الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وستمائة وستة وخمسون - ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وستمائة وستة وخمسون - ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

بيروت..الشهيد محمد عفيف

ستنشر «الوفاق» على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء الثامن من هذه السلسلة:

د.محمد علي صنوبري

حادث سير:
رکبنا سيارة أجرة برفقة الأصدقاء وتوجهنا إلى منطقة سودكو لنواصل عملنا. كان من المقرر أن نجري مقابلة مع أحد المسؤولين الإعلاميين الكبار في حزب الله. اتصلنا عدة مرات بأحد الأصدقاء الذي كان يمثل حلقة الوصل، وفي كل مرة كانت المقابلة تُلغى لسبب ما، وكان أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو الظروف الأمنية.
 وقرب منطقة سودكو، سمعنا فجأة صوت انفجار هائل. كان الوقت بعد الظهر، وكان برفقتنا أحد المذيعين المشهورين في إحدى القنوات. نظر سريعاً إلى هاتفه المحمول وكرر بقلق مرتين: "بدون تحذير، بدون تحذير..." فسألت: هل تعني أنهم قصفوا بدون تحذير؟ قال: نعم! فسألت: لماذا؟ قال: هذا يعني أنها عملية اغتيال! فسادنا القلق.
 يا إلهي! من الذي استشهد هذه المرة؟ هنا يجب أن أقول أن الكيان الصهيوني المتهالك عادةً ما يحذّر قبل دقائق من قصف المباني الخالية من السكان في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، ويطلب من الناس الابتعاد عن المبنى المستهدف مع عرض خريطة فضائية للمبنى الهدف. لكن عندما يكون هدفه الاغتيال، فإنه يهاجم أي نقطة بدون سابق إنذار، ولا يهمه عدد المدنيين والأطفال والنساء الذين قد تتعرض حياتهم للخطر.
 نعم، كان صوت الانفجار الرهيب يأتي من منطقة رأس النبع في بيروت. وبعد بضع دقائق، ادعت بعض وسائل الإعلام الداخلية للكيان أنهم اغتالوا الحاج محمد عفيف المسؤول الإعلامي لحزب الله. وكالعادة، دعونا الله أن تكون الأخبار كاذبة، لكن هذه المرة كانت الأخبار صحيحة، وبعد 10 دقائق فقط تم تأكيد الخبر. كنا لا نزال في زحمة المرور في منطقة سودكو، وكان صوت صفارات سيارات الإسعاف يتردد في المكان. كان هناك صمت حزين يسود السيارة؛ لقد غلبنا الصمت أنا والسائق ومذيع القناة الشهير، وصديقي السيد عزيزي، وكانت أعيننا قد امتلأت بالدموع. لم نصدق أن مسؤولاً إعلامياً يتواصل باستمرار مع الصحفيين ووسائل الإعلام يمكن أن يكون هدفاً للاعتداء الوحشي من قبل الصهاينة الإرهابيين.
وفيما كان الصمت يسود السيارة، فجأةً انكسر صمتنا بضربة قوية على السيارة ثم اهتزت بنا بقوة. لقد صدمت سيدة مسنّة سيارتنا بشدة من الجانب الأيمن بسيارتها، مما جعل كلا السيارتين تدوران عدة مرات في وسط التقاطع. وبعد أن تأكدنا أننا لم نتعرض لقصف صاروخي، نزلنا من السيارة وسط نظرات العشرات من الناس الذين كانوا مذهولين. ثم  ترجلت السيدة المسنّة من سيارتها وتوجهت نحونا. الحمد لله أن الحادث لم يسفر عن إصابات بشرية، لكنه ألحق أضراراً مالية كبيرة. المثير للجدل هو أن السيدة المسنّة وسائق التاكسي تبادلا التحية بطريقة هادئة ومحترمة في البداية، ثم ارتفعت حدة النقاش قليلاً، وكان كل منهما يلقي باللوم على الآخر ويدعي أنه هو المخطئ. وبالنظر إلى نوع الحادث، كانت سيارة الأجرة قد تعرضت لأضرار كبيرة بينما كانت أضرار سيارة السيدة المسنّة أقل.
فدخلت في النقاش وقلت للسائق: أولاً أخبرني ما اسمك؟ قال: أنا قاسم. فقلت: قاسم أم الحاج قاسم؟ فابتسم (يعني أنه فهم أنني أعني بالحاج قاسم، شهيدنا العظيم) وقال: لا، أنا قاسم فقط، ورحم الله الحاج قاسم. فقلت: حبيبي قاسم! كم هي تكلفة إصلاح سيارتك؟ قال: على الأقل مئة دولار. فقلت له: سأعطيك المئة دولار، فارتسمت على وجهه الابتسامة وودع السيدة المسنّة دون تردد وركب السيارة.
 شغلت الكاميرا وقلت: قاسم، حدثنا عن نفسك. قال: أنا من قرية تقع بالقرب من مدينة صور، دُمّر منزلي، وعائلتي تسكن في بيروت في إحدى المدارس؛ أي أننا نازحون.
فسألت: أين تقع المدرسة التي تقيم فيها عائلتك؟ قال: في منطقة الحمراء.
قلت: هل بوسعك أن تأخذنا إلى هناك؟ فقال: بالطبع، لكن أرجوكم لا تصوروا عائلتي. فقلت: نحن نصور الأشخاص الذين يسمحون لنا بذلك فقط، فلا تقلق حيال ذلك.
ثم  تحدثنا مع قاسم لمدة نصف ساعة وأعطيناه المئة دولار وافترقنا.
لكن قصتي مع قاسم لم تنتهِ هنا، بل أنه رافقني حتى آخر يوم في الرحلة.
يُتبع...

 

البحث
الأرشيف التاريخي