بيروت..وادي صور
ستنشر «الوفاق» على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء العاشر من هذه السلسلة:
د.محمد علي صنوبري
بعد توقف قصير في صيدا، تحركنا نحو صور، قال قاسم (سائق التاكسي) إننا ذاهبون إلى منزلي المدمر. وكان قد أخبرني قاسم عدة مرات أن منزله يقع في قرية في جنوب صور قد تعرض للقصف من قبل الكيان الصهيوني ودُمر بالكامل.
استغرقنا نصف ساعة على الطريق السريع، وفجأة بدأت سيارة قاسم من طراز مرسيدس بنز تظهر فيها المشاكل، حتى توقفت السيارة على جانب الطريق. كنا تقريباً على بعد عشرة كيلومترات من صور، وقد حاول قاسم تشغيل السيارة مراراً، ولكن بلا جدوى. مرت عشر دقائق، فقال إن توقف السيارة على هذا الطريق خطر، بل مخيف للغاية.
عندما هممت بالنزول من السيارة، قال: إياك والنزول، ستستهدفك الطائرات المسيرة! فشعرت لأول مرة بشعور غريب، وسألت: ماذا عسانا نفعل الآن؟ فقال: البنزين فيه شوائب، سأنتظر وأعيد التشغيل مرة أخرى، وستعمل.
فجأة، سمعت صوت الطائرة المسيرة. وفي بيروت، كانت هذه الأصوات تدوي في أذني على مدار 24 ساعة في الأيام القليلة الماضية، ولم تنقطع لحظة. وفي اليوم الأول الذي سمعت فيه صوت الطائرات المسيرة في بيروت، سألت: هذه الطائرات لمن؟ فقال صديقي علي هذه كلها تابعة للكيان الصهيوني. باختصار، كان صوت الطائرة المسيرة التي كنت أسمعها على طريق صيدا إلى صور أقرب بكثير من الصوت الذي سمعته في بيروت. أخرجت رأسي من نافذة السيارة وأعددت الكاميرا.
نعم، رأيت الطائرة المسيرة فوق رؤوسنا تماماً، فالتقطت عدة صور بسرعة وسجلت فيديو لعدة ثوانٍ، فقال قاسم: لا تفعل ذلك، سيشكون في الأمر ويطلقون النار. فقلت: ابدأ الآن بتشغيل السيارة، ربما تكون خائفة مثلك فتعمل. فضحك قاسم وبدأ التشغيل، وبالفعل اشتغلت السيارة من جديد، ووصلنا بسرعة إلى صور بعد عشر دقائق. وعند مدخل المدينة، كانت هناك نقطة تفتيش للجيش.
دخلنا المدينة، وكان الوضع مزرياً للغاية، حيث أنه من بين كل عدة مبانٍ، كان هناك واحد قد انهار ودُمر بالكامل، وفي كل شارع وزقاق كان هناك العديد من المباني المدمرة التي كانت تتصاعد منها الأدخنة، وفجأة سمعنا انفجاراً مدوياً؛ فقال قاسم: بسم الله وأشعل سيجارة، وسأل: هل يكفي هذا؟ هل نعود؟ فقلت: لم أجرِ المقابلة بعد، يجب أن أتحدث إلى الناس، فتمتم بكلمات غير مفهومة ثم انطلقنا. وأمام محل مغلق، كان هناك ثلاثة أشخاص، بينهم رجل في منتصف العمر وشابان يجلسون ويدخنون النرجيلة. سألت الرجل: كيف تشعر الآن؟ قال: أستمتع بنرجيلة البطيخ هذه! سألت: وما هو شعورك الآخر؟ قال: أنتظر "حمود" ليجلب لي القهوة لأستلذّ بها أيضاً.
فقلت: وماذا عن القنابل والصواريخ والطائرات المسيرة فوق رأسك، هل تستمتع بها أيضاً؟ قال: نعم، أستمتع بها. عندما أرى أنني أعزل لا أملك شيئاً وأن عدوي قد جلب كل هذه المعدات المتطورة ليحارب العزّل مثلي، أشعر بالفخر.
سألت: هل لديك رسالة لتوجهها لنتنياهو؟ فتفوّه بجملة ثقيلة جداً شتم بها والدة نتنياهو لا يسعني نشرها.
يُتبع...