اليوم العالمي لمنع الإبادة الجماعية لا يشمل غزة
فيما كان العالم يحتفل باليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، وهو اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة قبل أعوام، كانت غزة تستمرّ في تعدد شهدائها وجرحاها في أفظع إبادة يمارسها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وكانت المستشفيات في القطاع تُحرق وفي داخلها بعض المرضى وعدد من الكوادر الطبية، في وحشية صهيونية غير مسبوقة تسعى للقضاء على آخر مقومات الحياة في غزة.
أكثر من عام وشعب بأكمله يُباد، فيما يسيطر الصمت على معظم الدول وحكّامها، ويُمعن الغرب في الدفاع عن المجرم وجرائمه ليُسقط بفعله كل الرهانات والشعارات حول حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ومسرحية الأيام العالمية التي لا تقدّم شيئاً عملياً باستثناء الاحتفال الإعلامي والتذكير بالمناسبة، فيتحوّل يوم خاص بمنع الإبادة إلى تكريس فعلي لكل الجرائم الصهيونية والقضاء على الشعب الفلسطيني ومحو عائلات من السجلات المدنية.
كم عاماً يجب أن تستمرّ الإبادة على شعب مظلوم حتى تتحرّك الدول والجهات المعنية لمنع استمرار هذا المستوى من القتل والوحشية؟ وإذا كان العدو الصهيوني نفسه يعترف بأنه لا ينوي إيقاف الحرب في غزة، فهل يعني أننا سنتابع مشاهدة الإبادة حتى النهاية؟ إنّ أهم ما كشفته هذه الحرب الممتدّة لأكثر من عام، عدا عن فظاعة الجرائم الصهيونية وبشاعة الكيان الغاصب، أن لا خيار لمواجهة هذا المستوى من الإجرام سوى المقاومة والمواجهة، وإلا فإنّ الاعتماد على الجهات الدولية والقرارات والأنظمة ومؤسسات حقوق الإنسان أو حتى اللجوء إلى خيار الاستسلام عبر الاتفاقات والمعاهدات لا يعيد للشعوب حياتها ولا حريّتها، والتجارب تشهد.
لا شكّ أن بعض التحركات القانونية استطاعت خرق الصمت، لكنها حتى الآن لم تستطع وقف الكيان عن فعل الإبادة ولا إنهاء الحرب. وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة و"هيومن رايتس ووتش"، بدق ناقوس الخطر بشأن الأعمال العسكرية الصهيونية، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء العدو، ورغم تزايد النقاش الدولي حول الأبعاد القانونية والأخلاقية للحرب، فإنّ فعل الإبادة مستمرٌ ويتعاظم مع الوقت.
يأتي ذلك، فيما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخراً عن تقرير يؤكد منح جيش الاحتلال قواته تصريحات بشن هجمات على قطاع غزة، حتى لو أدت إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين المدنيين بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبحسب الصحيفة الأميركية فإن الجيش منح ضباطاً من الرتب المتوسطة سلطة ضرب مجموعة واسعة من الأهداف حتى مع وجود ما يصل إلى 20 مدنياً معرضين لخطر القتل.
كذلك، سبق لصحيفة هآرتس العبرية أن نقلت اعترافات لجنود الاحتلال بشأن مستوى الجرائم اللا مسبوق التي يقومون بارتكابها بحق الشعب الفلسطيني والقتل الجماعي الوحشي الذي يرتكبه الجنود في غزة، والذي يؤثر في صحة الجنود النفسية لشدّة فظاعته بحسب اعترافات بعضٍ منهم.
تتساءل طبيبة فلسطينية في غزة، "ماذا يبقى من الشهداء بعد الموت؟ العظام والذكريات، هل هذا كل ما تبقّى من الشخص؟ من يرث خوفه وقلقه وحزنه؟"
وتقول الكاتبة والصحافية إيمان الحاج علي من غزة: "إنّ أحلام الفلسطينيين مع نهاية هذا العام وبدء عام جديد أن تتوقف هذه الإبادة الجماعية وألا تظل أخبارنا مجهولة في عالم مشتت، بل أن تلقى استجابة لدى الأشخاص الذين يتمتعون بالقدرة على الإصغاء والعمل من أجل إحداث تغيير حقيقيّ".