إعلامي وناقد سينمائي لبناني لـ ”الوفاق”:
الفنّ السابع مفتاح التصالح مع الآخر
الفن السابع متميّز بين الفنون، وله جاذبيته الخاصة بين الشعوب في مختلف أنحاء العالم، وتُقام له مهرجانات سينمائية دولية ومحلية خلال السنة، كما أن إيران تقيم مهرجانات سنوية دولية مختلفة، منها مهرجان فجر السينمائي الدولي الذي نحن على أعتاب إقامته بنسخته الـ 43. وبما أن الأفلام الإيرانية لها صدى عالمي، خاصة المسلسلات والأفلام السينمائية بصورة عامة، وبهذا الصدد أجرينا حواراً مع الخبير والناقد السينمائي اللبناني ”جهاد أيوب” الذي له الكثير من النشاطات وتكرّس إسمه كناقد بفعل تراكم الخبرة والحضور في الكثير من المجالات المستحقة للنقد، وأعدَّ العديد من الأفلام الوثائقية، وكان الحديث عن الفن السابع والسينما بصورة عامة والأفلام الإيرانية والمقاومة، وفيما يلي نص الحوار:
موناسادات خواسته
الفن السابع وتأثيره على المجتمع
بداية، سألنا الأستاذ جهاد أيوب عن رأيه حول الفن السابع، وتأثيره في المجتمع، فقال: الفن السابع كان الأكثر تأثيراً في الشعوب، وهدف الشباب في التواصل معه، ورغم أن الفن السابع يكرس التاريخ في الفيلم، ويجعله ذاكرة الشعوب ومراحل من الحياة، لكنه اليوم أقل تأثيراً في جيل الشباب... وهذا لا يمنع أهمية السينما، والعودة إليها في مناقشة التاريخ وبعض الأحداث رغم تشويه الحقيقة واختراع مصادر غير صحيحة، فالشباب ابتعد عن القراءة، وإن أراد القراءة يذهب إلى السينما أي يقرأ بصرياً، وأصبح يعتمد في معرفة تاريخه عن طريق السينما، وهنا تكمن خطورة الفن السابع!
نحن تأخرنا كثيراً لإكتشاف دور السينما وهذا التأثير الكبير، ولكن الصهيونية العالمية وتحديداً اليهود منذ اختراعها في هوليود اكتشفوا تأثيرها وخطورتها، واستغلوها لتقديم رواياتهم وعنصريتهم كما يشتهون، وبدأوا بمحاربة الكنيسة حتى انتصروا، ومن ثم أخذوا يمررون رسائل تغير نمطية الإنسان فكراً وتصرفاً إلا ما هو قليل في تقديم الحالة الإنسانية!
نعم من خلال سينما هوليود شوه اليهود الحقائق، وقدموا سردياتهم الكاذبة كما يشتهون!
نعم سينما هوليود كانت شريكة في انتصار الوهم الأميركي على العالم، بينما نحن في الشرق لا نزال نتجادل إذا كان الفن السابع رسالة أو ترفيه!
وما أعاق حضور السينما الكبير وتأثيرها أن المنتج في بلادنا وضع شروطه كما يشتهي على حساب الموضوع والطرح والموضوعية ورسائله السياسية كما حال الدراما العربية اليوم، وأيضاً المبدع الفنان في الفن السابع انتظر تمويله انتاجياً من الدولة، والدولة شروطها تعجيزية دبلوماسية، والسينما لا تؤمن بالدبلوماسية في طرح القضايا والتاريخ...وهنا معضلة مخيفة في استمرار السينما...السينما تحتاج إلى أخلاق وأمانة وانتاج غير مشروط، وليس إلى مصالح الدولة التي تتغير مع الزمن، وقد يسعى المخرج إلى تقديم وجهة نظره فيما يقدم وهذا حقه بشرط أن لا يلغي حقيقة المطروح!
الأفلام والمسلسلات الإيرانية
أما تقييمه عن الأفلام والمسلسلات الإيرانية ومدى الإقبال عليها في المنطقة، هو تقييم إيجابي، ويقول في هذا المجال:
الإقبال يتم من خلال العمل الجيد والتسويق الصح، وللأسف الدراما الإيرانية تنفذ بجدية وبمسؤولية، وفيها ما هو متميز ومنافس، ولكنها خارج التسويق الصح، وغائبة ومغيبة احياناً عن الإعلام!
المهم اختيار المشاركين والضيوف في المهرجانات والمحاور التي ستناقش، وبعد هذا العمر وهذه الجوائز العالمية التي تحصد لا بد أن نثق بما لدينا، وأن نؤمن برؤية الفنان، وأن نتصالح مع الكاميرا وتطورها!
أنا شاهدت الكثير من الأعمال الدرامية الإيرانية المهمة، وفيها مساحة من الإنسان، وهذا شبه مغيب ويغيب عن الدراما في العالم، لا يزال الإنسان محور الفن السابع الإيراني، ولكن الإنسان في الغرب أصبح مجرد آلة عابرة بحجة تطور الزمان، وهذه نقطة تحسب للفن الإيراني!
والجميل في الدراما الإيرانية دخولها إلى التاريخ الديني والمعاصر بذكاء وبسخاء، واتمنى أن يستمروا في هذا النهج، إنهم يعرفون الدخول إلى التاريخ ومناقشته، وهذه حالة يحسدون عليها!
أفلام المقاومة
فيما يتعلق بأفلام المقاومة ودورها في تخليد المشاهد الهامة، يقول الناقد اللبناني: افلام المقاومة تقدم إيراني بشطارة ومبالغة... شطارة في التنفيذ فنياً بالشكل والمضمون والأداء، ويسعون إلى التصالح مع التكنولوجيا دون خوف، وهذا مهم جداً، ولديهم مجموعة من الممثلين يتقنون اللعبة، وذات قيمة تعبيرية متفوقة!
والمبالغة تأتي بتقديم الشخصية كما لو كانت مثالية لا تخطئ، أو جعل القضية تصوفية مغرقة...أنا لا أستطيع أن اعمم، بل أتحدث عن مشاهداتي، وقد أكون على خطأ ولكن ليس خطأً كلياً، وأنا على قناعة باصابتي الهدف!
الأفلام الوثائقية الإيرانية وحتى المسلسلات التي تناولت ما بعد الثورة مبهرة لتناولها بحرفية وذكاء، وتعكس للقراءة البصرية الواقعية من شكل ومضمون ومكياج وديكور وازياء واختيار الممثلين...أنا احسدكم على هذا!
الرأي العام ينتظر إيران ماذا تقدم
أما عن مواجهة العدو الصهيوني والأمبريالي عن طريق صناعة الأفلام، يقول أيوب: المواجهة تكون من خلال ما ذكرته آنفاً، ومع ذلك علينا استغلال الأحداث المعاصرة من مجازر دامية صنعها العدو الصهيوني وتقديمها بأسرع ما يكون، ومنها ما حدث في غزة وجنوب لبنان، أو الضربات الإيرانية على الكيان المؤقت وما سبقها من حالات اجتماعية مع قليل من السياسة... أن نضوي على الإنسان وجرائم الصهاينة هو الحل المواجه بشرط أن يوازي ذلك خدمة إعلامية ودبلجة هذه الأعمال إلى اللغات العالمية لا أن نكتفي بلغتنا نحن كما لو كنا ننتج لحالنا وليس للعالم!
الرأي العام ينتظر إيران ماذا تقدم وماذا يحدث فيها وكيف تواجه، والغرب استطاع أن يكرس إعلامه لتشويه إيران وكل من يقاوم "إسرائيل" وأميركا، لذلك أدعو إلى قراءة مختلفة كلياً في السياسة والفن، والمقاومة في القطنة لم يعد ينفع المرحلة وما ينتظرنا من شرور الشيطان أكثر!
مخاطبة الرأي العام هو فن يتطلب مصداقية في التناول، والمصداقية موجودة في السياسة الإيرانية، لذلك من السهل أن تنعكس في أدوات التعبير على الرأي العام الضيق والواسع مهما اختلفت اللغة!
وبهذه الكلمات يختتم الأستاذ جهاد أيوب الحوار: لا نهاية في الثقافة والفن والحديث معكم، بل دائماً هنالك بدايات لأمل جديد وأفضل، وأحب أن أذكر أن التواصل الثقافي "أدب وفن وتشكيل وفنيين" يوصل إلى التصالح مع الآخر، ويفتح نوافذ جديدة يتصالح فيها الإنسان المسؤول صاحب المشروع مع الرأي العام، ويحل خلافات عالقة في خبايا الذاكرة ربما يكون فيها فهم خاطئ لغيرنا... الفن السابع هو مفتاح التصالح مع الآخر ومناقشته لمصلحتنا مهما اختلفت الرؤيا! شكراً لكم على هذا الحوار ولجهودكم على أمل العطاء المستمر وبمسؤولية كما عهدناكم.
