مخرج سينمائي عراقي للوفاق:
الفيلم الوثاثقي وثيقة خالدة في وجدان المجتمع
يمثل الفيلم الوثائقي أحد أهم المواد التلفزيونية وأكثرها تأثيرًا، نظراً لِما له من أهمية معرفية، وثقافية، وإعلامية، وتعليمية بالنسبة للمجتمعات، وأهمية الدور التسجيلي للفيلم الوثائقي في تجسيد الواقع ورواية الحقائق، ويُعرّف الفيلم الوثائقي بأنه نوع من أنواع الأفلام غير الروائية التي لا تعتمد على القصة أو الخيال، بل يتخذ مادته من واقع الحياة، مع إعادة تكوينها وتعديلها على أن تبقى قريبة من الحياة الواقعية. وتحتوي الأفلام الوثائقية على كمٍّ كبير من الحقائق العلمية، أو التاريخية، أو السياسية، أو الطبيعية، إذ يعرض فيها المخرج الموضوع المطروح بحيادية تامة دون إبداء الرأي الشخصي. وتمثل الصراعات السياسية والتاريخية، الشخصيات التاريخية المؤثرة وهي أحد أهم مضامين الأفلام الوثائقية، إذ تقدم هذه الأفلام عبر تفسيرها للأحداث والقضايا العربية والدولية، معلومات ووثائق تساعد في الوصول إلى الحقائق، ومحاولة بناء وجهة نظر متكاملة وشاملة حول موضوع ما. وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق المخرج السينمائي العراقي وصانع الأفلام الوثائقية محمد خليل عن فيلمه الوثائقي «عمو بابا» وهو شخصية ورمز عراقيان، كان من أفضل لاعبي كرة القدم في العراق، في ستينيات القرن الـعشرين، ومُدرّباً للمنتخب العراقي، حصل على بطولات عدّة، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
فيلم "عمو بابا"
يُعرفنا المخرج العراقي محمد خليل بشخصية فيلمه الوثائقي وهو المدرّب العراقي الكبير "عمو بابا"، والذي يعتبر من أهم الشخصيات الرياضية في العراق وهو صاحب أكبر الإنجازات الكروية في تاريخ الكرة العراقية ويعتبر من رواد هذه الرياضة في العراق، يعرض مسيرته الممتدّة على أكثر من 50 عاماً، أمضاها في الملاعب، لاعباً ومُدرّباً. في تلك الفترة، حقّق إنجازات كبيرة، لم يحقّقها أي مدرّب عراقي أو عربي، كان مؤسس لمدرسة "عمو بابا" الكروية، وقد اخترت الحديث عنه لأنه يعتبر ملهماً لعدة أجيال في تاريخ الكرة العراقية، استطاعت هذه الشخصية أن تقدم ما لم يقدمه غيره من اللاعبين والمدربين في تاريخ الكرة العراقية فقد حقق بطولات عديدة للعراق في مجال كرة القدم وهو يعتبر أكثر مدرب حصد ميداليات ذهبية في تاريخ الكرة العراقية، ولقد جمعنا المعلومات عنه عبر الأرشيف الثري،عن حياته منذ بداياته الأولى، حتى وفاته، واللقاءات التلفزيونية، وأرشيف مبارياته، لاعباً ومُدرّباً، وإنجازاته للكرة العراقية، والألقاب التي حصل عليها، كما التقينا بالعديد من الشخصيات الكروية التي عايشته والتقينا بشقيقه أيضاً، وبواسطة الأرشيف واللقاءات استطعنا معرفة أسرار هذه الشخصية.
الشخصيات والرموز العراقية تعاني إهمالاً كبيراً
يؤكد المخرج خليل أنه وللأسف، الشخصيات والرموز العراقية عانت الإهمال، ولا تزال تعاني، في الأصعدة كلّها. لكن دورنا كفنانين ومثقفين أن نوضح للجمهور العراقي أو العربي أو العالمي بإنجازات هذه الشخصيات، وكصانع أفلام، أرى من واجبي تسليط الضوء على هذه الشخصيات الكبيرة، وتعريف الجمهور بتاريخهم وإنجازاتهم،وبما قدّموه للبلد، "عمو بابا" إحدى تلك الشخصيات، قدّم إنجازات وحقّق بطولات للكرة العراقية.
فيلم سينمائي
يشير المخرج خليل أنه من الممكن أن يتحول هذا الفيلم الوثائقي إلى فيلم سينمائي لأن هذه الشخصية عانت الكثير، تخيلوا شخص يحصد كل هذه الإنجازات ويساهم في بناء جيل جديد لكرة القدم العراقية، ويعامل بهذا الشكل السيء سواء في النظام السابق أو النظام الجديد بعد 2003، عانت هذه الشخصية الكثير على جميع الأصعدة من التعذيب والتعامل السيء من قبل عدي صدام حسين رئيس الاتحاد في وقتها ورئيس اللجنه الأولمبية، ومن ثم أُبعد عن تدريب المنتخب العراقي، كل هذه المعطيات والسيرة المليئة بالأحداث كفيلة وتسمح بتحويله إلى فيلم سينمائي فكل مقومات الفيلم السينمائي متوفرة بهذه القصة.
نقص فادح في التمويل وغياب الأرشيف
يلفت المخرج خليل أنه قد سبق له العمل قبل فيلم "عمو بابا" على عدد من الأفلام الوثائقية في العراق، وهذه ليست التجربة الأولى له، ويؤكد على وجود العديد من الشخصيات العراقية والعربية التي نستطيع إنجاز أفلام وثائقية عنها وتعريف العالم والأجيال الجديدة عليها، لكن للأسف يقف أمام تحقيق ذلك عوائق كثيرة أبرزها عدم توفر التمويل لها، فتكلفة الأفلام الوثائقية كبيرة، لذلك لا يمكننا تقديم أكثر من عمل، لكن نطمح بإنجاز أفلام وثائقية أخرى عن شخصيات تستحق أن تخلد أسماؤها في تاريخنا المعاصر، خاصةً مع وجود جيل واعد من الشباب العراقي يعملون على إنتاج أفلام سينمائية سواء وثائقية أو روائية لكن التركيز في العراق هو على الأفلام الروائية القصيرة، والدعم المادي من الجهات المنتجة، والعمل الجاد من الشباب، يُساهمان في إنعاش المشهد السينمائي، ولكن للأسف من أهم معوقات عملنا في العراق هو قلة الدعم الحكومي سواء المادي أو المعنوي والتحدي الأكبر هو الحصول على الأرشيف، فيُعد البحث عن الأرشيف أحد المعوقات التي يعانيها صانع الفيلم الوثائقي في العراق، لأنّ أغلب المواد الأرشيفية، التي تخصّ فترة النظام السابق، لا وجود لها. لأن أغلب الأرشيف سُرق أو حرق مع سقوط نظام صدام البائد. وكذلك لا توجد مؤسّسة رسمية تهتمّ بهذا، والحصول على الوثائق شاقٌّ جداً.
الفيلم الوثاقي ذاكرة تأبى النسيان
يؤكد المخرج خليل بأن الفيلم الوثائقي يساهم في تعريف الشخصيات والأحداث والمواضيع المهمة للمجتمع، بالتالي يعتبر وثيقة تبقى إلى أبد الآبدين، ونرى اليوم توجه المجتمع إلى الصورة والمعلومة المرئية والكثير من الناس يبتعدون عن الكتاب وعن الوثيقة الورقية، فلهذا نراهم يلجأون إلى الفيلم السينمائي أو الوثائقي، فلهذا يمتلك هذا الأخير القدرة على تعريف الشخصيات والأحداث والمواضيع التي جرت في العراق وفي جميع الدول العربية.
عروض في بلدانٍ عدة
يشير المخرج خليل أن العرض الأول لفيلم " عمو بابا" كان في "كأس الخليج الفارسي" الذي نظم في مدينة البصرة في العراق ، وقد ارتأينا عرضه في هذه البطولة لأنه يعتبر صاحب أكبر إنجاز فيها، فهو فاز فيها ثلاث مرات عام 79 و 84 و 88 لذا يعد شخصية مشهورة لدى معظم فرق الخليج الفارسي والكل يعرفه، فهذه المناسبة كانت فرصة جيدة أن يشاهد ضيوف هذه البطولة الفيلم ويتعرفون على شخصيته، فتم التنسيق مع وزارة الشباب والرياضة العراقية في تلك الفترة وعرض الفيلم في سينما "تايم سكوير" في البصرة، وقد لاقى استقبالاً جيداً وتفاعل رائع من الجمهور، والمشاركة الثانية كانت في الدورة الأربعين لمهرجان "ميلان" للأفلام الرياضية وهو يعتبر من أهم المهرجانات للأفلام الرياضية في العالم، وكان آخر هذه المشاركات في مهرجان إيران للأفلام الوثائقية "سينما الحقيقة" الذي يُقام حالياً. وتُعد مشاركتي في هذا المهرجان مشاركة جيدة، وقد شاهدت الكثير من الأعمال المعروضة فيه سواء الإيرانية أو الأجنبية وكلها كانت على مستوى عالٍ من الإتقان، فهذا المهرجان كان ملتقى لصناع الأفلام من جميع الدول وهذه الملتقيات تساهم في طرح أفكار ورؤى جديدة وزيادة خبرة للمشاركين والحصول على معلومات جيدة، وهذه كلها تساهم في بناء أفكار جديدة للمخرج و صانع الأفلام.
تعاون عربي وإسلامي مشترك
يختم المخرج خليل بالقول نطمح لإيجاد تعاون مع الدول العربية والإسلامية لإنجاز أعمال مشتركة، أن هذه الأعمال سيكون لها صدى وتأثير كبير في هذه المجتمعات التي تجمعها ثقافة مشتركة وهي ثقافة الإسلام والتقاليد والعادات المجتمعية، ومن الممكن أن تساهم هذه الأعمال بتقريب وجهات النظر وتساهم في خلق علاقات طيبة واخوية بين هذه البلدان.