبيرة وعرقلة صهيونية
في الأثناء، يقول مديرعام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة: إن التقديرات تشير إلى أن التكلفة التقديرية الأولية المباشرة لإعادة إعمار قطاع غزة قد تصل إلى 80 مليار دولار، ما يعكس حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمباني السكنية والتجارية وبجميع القطاعات الحيوية في قطاع غزة. ويضيف: أن إزالة الركام والأنقاض ستكلف حوالي مليار دولار، حيث تُعَدُّ هذه العملية معقدة نظراً إلى وجود كميات هائلة من الركام والقطاعات التي دمرها الاحتلال، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والبيئية المرتبطة بهذه العملية المعقدة.
ويشير مديرعام المكتب الإعلامي الحكومي إلى أنه في ظل الحاجة الملحة لإيواء النازحين الذين دمر الاحتلال منازلهم، هناك حاجة ملحة جداً لتوفير وحدات سكنية متنقلة (كرفانات) أو خيام لإيواء مؤقت لكل أسرة دمر الاحتلال منزلها، فيما يعرقل الاحتلال حتى الآن إدخال الخيام والكرفانات والبيوت المتنقلة.
ويؤكد الثوابتة أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة لديها عدة خطط تتعلق بمسألة الإعمار؛ ولكن ما يمنع ذلك هو أن هذه العملية تحتاج إلى قرار دولي من أجل البدء بالإعمار خلال الفترة الحالية. ويلفت إلى أن عملية إزالة الركام تتطلب معدات ثقيلة ومتخصصة، بالإضافة إلى فرق عمل مدربة للتعامل مع التحديات المرتبطة بهذه العملية، مثل وجود ذخائر غير منفجرة وملوثات بيئية.
ويشدد على أن عملية إعادة إعمار القطاع مهمة وشاقة وتكاد تقترب من الاستحالة، ذلك أنها تتطلب تنسيقاً دولياً وجهوداً مشتركة لضمان توفير الموارد اللازمة والتغلب على التحديات القائمة.
 غياب الرؤية
من جهته، يؤكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، أن ملف عملية إعادة الإعمار لا يوجد له تصور واضح حتى اللحظة، في ظل وجود رؤية للذهاب نحو الإغاثة العاجلة ثم الذهاب نحو الإنعاش المبكر.
ويقول الشوا: إن هناك الكثير من الإشكاليات بعد عودة النازحين إلى مناطق غزة والشمال، لاسيما في ما يتعلق بالإيواء، إذ إن التقديرات الأولية تشير إلى حاجة مليون نسمة إلى إيواء عاجل. ويضيف: إن عدد الخيام والبيوت المتنقلة المطلوبة يتجاوز 150 ألفاً في الفترة الحالية، بالإضافة إلى الإشكالية الأخرى المتعلقة بالحياة اليومية، مثل المياه، فضلاً عن التخلص من آلاف أطنان النفايات المتراكمة على مدار 15 شهراً ومنع الاحتلال إخراجها.
وبحسب رئيس شبكة المنظمات الأهلية، فإن التقديرات الأولية لمرحلة الإنعاش المبكر تشير إلى أنها قد تستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات إذا ما توفرت الآليات والمعدات، بالإضافة إلى مسارات للتخلص من الركام الذي يقترب من 50 مليون طن.
ويشير إلى أن الخسائر العامة في ما يتعلق بالبيوت في نسبته العامة يصل إلى 80%؛ لكنه يصل في مناطق مثل رفح وجباليا وبيت حانون إلى أكثر من 90% ويزيد، بفعل الحرب الإسرائيلية والعمليات العسكرية المتكررة.
 معضلة الركام
من جهته، يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب: إن تراكم كميات الركام بفعل الحرب يعتبر من الإشكاليات الكبرى في طريق عملية إعادة إعمار القطاع، حيث تتوزع الكميات بشكل كبير في مختلف المناطق. ويوضح أبو جياب أن الكم الأكبر من الركام موجود في منطقة شمال القطاع، جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، ثم جنوباً في مدينة رفح ثم مدينة خانيونس، ثم مدينة غزة، وفي المرتبة الأخيرة المناطق الوسطى.
ووفقاً للمختص في الشأن الاقتصادي، فإن كمية الركام لم تتجاوز في عام 2014 خمسة ملايين طن من الركام، بينما المعدل الحالي يعادل عشرة أضعاف، وهو ما يتطلب توفير الإمكانات الكبيرة للتخلص منه ووجود مشاريع دولية لتغطية النفقات التي تقترب من مبلغ مليار دولار.
ويلفت إلى أن هناك بعض الاقتراحات للتعامل مع هذا الركام عبر عملية إعادة الإعمار، من خلال إعادة صناعة الحجر المستخدم في البناء أو استخدامه في عملية رصف الطرق ضمن المواد الخام التي تدخل في هذه العملية. كما يلفت إلى أن حجم التمويل المطلوب يتراوح ما بين 60 و70 مليار دولار، غير أن حجم الأموال المطلوبة لمرحلة الإنعاش المبكر والإيواء خلال الفترة الراهنة ما بين خمسة مليارات دولار وعشرة مليارات في الفترة الراهنة.
وبحسب المختص في الشأن الاقتصادي، فإن هذه المبالغ ستشمل توفير البيوت المتنقلة والخيام وإصلاح شبكات المياه والاتصالات والكهرباء وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان في الفترة الأولى من عملية إعادة الإعمار.
البحث
الأرشيف التاريخي