الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وستمائة وخمسة وستون - ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وستمائة وخمسة وستون - ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

قصة قصيرة

 أخطاء

 / التاريخ مليء بالأخطاء، قال خالي أمس. كنا نقف على أنقاض من المباني المدمّرة في شارعنا البيروتي العريق. حاول مناقشتي. أجبتُه: "لا وقت لديّ. بيتي كالتاريخ الآن مليء بالأخطاء أيضا!".
أصاب الدمار  أثاثي وغطّى أرض شقتي. كأنّ زلزالا ضربها.
منذ أسبوع أجرف يومياً ركامًا وأكنس، وأشدّ ظهري بالمشد. أرمي شبابيك مكسورة وأخشاباً مقطعة إلى موقف البناية بانتظار نشاط البلدية لإزالة الأنقاض بعد وقف النار.
الكلمة تلحّ في "فيوزات دماغي"،"التاريخ مليء بالأخطاء"، لكنّي أبعدها كالبعوضة.
عليّ أن أصلح الأخطاء بدائرة شؤوني. لم أعلم أتلك من آثار أخطاء التاريخ بحقّي أم بما كسبت يداي؟ أهو طغيان اعتدى عليّ فقط أم ساهمت به بعدم لصق الزجاج أو الحذر؟
كل يوم أنصرف من معاينة البقايا إلى منطقة تبعد شمالاً مسافة نصف ساعة. هناك غرفة لأخي فوق سطح والديّ. جهزتها بغاز واسفنجات وطنجرة وصحون وملاعق بعدد أفراد أسرتي. لا أعلم هل أخطأت إذ لم أستأجر شقة مفروشة؟ أهو خطأ كبير أمام ضرورة توفير نفقاتٍ لزوجتي المجروحة في المشفى جراء الغارة المباغتة؟ ومن يعرف غير المُجرّب صعوبةَ إيجاد شقة في هذه الهدنة؟
  وأعود. التاريخ مليء بالأخطاء، وحركاتي مليئة بالأخطاء وسط الدمار. أمشي للشرفة المنهارة أصعد للسطح، أعالج توصيلات الكهرباء، ألملم الكراسي المهشمة. لا شيء في مكانه.
برقٌ لمع ظهري، لقد ازداد منذ تبين أن اسفنجة نوم اشتريتُها مغشوشة، فاستخلصتها لنفسي وقاية لأطفالي. صارت كفجوة تهبط بي ليلاً فتتصلب عضلاتي ويرعد سعالي!
وأستمرُّ، بسحب النفايات. لا يمكن أن توصَف بشاعة الفوضى. آخ من الأخطاء المستنزفة للرأس.
طرق أحدهم لوحاً خشبيّا أمام مدخل الشقة. بالمناسبة ما زلت أحاول تركيب قفل للباب المثقوب بدل النجّار! وأتمنى لو سقطت البناية كلها!
هذا جاري. سلام وكلام. يسألني: "لماذا تبدو خمسينيّا وأنت الثلاثيني؟"، أضحك. وأخبره بهمومي، فيخبرني بإجراءاته المكتوبة على ورقة لضمان سيطرته على همومه. أقرر بلحظة صفاء الإفادة من خبرته لئلا أقع بأخطاء مكررة!
ودّعته شاكراً. قال: "يا ليت الأمة مثلك تستفيد من تجارب التاريخ! أتصدق؟ يا ليت المدينة كلها انهارت وافتدت ضياع فلسطين ومذابح أهالي غزة"..
غادر وهززتُ رأسي: التاريخ مُجدّدا!
وفجأة، وجدتني أشطف الثلاجة والردم لم يُرفع بعد، فغصت في الوحل ووجع الجسم والعقل..هكذا عُدت أخطئ. ضاقت أوداجي، ضاق صدري، واحترازاً من الاختناق صوّبت خرطوم الماء على وجهي وقلت: "التاريخ مليء بالأخطاء، فكيف نصحو من الارتباك؟".
بقلم الكاتبة نجوى الموسوي

 

البحث
الأرشيف التاريخي