البيئة الاجتماعية الصهيونية لحرب الإبادة على قطاع غزة
تجعل أغلب المجتمعات الاستيطانية من التنشئة العنفية قيمة عليا في منظومتها الاجتماعية، وأبرز نموذج في العصر الحديث عن بيئة تعتمد التنشئة العنفية هو المجتمع الصهيوني، الذي تظهر تجلياته بالحرب التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، والتي تندرج في عداد الإفرازات المتتالية للمجتمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، إذ شكَّلت البيئة الاجتماعية الصهيونية منطلقات العنف الصهيوني، جرى فيها تجريد اليهودي من إنسانيته.
في هذا الإطار، أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان: "البيئة الاجتماعية الصهيونية لحرب الإبادة على قطاع غزة"، وهي من إعداد إبراهيم عبد الكريم، الباحث الفلسطيني المتخصص بالشؤون الصهيونية وقضية فلسطين.
وتحاول الدراسة تكوين مقاربة توثيقية تحليلية، لمجمل ما يتعلق بخصائص المجتمع الصهيوني وتوجهاته وحركته الاجتماعية والدينية والدعائية، وسواها، إذ توفّر تلك البيئة العوامل والظروف اللازمة للقدرات الذاتية التي توظَّف في هذه الحرب، بالتكامل مع القدرات التحالفية الخارجية، الأمريكية خصوصاً والغربية بوجه عام.
وتوقّفت الدراسة عند دور التنشئة العنفية للصهاينة في تشكيل هذه البيئة، إذ شكَّلت منطلقات العنف الصهيوني تراكمات جرى فيها تجريد اليهودي من إنسانيته، بعزله عن سائر البشر الأسوياء، ورأى الباحث أنه كان من البديهي نشوء آلية وخطاب كي تستقيم التنشئة العنفية الصهيونية مع متطلبات المشروع الصهيوني، حيث اعتمدت تلك الآليّة منهجية محددة تقوم على شيطنة الفلسطينيين، وعلى النفي الصهيوني لوجود هوية وكيانية عربية موحدة للفلسطينيين، وعلى التعاطي معهم كأفراد باستعلاء وتمييز عنصري وضغينة، ووصمهم بأقذع النعوت، إذ حفل الخطاب الصهيوني عنهم بكمّ ضخم من الأضاليل والصور النمطية السلبية، التي انطوت على أكاذيب ودعاوى وتشويهات متعمَّدة للحقائق، لعل من أبرزها: الغـائبون، والمتخـلفـون، والأغيار(الجــوييم)، والأعداء الأزليون لليهود، وغــزاة الأرض، والهـامشيون، والطــامعون.
كما لفتت الدراسة الانتباه إلى فتاوى الحاخامات كإحدى مكونات البيئة الاجتماعية الصهيونية الحالية، باعتبارها تحظى بمكانة بارزة في التعبير عن حدّين متلازمين ضمن معادلة الإبادة الجماعية، أحدهما مجيء هذه الفتاوى كنتيجة مصاحبة لمُخرجات التنشئة العنفية في المجتمع الصهيوني، والآخر إسهام تلك الفتاوى في تأجيج لهيب العنصرية والفاشية والقتل الموجهة ضد الفلسطينيين.
وخلص الباحث، استناداً لقاعدة تراكمات دور المشروع الصهيوني ومفرزاته الاحتلالية في فلسطين بتوليد الصراع، كحتمية له، بأن الفلسطينيين موجودون وسط ممر إجباري في هذا الصراع. وأشار إلى أنه على الرغم من اختلال ميزان القوى المادي والعسكري لصالح الصهاينة، إلا أن الاستسلام الفلسطيني ليس مطروحاً كخيار، لأسباب ذاتية وموضوعية، تاريخية وجارية، وأن ما يمكن أن ينجم عن هذا الاختلال، في ظلّ تواطؤ أطراف عدة، هو نشوء حلّ تلفيقي يلتفّ على صراع الوجود، ويدفع القضية الفلسطينية إلى محطات لا تقل إيلاماً وتعقيداً عما هو قائم حالياً.