باحث سياسي لبناني للوفاق:
المقاومة أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد بصمودها الأسطوري
تعد أهداف أي عمل مقاوم في المجالين السياسي والعسكري، الى تحقيق أهداف محددة (منفعة) أو دفع مخاطر (مضرّة) ناتجة ممّا يقوم به العدوّ. وبالتالي فإن معيار الانتصار يصبح واضحاً في معرفة من وضع الأهداف، ومن منع تحقّقها. ويتعاظم الانتصار كلما تعاظمت المخاطر التي يتم دفعها، ما يسهل تقييم التضحيات التي تبذل في هذا الطريق. وتنتهي الحروب وفق سيناريوهات منها، أن ينجح أحد الأطراف في حسمها عسكرياً، فيُملي شروطه ومطالبه، وعندها لا يبقى مكان للسؤال عن هوية المنتصر والمهزوم. ويمكن للحروب أن تستمر لفترة طويلة الى حد إعياء أحدهما أو كلاهما، وتنتهي عبر مفاوضات تتبلور نتائجها وفق مجموعة من العوامل، أوّلها وأهمها الميدان. وفي هذا السياق وحول الأسباب الحقيقية لوقف اطلاق النار بين المقاومة الاسلامية والعدو الصهيوني حاورت صحيفة الوفاق الباحث السياسي والأستاذ الجامعي اللبناني الدكتور نسيب حطيط، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
عدوان وحشي صهيوني
يبارك الدكتور حطيط لعوائل الشهداء وأهل المقاومة وأنصارها في تحقيق وقف إطلاق النار بعد شهرين من بدء الحرب الرابعة الصهيونية على لبنان باجتياح متوحش بري وجوي واستطاعت المقاومة في لبنان الصمود وتحقيق الانتصار بالرغم من الضربات القاسية والمؤلمة التي تعرضت لها والتي كان في مقدمتها اغتيال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وأغلب قيادات المقاومة الأصيلة والبديلة وتهجير كل الشيعة في لبنان بحيث ولأول مرة منذ احتلال فلسطين عام 1948 والاجتياح الصهيوني للبنان لم يبق شيعي واحد مهما كان انتماؤه الحزبي أو العقائدي تحت سقف يأوي إليه في الضاحية والبقاع والجنوب وتعرض لحملة تهجير كانت الأقسى في لبنان منذ الحرب الأهلية، لقد استطاعت المقاومة بصمودها وقتالها الاستشهادي الأسطوري على طريق كربلاء أن تُسقط وثيقة الاستسلام التي حملها هوكشتاين بعد 20 يوماً من اجتياح العدو البري والذي افترض فيه مع ربيبته أمريكا وأعوانه في الداخل اللبناني أن المقاومة قد سقطت وأنه باستطاعته أن يملي عليها بنود الاستسلام وهذا ما رفضته المقاومة سياسياً وميدانياً مما دفع العدو الصهيوني إلى توحش أكثر وتدمير وارتكاب المجازر بحق المدنيين ومطاردتهم أينما كانوا في لبنان لإملاء شروطه لكن الميدان استطاع تغيير الوقائع وأن ينزل الخسائر البشرية في الجيش الصهيوني ويمنعه من التقدم بحيث أنه لم يستطع بعد 60 يوماً من التوغل أكثر من كيلومترات قليلة وقريبة من الحدود، بينما في اجتياح عام 82 استطاع في أربعة أيام أن يصل إلى العاصمة بيروت.
إنجاز استراتيجي للمقاومة
يعتبر الدكتور حطيط بأن وقف إطلاق النار يعد إنجازاً استراتيجياً على مستوى المقاومة في لبنان وعلى مستوى محور المقاومة، فهي قد ألزمت العدو الصهيوني على توقيع وقف إطلاق النار بعد شهرين من الحرب وهذا ما لم تستطع كل المؤسسات الدولية والمفاوضات أن تفرضه في غزة بعد أكثر من 13 شهراً، وهذا الاتفاق يمثل نسخة مجددة من القرار 1701 بإضافة المندوب الأمريكي كرئيس للجنة للإشراف ويعتمد على القرارات الدولية السابقة أيضاً ومنها القرار 1559 الذي ينص على تجريد كل الميليشيات المسلحة في لبنان من سلاحها وحل منظومتها العسكرية لا شك أن لهذا الإتفاق سلبيات ولا يمكن توقيع اتفاق يكون لصالح أحد الطرفين بالشكل المطلق فالعدو الصهيوني يرى في هذا الاتفاق إنجازات سياسية ومدنية وفق منظوره من حيث إعادة المستوطنين إلى الشمال وفك جبهتي غزة ولبنان عن مسارهم الموحد ووفق اعتقاده أن وقف إطلاق النار سيحيل مسألة نزع سلاح المقاومة من مسؤولية الجيش الصهيوني إلى مسؤولية الجيش اللبناني والقوات الدولية مما يريحه، ويهدف إلى تقييد المقاومة في لبنان ويعافيه من الخسائر وبالتالي ينقذه من المستنقع اللبناني وهذا كان من الحوافز التي أهلته لكي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار ،أما بالنسبة للأمريكيين فقد وجدوا أن الفرصة مؤاتية بعد 40 عاماً من اجتياح 82 لإعادة التموضع السياسي في لبنان بحيث يستغلون حالة إعادة ترميم المقاومة واستيعاب الضربات القاسية مما يؤهل الطرف الأمريكي أن يفرض أو على الأقل يؤمن بعضاً من خياراته السياسية من مسألة التمديد لقائد الجيش وإلغاء ترشيح الثنائي الشيعي لرئيس جمهورية خاص به وفرض رئيس جمهورية يتوافق مع النظرة الأمريكية ويمكننا أن نقول أن الأمريكيين يحاولون بدء وصاية سياسية على لبنان تشبه إلى حد ما الوصاية الأمنية والسياسية على العراق بعد غزوه.
توازن الردع في الدفاع عن النفس
بالنسبة للمقاومة يعتبر الدكتور حطيط بأنه كان هناك عدة دوافع لوقف النار أهمها وقف المجازر بحق أهلها لأن المقاومه هدفها الأساس هو حماية أهلها وهي جهدت لمنع التوغل البري وفرض الشروط وهذا ما استطاعت تحقيقه إذ أن هناك بنداً في داخل الاتفاق لابد أن ينظر إليه ولأول مرة في تاريخ لبنان من اتفاق 17 آيار الى الاجتياحات، وهو التوازن في الحق بالدفاع عن النفس فقد كانت كل الاتفاقات تضمن للعدو الصهيوني حق الدفاع عن نفسه وفق رأيه وبالتالي حق الإغارة على لبنان ، أما حالياً أصبح هذا الحق تملكه المقاومة والحكومة اللبنانية وهذا انتصار معنوي ومادي بحيث أن هناك توازنا في الحق القانوني واعترافا صهيونيا بهذا الحق واعترافا بقدرة المقاومة على تحقيقه.
حفظ المقاومة هو الأساس
يعتقد الدكتور حطيط بأن اتفاق وقف النار كان لابد منه كمحطة تكتيكية ومرحلة لمحور المقاومة وخاصة في لبنان لأن مرحلة حفظ المقاومة في لبنان هو هدف أساس ورئيسي عند محور المقاومة لأن الحرب التي شنها العدو ليست حرب التخلص من المقاومة في لبنان فقط وإنما حرب تغيير معالم الشرق الأوسط وإنشاء شرق أوسط جديد كما صرح نتنياهو وبالتالي أول خطوة لتغيير معالم هذا الشرق الأوسط هو القضاء على المقاومة في لبنان كما أن حفظ المقاومة لنفسها ولأهلها في لبنان يعني حفظ خط الدفاع الأول عن محور المقاومة، بالمجمل وقف النار هذا يمكن أن يكون هدنة طويلة أو ربما قصيرة وليس نهاية الحرب مع العدو الصهيوني.