هل تعيد إيران ترتيب أوراقها؟
د.احمد فخرالدین
على بعد أيام قليلة من تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب مسؤولياته في الإدارة الأمريكية الجديدة... وبالتزامن مع انتهاء فترة الستين يوما التي تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني ولبنان وانقضاء حوالي الشهر على تسلم هيئة تحرير الشام مقاليد السلطة في سوريا.. واستمرار العدوان الصهيوني على غزة وتمدده إلى الجنوب السوري... كيف يبدو المشهد من طهران الواقفة على مفترق طرق تشتعل بالنيران..
من الواضح أن صراعا على النفوذ يجتاح العالم، ويتركز هذا الصراع في منطقة شرق المتوسط وبخاصة سوريا الكبرى أو بلاد الشام التي شكلت على مر الزمن وما زالت عقدة التجارة العالمية وواسطة العقد في امتلاك زمام السيطرة على المنطقة، عدا عما تزخر به من ثروات طبيعية...
من هنا كانت أطماع الدول الاستعمارية تتطلع دائما إلى هذه البلاد لتثبيت موطئ قدم فيها.
وفي الوقت الراهن تجري محاولة إعادة النظر بخارطة هذا العالم التي وضعتها الدول المستعمرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.. بحيث تأخذ بالاعتبار المصالح المستجدة لهذه الدول والوقائع على الأرض ومن ضمنها المشروع الصهيوني التوسعي، والذي يخدم مصالحها ويحقق
طموحاتها. ..
تضاعف الأهتمام بهذا المشروع بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران ودعوتها لتحرير الأقصى.. حيث تنبهت هذه القوى للمخاطر التي اتت بها الثورة.. وكان لابد من أشغال إيران بحروب ومؤمرات تحرفها عن الهدف. وكان لابد من إغراق بعض الدول أيضا في نزاعات جانبية باختراع فتن وصراعات عرقية وطائفية... وهي تغذي ذلك منذ أكثر من عقدين بحروب مباشرة وغير مباشرة آخرها ما سميت بالثورات الملونة..
اليوم يستكمل الكيان الصهيوني المشروع التفتيتي بحرب مباشرة على قطاع غزة متمددة إلى سوريا.. ويشن حربا مدمرة على لبنان وجنوبه لم تتوقف الا بعد أن مني بخسائر فادحة ويئس من التقدم على الأرض إلا لأمتار معدودة.
ومع خطاب وقف النار الذي أعلنه نتنياهو والذي واكبت تفاصيله ووضعت النقاط على حروفه ادارة بايدن من خلال مبعوثها آموس هوكستين وبموافقة الرئيس المنتخب ترامب.. بدأت الخطة المرسومة جاهزة للتنفيذ في سورية بكلمة السر في خطاب نتنياهو الذي وجه تحذيراً للرئيس السوري بشار الأسد من اللعب بالنار ..
فما أن توقفت الحرب في الجنوب اللبناني حتى اشتعلت في الشمال السوري بتوجيه ومواكبة من «الدولة الجارة»كما عبر الإمام السيد الخامنئي دام ظله الشريف... وحسمت المعركة سريعا بخروج الرئيس بشار الأسد من المشهد بعدما تبين أن لا نية للجيش السوري بالقتال..
أما في الجنوب السوري فكانت الفصائل المعارضة اسرع في حركتها للوصول إلى دمشق وكان لها قصب السبق في السيطرة على العاصمة.. فيما رأى الكيان الصهيوني الفرصة سانحة له للتوغل في الجولان والقنيطرة وقضم المزيد من الأراضي السورية للتوقف على بعد كیلومترات قليلة من طريق الشام بينما استمرت عملياته التدميرية في العمق السوري بما لا يقل عن ثلاثمائة غارة مستهدفا كل البنى الاستراتيجية للدولة السورية ودفاعاتها بما فيها من مطارات ومراكز دفاعية وبحثية واسطول بحري..كل ذلك تم بتنسيق ومؤازرة أمريكية.. اذ تحدثت المعلومات عن شن الطيران الاميركي حوالي سبعين غارة عدوانية مستهدفة مواقع الدفاع السورية الاستراتيجية.
في هذا الوضع المستجد كان على ايران أن تؤثر الانسحاب وتراقب الوضع عن بعد.. على أن تدخل في معركة لا أفق لها بعدما توضحت مؤشرات انهيار النظام.. وغياب بشار الأسد عن الساحة.
في ظل اشتعال النيران في هذا المحيط كانت الحكمة تقتضي من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية أن يراعوا الوضع بأخذ الموقف المناسب.. لدرء المزيد من الأخطار. وتجنب التعقيدات المحتملة لاحقا، والناجمة عن الزلزال السوري.. فلم تكن الرغبة قائمة في ملاقاة النظام الجديد في دمشق بنفس اللغة المتشنجة والعدائية التي لم تغب عن تصريحات المسؤولين الجدد فيه رغم تعرض بعض الممتلكات الايرانية والرعايا للهجوم
والاعتداء...
وهكذا عند المعضلات التي تواجهها فقد عملت إيران بمقتضى سياسة «حائك السجاد» المعروفة بمحاولة تقوية قطبها، وترتيب اوراقها من جديد.. فاظهار العداء بالمثل لبلد اسلامي كان يشكل واسطة العقد الأساسية في سياستها الشرق أوسطية باتجاه فلسطين وردود الأفعال غير المدروسة لن تجدي نفعا ولن تحقق عودة مقبولة للعلاقات الندية بين البلدين ما لم تتوفر الظروف والنيات الطيبة والمناسبة لذلك...
وقد تكون تصريحات وزير الخارجية الإيراني بالاستعداد لعودة استئناف العلاقات وفتح السفارة في دمشق لتجاوز الأزمة ملفتة، وتشكل استدارة ليس من السهل اتخاذها ودفعها قدما مع نظام دمشق الجديد، والذي لم ينه أو يرمم خصومته مع طهران بعد.. ويضع الشروط لذلك...
ماذا عن وضع الحليف الأساسي لإيران في لبنان وكيف يمكن أن تمد المقاومة بالمساعدة اللازمة فيما اذا استأنف الكيان الصهيوني عدوانه وانهار وقف إطلاق النار وسط بيئة عدائية مستجدة في لبنان...
هنا حديث آخر ربما تتوضح معالمه لاحقا.. حيث كان هاجس إيران ومسعاها الدائم لتحقيق استراتيجيتها في المنطقة هو إطفاء النيران والقفز فوق مشاعر الخصومة والعداء مع جيرانها ومحيطها العربي والاسلامي لقناعتها ان افضل الطرق لإبعاد الخطر الخارجي عن المنطقة ومواجهة الخطر الصهيوني يكون ببناء علاقات إيجابية وبناءة مع هذا المحيط.