حزب الله.. القوة المتصاعدة وخطرها على الكيان الصهيوني
تنشر صحيفة الوفاق مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني:
الحلقة الخامسة – التصدّي للاجتياح الصهيوني في العام 2006
بروز قوة عسكرية إقليمية
اندحر الجيش الصهيوني عن معظم المناطق اللبنانية المحتلّة، في الجنوب والبقاع الغربي، غير أنه ما زال جاثمًا على منطقة صغيرة جغرافيًّا، تشكّل باتت عنوانًا للعمل المقاوم من أجل تحرير كافّة الأراضي اللبنانية، هي منطقة تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وجزء من قرية الغجر.
لم تمضِ عدة أشهر على اندحار العدوّ، حتى نفّذ حزب الله عملية عسكرية في منطقة تلال كفرشوبا القريبة من مزارع شبعا المحتلة، أدّت «إلى أسر ثلاثة جنود وجرح أربعة آخرين»، في تاريخ 8/10/2000، كان هدفها التفاوض من أجل تحرير الأسرى في سجون العدوّ، وإيصال رسالة القوّة الصاعدة على استكمال تحرير كل الأراضي اللبنانية المحتلّة.
وأيضًا؛ بعد مرور أسبوع، في 15/10/2000، اخترق حزب الله الجهاز الأمني الصهيوني من خلال عملية أمنية دقيقة، استطاع خلالها أسر الضابط الصهيوني «ألحنان تننباوم»، وهو «برتبة عقيد كان يعمل على اختراق حزب الله، وأن جهاز أمن المقاومة في عملية معقدة، استطاع استدراجه إلى بيروت حيث قبض عليه».
وكذلك برز حضور حزب الله العربي والإسلامي نموذجًا حضاريًّا جهاديًّا، فباتت له مكانته حتى في القمة التاسعة للدول الفرنكوفونيّة في بيروت في العام 2002، عندما وجّهت للسيد حسن نصر الله دعوة لحضور القمّة، وجلوسه في مقدمة الحضور واستقطابه الاهتمام، وهذا ما يشير إلى الموقع المتقدّم الذي بلغه على المستويَيْن الرسمي والشعبي «وأضفى على صورة حزب الله الدولية ملامح إيجابية مغايرة للاتهامات التي تحاول الولايات المتحدة والصهاینة إلصاقها به». هذه هي معالم حزب الله الآخذة بتنامي القوة العسكرية والشعبية والسياسية والعلاقات الدولية، لقد بات حزب الله رقمًا محليّاً وإقليميًّا يصعب تجاوزه.
إلا أن جورج بوش الابن بعد تولّيه السلطة في الولايات المتحدة الأميركية (2001 – 2009)، كسر الهدوء في المنطقة، وبات يعمل باتبّاع سياسة قضم جديدة، على مبدأ إعادة هيكلة السياسة الأميركيّة في منطقة الشرق الأوسط، عبّرت عنها وزيرة خارجيّته «كوندوليزا رايس»، بولادة «الشرق الأوسط الكبير»، وفيما طالت سياسته، لبنان وسوريا، وبالطبع حزب الله. لقد جرت عدة أحداث مهمة في المنطقة والإقليم، على مدى ست سنوات من انتصار حزب الله التاريخي في أيار 2000، أبرزها:
- رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد واستلام نجله سدة الرئاسة، حيث كان أمل الأميركي والصهیوني أن يحصلا على تنازلات ومكتسبات، لكنهما خابا.
- عملية تفجير برجَي التجارة في نيويورك، في 11 أيلول 2001، وتداعياتها على الإقليم، ابتداءً باحتلال أفغانستان، بعد 26 يومًا.
- احتلال العراق في نيسان 2003.
- صدور القرار (1559) في 2 أيلول 2004، فأدخل لبنان وسوريا في سياسة ولادة «الشرق الأوسط الكبير».
- اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، في 14 شباط 2005.
- انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005.
كل هذه العناوين كانت تحمل مؤشّرات على أن منطقة غرب آسيا سوف تدخل في مسار سياسي وأمني وعسكري جديد، مرتبط بالإدارة الأميركية الجديدة مباشرة، لذلك بدأت المرحلة الأكثر تعقيدًا، ودخل حزب الله في مسار الانتباه والحذر، مع تواصل تراكم القوة، وتعزيز الإمكانات، بدعم إيراني كامل، ومساندة سورية، سمحت له بأن يحصل على كافّة الاحتياجات العسكريّة والميدانيّة، إضافة إلى الدعم السياسي داخليًّا وخارجيًّا.
بعد صدورو القرار (1559)، واغتيال رفيق الحريري، وانسحاب القوات السوريّة من لبنان، وجد حزب الله نفسه ملزَمًا بالدخول المباشر في السياسة اللبنانية الداخلية والإقليمية والدولية، من خلال مشاركته للمرة الأولى في الحكومة اللبنانية في العام 2005، فبات حاضرًا ناظرًا ومتابعًا لمختلف الشؤون السياسية، وعلى علاقات دولية أوسع.
كان حزب الله قد أعلن مرارًا أنه لن يترك أسراه في السجون، وأن كلّ الخيارات مفتوحة، ففي صباح 12 تموز 2006، نفّذ عملية أسر جنديَّيْن صهونيَّيْن، ودمّر عدد من الآليات العسكرية الصهيونية بمن فيها من جنود.
في الأثناء، بعد أن وضعت القوات الصهيونيّة خططًا سابقة على تنفيذ عملية الأسر، وهذا ما كشفت عنه الوثائق اللاحقة وتصريحات الصهاينة أنفسهم، باشرت بقصف البنى التحتية في لبنان، وبدأت بهجوم جوّي أرفقته بهجوم برّي بعد عدّة أيام، وترافق مع تصريحات «رايس» حول الشرق الأوسط الجديد.
شنّ العدو الصهيوني آلاف الغارات والقصف المدفعي والصاروخي، وستهدف المباني السكنية والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
بعد عجز تام، وخوفًا من الانهيار العسكري لجيش الاحتلال، وانكسار كافّة أهداف العدو التي ابتدأها باسترجاع الأسيرَيْن وضرب بنى حزب الله والوصول إلى نهر الليطاني، إضافة إلى العديد من الطروحات العالية، كلها سقطت نتيجة صمود حزب الله ومقاومته، فتدخّلت بعض القوى الدولية لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار الذي جاء تحت عنوان «وقف العمليّات العسكرية»، وليس وقفًا شاملًا لإطلاق النار، أي بأنه يسمح بالعمليّات الأمنية.
جاء القرار (1701)، على وقع التخاذل الرسمي اللبناني من قبل رئيس الحكومة، والتواطؤ لبعض الأحزاب والقوى والشخصيّات السياسية، إلّا أن حزب الله أظهر قوّة غير عاديّة وغير مألوفة، جعلت منه فعلًا ندًّا قويًّا للجيش الصهيوني.
جاءت بنود القرار (1701)، في 13 آب 2006، لتوقف الحرب صبيحة اليوم التالي، وتُخرج العدوّ الصهيوني خارج الحدود اللبنانية، مع انتشار للجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، مع بنود أخرى.
في محصّلة المواجهة العسكرية القاسية والصعبة على امتداد (33) يومًا، يمكن استخلاص بعض النتائج في انتصار حزب الله في ما يلي:
- جنّب حزب الله كل المنطقة من خطورة حرب عسكرية، كانت ستطال سوريا وما بعدها، نظرًا للخلفية الصهيونيّة في التوسّع.
- ضرب مشروع «إسرائيل العظمى» بهزيمة مدويّة نتج عنها تشكيل لجنة «فينوغراد» في الداخل الصهيوني لتحقق في الهزيمة وتداعياتها.
- كسر رئيس الحكومة الصهيونية «يهود أولمرت» وإخراجه من الحياة السياسية، مع عدد من أركان حربه، كوزير الدفاع «عمير بيريتس» ورئيس الأركان «دان حالوتس»، وضباط وشخصيّات آخرين.
- تشكيل رسمي لمحور المقاومة، وإن لم يخرج للعلن، بعد أن توافدت رسائل الدعم المادي والمعنوي، من عدد من القوى الإقليمية، لمساعدة حزب الله.
- دخول حزب الله الإطار العملي لقوّة عسكريّة إقليميّة، لها القدرة على مواجهة قوة عسكريّة مدعومة أميركياًّ وأوروبيًّا وعربيًّا، كقوة العدوّ الصهيوني.
- كشف حقيقة بعض الدول سواء في خيار العداء الجدّي للصهاينة، والتطبيع والتعاون والتواطؤ معها.
- أعاد النظر في الواقع المحلّي من منطلق «قوة لبنان في قوّته»، منذ أن كرّسها معادلة رسمية.
- تأسيس معادلة عملية «جيش شعب مقاومة»، لتكون في أساس العمل الحكومي اللبناني، وتشكّل إطار قوة للبنان.
- خرج حزب الله أقوى بنيانًا وتنظيمًا وتسليحًا، وأعاد تشكيل قوّاته بما يتلاءم مع المعارك الطويلة زمنيًّا والأوسع جغرافيًّا والأكثر قسوة.
- توسّع امتداد حزب الله الشعبي والسياسي والمعنوي.
يُتبع...