”الوفاق” تلتقي عدداً من الخبراء والمحللين حول إنتصار المقاومة:
وقف إطلاق النار في غزة.. إنتصار الإرادة على النار
أعلنت وزارة الخارجية القطرية، مؤخراً عن إتفاق وقف إطلاق النار، جاء بعد صمود أسطوري سجّله أهالي قطاع غزة والمقاومة بوجه العدوان الصهيوني الغاشم. وبهذه المناسبة، أجرت صحيفة الوفاق سلسلة من الحوارات مع عدد من الخبراء والمحللين والكُتّاب العرب المهتمين بشؤون المنطقة، تطرّقوا خلالها إلى أهمية الإتفاق بالنسبة للمقاومة الفلسطينية وتأثيره على مستقبل القضية.
الكيان كان يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة
في هذا الإطار، قال رئيس جمعية الشتات الفلسطيني في السويد "خالد علي السعدي" للوفاق: الكيان كان يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة في تاريخه قبل السابع من أكتوبر، عمّق "طوفان الأقصى" من هذه الأزمة ووضع الكيان أمام أزمة وجودية، فقد أثبت صمود شعبنا في غزة للعالم أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع حتى يتحصل على حقوقه المشروعة، الآن صفقة إطلاق النار وفقاً للشروط التي أعلن عنها وعدم قدرة الكيان والقوى الدولية على كسر إرادة المقاومة وفرض شروطه عليها سيزيد من تعميق الأزمة داخل الكيان. باختصار "طوفان الأقصى" زلزال هزّ أركان الكيان وسنشهد تبعاته عليه في المستقبل. وبخصوص مصير نتنياهو، فهو ما كان يدركه نتنياهو جيداً، ويحاول الاستمرار في الهروب للأمام؛ لكن مصيره لن يختلف عن سابقه فأمامه الكثير من المتابعات.
وختتم السعدي بالقول: وحدة الساحات تكريس لمراحل سابقة من العمل والمقاومة كتف بكتف، لقد حاول الكيان تفكيك ذلك وربما أحدث بعض التغيرات فيه خصوصاً بعدما تغير في سوريا وما تعرض له حزب الله من ضربات؛ لكن الأكيد أن المحور موجود وسيعيد بناء نفسه، المراهنة التي سيتم العمل عليها من الإدارة الأمريكية والكيان هو ترسيم مسارات التطبيع في مواجهة المحور لمحاصرته
أو تفكيكه.
إتفاق وقف إطلاق النار هزيمة للاحتلال
بدوره، قال الكتاب السياسي اللبناني "يوسف الصايغ" في حواره مع الوفاق: لا شك أن إتفاق وقف إطلاق النار في غزة يشكّل هزيمة سياسية واستراتيجية للكيان، حيث أنه عجز وبعد مرور أكثر من عام و3 أشهر عن تحقيق ولو هدف واحد من الأهداف التي أعلنها رئيس حكومة الإحتلال نتنياهو لاسيما القضاء على المقاومة في قطاع غزة وإعادة مستوطني الشمال واسترداد الأسرى بالقوة، وكل ما حققه كيان الاحتلال وجيشه هو الدمار الكبير والإبادة التي ارتكبت بحق أبناء قطاع غزة؛ لكن حسابات الانتصار والهزيمة تحتسب في الأهداف، حيث شهدنا بوضوح كيف أن المقاومة في قطاع غزة نجحت في فرض معادلاتها واستمرت في إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات وتكبيد العدو الخسائر في الأرواح والعتاد، ما يشكل إنتصاراً للمقاومة التي لم تتراجع عن شروطها رغم كل ما تعرضت له من ضغوط وتدمير وحرب إبادة جماعية.
وأضاف الصايغ: ربما تكون أحد الأسباب التي دفعت بحكومة الإحتلال إلى المماطلة وتأجيل التوصل إلى وقف إطلاق النار هي محاولة نتنياهو الهروب إلى الأمام من خلال تأخير الإتفاق لإدراكه مسبقاً أنه سوف يتعرض للمحاكمة والمساءلة، وربما سيكون مصيره شبيهاً بمصير رئيس حكومة الإحتلال الأسبق إيهود أولمرت الذي دخل إلى السجن بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 بقضايا فساد واختلاس، وهذا السيناريو ربما سيتكرر مع نتنياهو.
وتابع: الذي سيواجه محاكمة هي الأولى من نوعها لرئيس حكومة على رأس السلطة، حيث يواجه إتهامات في 3 ملفات فساد، يتعلق بعضها بالرشوة وخيانة الأمانة، وهي تهم يُحاكم عليها منذ أكثر من 8 سنوات؛ وبالطبع سيكون نتنياهو في وضع حرج بعد فشله في الحرب التي شنها على قطاع غزة، بعدما عجز عن تحقيق الأهداف التي أعلنها ما سيؤدي إلى التسريع في محاكمته وربما عزله من منصبه وتقديمه للمحاكمة ودخوله السجن على غرار أولمرت.
وختم الصايغ بالقول في إشارته إلى وحدة الساحات: لقد شهدنا خلال عملية "طوفان الأقصى" ترجمة عملية لمفهوم وحدة الساحات التي لعبت دور المساند لجبهة غزة لاسيما من لبنان واليمن والعراق حيث كانت قوى المقاومة حاضرة في الميدان، وساهمت بتخفيف الضغط عن جبهة غزة، وما شهدناه عبر جبهة اليمن كان بالغ الأهمية لجهة إطباق الحصار البحري على كيان الاحتلال، إلى جانب استهداف المدمرات المدمرات الأميركية بصواريخ القوات السلحة اليمنية وإسقاط طائرات الاستطلاع.
وعلى جبهة العراق، كانت المسيرات تضرب عمق كيان الاحتلال وتستهدف المواقع الحساسة الأمنية والعسكرية ومطار بن غوريون ومواقع ومنشآت أخرى لها أهميتها العسكرية والمدينة ما دفع بملايين المستوطنين الى دخول الملاجئ.
وعلى جبهة لبنان، شهدنا كيف تحولت جبهة الإسناد إلى جبهة مفتوحة بعد العدوان الصهيوني على الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع حيث حاول جيش الاحتلال أن يعوض عما تعرض له خلال حرب الإسناد من قبل المقاومة الاسلامية بالعدوان العسكري الموسع؛ لكننا شهدنا كيف تدمرت دبابات العدو وقتل جنوده ولم تتمكن القوات العسكرية من التقدم سوى مئات الأمتار داخل الأراضي اللبنانية وذلك بفضل بسالة المقاومين على الجبهات حيث خاضوا المواجهات البطولية رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية والتكنولوجية.
وبالطبع كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاضرة في معركة "طوفان الأقصى" من خلال عمليتي "الوعد الصادق 1 و2"، حيث ضربت صواريخ الجمهورية الإسلامية عمق كيان الاحتلال وقواعده العسكرية ومنشآته الأمنية والاستخباراتية، في ظل عجز الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية المنتشرة في المنطقة عن منع استهداف كيان الاحتلال الذي بات تحت مرمى صواريخ ومسيرات جبهات إسناد غزة.
فرضت المقاومة شروطها وكانت لها الكلمة الفصل
من جانبه، قال الخبير السياسي المغربي "حسن الخباز" في حوار مع الوفاق: فرضت المقاومة شروطها وكانت لها الكلمة الفصل والحاسمة أمام الجيش الذي يُزعم أنه لا يقهر، وأظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أنه هشّ، ومع كل حلفائه وعلى مدى شهور لم يستطع تحقيق ولو هدف واحد من أهدافه التي سطرها، وقد خرجت المقاومة ببيان عكس نتنياهو الذي ظل صامتاً، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على هزيمته النكراء، وعلى قرب محاكمته في الكيان الصهيوني كخطوة أولى، وفي المحكمة الجنايية الدولية كمجرم حرب عاجلاً أو آجلاً.
وأضاف الخباز: بكل تأكيد سيلقى نفس مصير يهود اولمرت، وربما أكثر لأن حربه ضد غزة عرت أحد أقوى جيوش العالم وحطمت أكذوبة القبة الحديدية، وفتحت المقاومة باب الصهاينة واحتجزت مَن احتجزت، وقتلت مَن قتلت، وفجرت الكثير من الدبابات، وكلفت الصهاينة خسائر جمة، ومع أن نتنياهو حاول تمديد أمد الحرب حتى يفلت من المحاكمة؛ لكن هذا أثار سخط الصهاينة عليه، وخرج ضده كل أهالي الأسرى لدى حماس عبر مظاهرات شبه يومية تطالب برأسه.
وختم الخبير السياسي المغربي بالقول: "طوفان الأقصى" حقق الكثير من المكاسب من بينها على سبيل المثال لا الحصر أنه أعاد القضية الفلسطينية لواجهة الأحداث بعدما بدأت تموت تدريجياً لعدة أسباب، ومن أهم إنجازات هذه الغزوة المباركة كونها وحدت من جديد صفوف الفصائل الفلسطينية واجتمعوا على قلب رجل واحد واتحادهم سرّ قوتهم وسرّ نجاحهم وصمودهم لما يقارب السنة والنصف رغم الحصار والعدوان الجماعي الذي تعرضوا له والذي ضم أقوى دول العالم دون إغفال وخذلان أغلب الأنظمة العربية لهم ودعمها للعدو سراً وعلناً.
اعترافًا بقدرة المقاومة
بدورها، قالت الكاتبة والإعلامية المصرية "علياء الهواري" في حوار مع الوفاق: إتفاقية وقف إطلاق النار التي جرى التوصل إليها تمثل تطورًا استراتيجيًا هامًا، إذ تراجع العدو الصهيوني عن تحقيق أهدافه العسكرية في غزة بعد الهجمات المتواصلة، وأصبح مضطراً للاستجابة لشروط المقاومة التي تتضمن وقف العدوان ورفع الحصار. هذا التراجع يعد اعترافًا ضمنيًا بقدرة المقاومة على فرض شروطها على مستوى المعركة، مما يعزز مكانتها في الساحة الإقليمية والدولية. كما يشير هذا التطور إلى أن المقاومة ليست مجرد طرف مدافع، بل أصبحت قوة مؤثرة في موازين القوى، وهو ما يعكس فشل الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها في المنطقة.
وأضافت الهواري: بالإضافة إلى ذلك، فإن توقيع إتفاقية وقف إطلاق النار يسلط الضوء على فشل الصهاينة في تحقيق التفوق العسكري الكامل على المقاومة، ويثبت أن المقاومة قادرة على فرض المعادلات بشكل قوي، وهذا يعد مكسبًا استراتيجيًا كبيرًا للمقاومة سواء من الناحية العسكرية أو السياسية. وتابعت: من المحتمل أن يواجه نتنياهو وسائر قادة العدو تبعات سياسية نتيجة لفشلهم في مواجهة المقاومة بشكل حاسم. فشل العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها وظهور العجز عن إيقاف الهجمات أو منع تحسن قدرات المقاومة قد ينعكس سلبًا على شعبية الحكومة لصهيونية. هناك سوابق تاريخية توضح أن قادة الاحتلال الذين فشلوا في تحقيق نصر حاسم غالبًا ما يواجهون نتائج سياسية وخيمة، كما حدث مع إيهود أولمرت بعد فشل الحرب على لبنان 2006. في حالة نتنياهو، قد يتعرض لضغوطات داخلية من الشعب والمعارضة السياسية، مما قد يؤدي إلى عزله أو استقالته إذا استمر الوضع في التدهور. الفشل العسكري قد يفتح المجال لتغيير سياسي في كيان العدو، وربما تقليل فرصه في العودة إلى الساحة السياسية في المستقبل القريب.
وقالت الكاتبة المصرية: أن وحدة الساحات تعتبر إنجازًا استراتيجيًا كبيرًا في مواجهة العدوان الصهيوني. من خلال التنسيق بين مختلف فصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة، تم تعزيز قدرات المقاومة وزيادة الضغط على الاحتلال في عدة جبهات. هذا التنسيق أدى إلى استنزاف قدرات العدو على مستوى أكبر، حيث واجه العدو الصهيوني تحديًا في الرد على الهجمات المتعددة من مناطق مختلفة في وقت واحد.
وختمت بالقول: وحدة الساحات لا تعكس فقط التنسيق العسكري، بل تعزز من الروح المعنوية للشارع الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، وتوحد الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال. هذه الوحدة تمثل خطوة هامة نحو تحقيق الاستقلال والحرية، وتؤكد على أن المقاومة ليست مقتصرة على جهة واحدة أو مكان واحد، بل هي حركة شاملة تشترك فيها كافة مكونات الشعب الفلسطيني.
