حزب الله.. القوة المتصاعدة وخطرها على الكيان الصهيوني
تنشر صحيفة الوفاق مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني:
الحلقة السابعة – حصار حزب الله بالاقتصاد والمظاهرات
ظهور القوة الاقتصادية والسياسية
هدأ الوضع العسكري في لبنان على مدى سنتين، وبات الصراع السياسي يتمحور في مواجهة حزب الله في لبنان، وامتدادًا على مساحة الكرة الأرضية. وما تآلُف محور الشرّ المعادي إلّا لِمَا بات يشكّله حزب الله من امتداد شعبي وسياسي وعسكري، قد يقوّض المصالح الأميركية في المنطقة، أو يضرّ بها.
بعد الانتصار العسكري الكبير في شرق لبنان وسوريا والعراق، ذهبت جهود الأميركيّين والصهاينة هباء منثورًا، بل جاءت بنتائج معاكسة للأهداف المرجوّة، فقد استطاع حزب الله تثبيت حضوره داخليًّا وخارجيًّا، وإعداد عدة كاملة على امتداد الساحتين العربية والإسلامية، ومواجهة المؤامرة الأميركية الجديدة.
نقلت الإدارة الأميركية المواجهة إلى الجانب الاقتصادي، فأوحت إلى عملائها في مختلف القطاعات لإعداد العدة والانقلاب المدني والاجتماعي والاقتصادي على حزب الله، بعدما فشلت في المواجهات العسكرية. فتولّى أعداء الداخل تجهيز أنفسهم، وانطلق انقلابهم من زيادة ضريبة محدودة على شبكة الاتصال، لتكون مؤشر البداية وتنطلق الغوغائية الإعلامية والانتكاسة الاقتصادية والتفلّت الاجتماعي على امتداد الأراضي اللبنانية.
بدأت المنظمات الأهلية والاجتماعية، والجمعيّات غير الحكومية، العاملين تحت الإمرة الأميركية، عملًا تخريبيًّا منظّمًا تديره السفارة في لبنان. ودخلت ألاعيبها في الأيام الأولى إلى الضاحية الجنوبية وبعض المناطق الجنوبية والبقاعية، إلّا أن خروج السيد حسن نصر الله، في ذكرى أربعينية الإمام الحسين(ع)، لتوضيح المسار الأمني المتفلّت والأهداف المخفية وراء هذه الغوغائية جعل من الضاحية الجنوبية وأغلب مناطق الجنوب والبقاع، حيث تتمركز بيئة حزب الله، مناطق آمنة وبعيدة عن التوتّرات والمواجهات، فيما شهدت أغلب المناطق اللبنانية الأخرى، لا سيّما العاصمة بيروت، أوج الأعمال التخريبية، واعتداءات عناصر تلك الجمعيات والأحزاب على بيئة المقاومة. إضافة إلى قطع طريق عام بيروت-صيدا، وطريق عام بيروت- البقاع، من أجل قطع طرق الإمداد والتواصل بين المناطق الشيعية المختلفة، في محاولة لتضييق الخناق على حزب الله.
جرت مفاوضات عسيرة لسحب المشاغبين المتفلّتين بأوامر سياسية، تحت شعارات اقتصادية، حتى جاء الرد بشرط سحب سلاح حزب الله وتسليم الصواريخ الدقيقة، وترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة بما يتناسب مع مصلحة العدوّ الصهيوني.
لقد كثرت الشعارات والافتراءات والأكاذيب والتعدّيات على الآمنين، وفي كل تلك الأحداث عاش عناصر حزب الله ومناصروه وبيئته حالة انضباط يصعب على أي بيئة لأحزاب أخرى التكيّف معها والانسجام مع المبادئ التي ترفعها.
حاولت بعض الجمعيّات الدخول بعناوين اجتماعية، نزولًا عند الرغبة الأميركية بإفساد المجتمع، منها شعار «جسدي حريتي» وشعار «فليسقط حكم الأبوة»، إلى ما هنالك من شعارات بعيدة عن الشعار الرئيس للحركات الميدانية بوقف سلسلة الضرائب المفروضة.
مرّ ما يقارب السنة على تجييش الناس، واللعب بلقمة عيشهم، إلى أن انتشر فيروس «كورونا» الأميركي الصنع، الذي قضى على التجمّعات البشرية، وزالت شيئًا فشيئًا، واندثرت كلّ تلك الشعارات بعد عدم مقدرتها من النيل من حزب الله وبيئته ومناصريه.
لجأت الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات أخرى، وسياسات مالية جديدة، ساهمت بانهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، من أجل ضرب المتموّلين الشيعة. كذلك منعت دخول مادّتَي البنزين والمازوت، وانقطع التيّار الكهربائي عن كافة المناطق اللبنانية، ودخل لبنان بقطيعة اقتصادية عربية وأجنبية، نزولًا عند القرار الأميركي، فكان قانون «قيصر» المفروض على سوريا، يشمل لبنان أيضًا. واللافت في الموضوع، أن العديد من القوى السياسية والحزبية والمسؤولين الرسميّين في الدولة نظّروا لهذه العقوبات على لبنان، وساندوا القرارات الأميركية، وساهموا إلى حدّ بعيد بانهيار العملة اللبنانية، في الوقت الذي يرفعون فيه شعارات السيادة والحرية والديمقراطية.
استطاع حزب الله نقل مادّتي البنزين بكمية قليلة، والمازوت بكميّات أعلى، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر البحر، وصولًا إلى الموانئ السورية، بعد قرار الدولة اللبنانية بعدم السماح لتلك السفن من الرسوّ في موانئها، خضوعًا للأوامر الأميركية ومشاركة في الحصار على الشعب اللبناني.
شكّل إحضار النفط الإيراني إلى لبنان ضربة عنيفة لمشروع الحصار الأميركي، وقد ترافق مع تهديد علني واضح من السيد حسن نصر الله بأن قصف أية سفينة نفطية متوجهة إلى لبنان وترفع العلم اللبناني هو اعتداء مباشر على الأراضي اللبنانية وسيكون له تبعات عسكرية لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني تحمّل نتائجه.
ما زالت الحرب الاقتصادية والحصار الأميركي الغربي قائمًا على لبنان، وبالتواطؤ مع بعض الأحزاب والفئات والدوائر في لبنان، لذلك لا يمكن الحديث عن رفع هذا الحصار بنتائج حاسمة، إلا أن القدر المتيقّن أن حزب الله أجاد وأحسن التعامل مع الهجمة الأميركية الجديدة على لبنان، لأن المتضرّر الأكبر هو الشعب اللبناني بمختلف طوائفه ومناطقه، بينما استطاع الحزب تفادي الأزمات الخاصّة به على كل صعيد، ومن هنا يمكن القول إن حزب الله تكيّف مع واقع الحصار الاقتصادي المستجدّ الذي لم ينتهِ بعد حتى لحظة إعداد هذا المقال، وأوجد مخارج جديدة، وهذا ما يدفعنا إلى القول إنه بات منتصرًا على الصعيد الذاتي التنظيمي، نظرًا لإفشال أهداف الحصار عليه، إلًا أنه يعمل على تجنيب الشعب اللبناني المعاناة الاقتصادية الصعبة.
ونستنتج من ذلك، ديناميكية مرنة يتمتّع بها حزب الله، تعطيه قوّة اقتصادية مضافة إلى القوة العسكرية، فلو انسحب الحزب من الواقع الاقتصادي، بمؤسساته وأمواله، لعشنا فعلًا بواقع تدمير تامّ، واستسلام كامل للإرادة الأميركية لتفرض شروطها التعجيزية، ليس أقلّها نهب الثروات الموجودة في البحر قبالة الشواطئ اللبنانية.
هنا؛ يمكن الحديث عن قدرة
حزب الله واستيعابه للمراحل اللاحقة، وتشكيل قوّة دفع للبنان، على ان تكون سمة المرحلة ضمن مصطلح «تكامل الوجود الاقتصادي والسياسي والعسكري»، من خلال:
-التفهّم الميداني السياسي والاقتصادي، الخارجي والداخلي.
- احباط المؤامرة الأميركية بحصار بيئة حزب الله وضرب مقوّماتها الاقتصادية.
- تحدّي الضغوط السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
- تهديد عسكري بحري خارج المياه الإقليمية اللبنانية، بل في المياه الدولية.
- تأمين البدائل من خارج الحدود، وتعزيز الوضع الاقتصادي بحال تعاونت الدولة اللبنانية مع مبادرات حزب الله.
- إمكانيّة فتح معبر اقتصادي يصل من إيران عبر العراق إلى سوريا فلبنان.
- فتح نقاش جدّي بالعلاقة الاقتصادية مع الصين وروسيا وغيرهما.
- انضباطية شعبية غير مسبوقة، امتثالًا لتوجيهات الأمين العام السيد حسن نصر الله، على الرغم من التعدّيات والاستفزازات الشديدة.
- انضباطية عسكرية رصينة لعناصر حزب الله رغم الآلام والمضارّ التي عانتها بيئته.
- تجنيب مناطق نفوذ حزب الله من العبث الأمني والاقتصادي والاجتماعي.
يُتبع...