بيروت..الوثائقي والمقابلة
ستنشر «الوفاق» على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء السابع من هذه السلسلة:
د.محمد علي صنوبري
سألت ريما: هل تودين إجراء مقابلة؟ فقالت: من أي قناة أنتِ؟ أجابت ريما: هل يهمك ذلك؟ قالت السيدة الشابة: نعم، يهمني، قالت ريما: نحن نصور فيلماً وثائقياً. فقالت السيدة الشابة: اطرحي أسئلتك. سألت ريما: ما رأيك في المقاومة ضد الكيان الصهيوني؟ فقالت: إنه لأمر جيد ولكن بشرط ألا تتطور الامور إلى بيروت. المقاومة هي خيارهم، وأنا أحترم خيارهم. لقد أظهر الكيان الصهيوني أنه لا يلتزم بأي قواعد أو خطوط حمراء، وقد يقصف مناطقنا فجأة بحجة وجود قادة مقاومة.
بالطبع نحن نعلم أن قادة الحزب لن يأتوا إلى مناطقنا، لكن الكيان الصهيوني يفعل ذلك. بعد مغادرة السيدة الشابة، قالت ريما: لن أحاور الشباب مرة أخرى. إنهم يعبرون عن آرائهم بلا رحمة. قلت لها: نحن نريد تقييم الواقع الاجتماعي ويجب أن نسمع كل الآراء، لكن اختيار الشخص التالي يعود إليك.
دخلت ريما إلى متجر كان يحتوي على فرن كبير أو تنور، وكان هناك ثلاثة رجال مسنون يجلسون في الداخل، سألت سؤالها المعتاد، فالرجل المسن الذي يبدو أنه صاحب المتجر أبدى رأياً معارضاً، قال أحد الرجلين المسنين الحاضرين في المتجر: إنه يكرر كلام قنوات معارضة.
بعد هذه الجملة ضحك الثلاثة، فنظرت إليه وقربت بعدسة الكاميرا نحوه، مما جعل ريما تفهم أنه يجب عليها طرح سؤال عليه؛ سألت ريما: حسناً، ما رأيك أنت؟ أجاب: أي شخص يعرف القليل من التاريخ سيفهم أن ما تفعله المقاومة منطقي، بعد قليل من الحديث على هذا المنوال، اخترت الشخص التالي بنفسي هذه المرة وكان شاب مجعد الشعر يرتدي نظارات دائرية. أشرت إلى ريما لتتبعني وتسأل، سألت ريما: هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن أحداث لبنان والمقاومة؟ فقال الشاب: أشعر بالخجل لأنني أعيش في منطقة لم تُطلق عليها حتى رصاصة واحدة من قبل الكيان الصهيوني. هذا يعني أننا في نظر الكيان الصهيوني لا نشكل تهديداً. لذا، نحن بالتأكيد أصدقاؤهم، نعم، نحن أصدقاؤهم؛ لأن قادتنا يعيشون في أمان وقادة الشيعة يستشهدون، بناتنا في الأندية وصالونات التجميل والحانات، وبناتهم في حالة حداد وتهجير، أولادنا يعيشون حياتهم الطبيعية واليومية، وأولادهم في الجنوب وتحت الأرض وفي البحر يجاهدون. نحن جميعاً مدينون للسيد حسن نصر الله، لأنه كان إنساناً بمعنى الكلمة، كان بإمكانه أن يسكت ويتحفّظ أمام حرب غزة، وأن يتحدث بكلمات منمقة مثل القادة العرب، لكنه خاطر بنفسه وبشعبه ليجعل القوة العسكرية الصهيونية تركز على شمال فلسطين المحتلة، هذا هو رأيي وأعتز به، وليس المهم إبداء الرأي اليوم يجب أن نتحرك ونفعل شيئاً؛ مثلاً أنا وصديقي سركيس الدوهي نساعد اللاجئين ونقوم بتوزيع الحصص الغذائية.
سألت: هل هناك الكثيرون أمثالك هنا؟ قال: مئة بالمئة؛ معظم الناس هنا يساعدون اللاجئين يمكنك أن تأتي وترى بنفسك.تعالوا إلى مدرستنا القديمة في منطقة الجبل لتروا كيف يجمع الأرمن المساعدات ويقدمونها للاجئين. نحن لا نعتبر هذه المساعدة صدقة، بل هي واجب علينا تجاه الدفاع عن أرض وطننا. لقد كان السيد حسن نصر الله محبوباً بين الأرمن.
ثم سأل: من أي بلد أنت؟ قلت: لقد أخبروني ألا أفصح عن ذلك لأن ذلك خطر. فقال: ما الخطر في ذلك؟ هل جئتم من الكيان الصهيوني؟ قلت: لا، جئت من إيران. فاحتضنني فجأة وبدأ يبكي. وقال: في اليوم الذي أرسلت فيه إيران صواريخها العديدة والقوية على الصهاينة، شعرنا بالراحة والغبطة، وكنا جميعاً سعداء، واحتفلت أختي ودعتنا إلى القهوة. لماذا يجب أن تشعر بالخطر؟ قلت: حسناً، هذه مناطق القوات... قال: قوات اليوم ليست قوات الأمس، بالطبع حساب الأرمن في بيروت مختلف عنهم. لكن لدي أصدقاء في القوات هم فقط ورثوا انتماءهم للقوات من آبائهم ولديهم معتقدات معدلة. فأخذت عنوان مدرسته وقلت: إذا سنحت الفرصة سأزورك وأزور المدرسة التي تنظمون فيها الأعمال الخيرية.
يُتبع...