بيروت.. الأشرفية، زيتونة باي وجونية
د.محمد علي صنوبري
الأشرفية، زيتونة باي وجونية؛ هي مناطق مسيحية أو بيروت الشرقية أو كما يسمونها مناطق البرجوازية! كان اختياري التالي هو الحوار المباشر مع الناس. لكن أصدقائي في بيروت كان لديهم نصيحة أخرى؛ ألا تذهب بمفردك! قلت: ماذا يمكن أن يحدث؟ قالوا: في المناطق التابعة لحزب القوات «وهو حزب مسيحي بقيادة سمير جعجع الذي لديه عداء طويل الأمد مع المقاومة وحزب الله، وفي أثناء احتلال لبنان من قبل الكيان الصهيوني عام 1982، هاجموا بيروت الغربية تحت راية الفالانجيين بدعم من القوات المحتلة الصهيونية، وارتكبوا مجزرة مروعة في صبرا وشاتيلا، حيث أزهقوا أرواح المئات من النساء والأطفال الفلسطينيين» قد يدركون أنك إيراني وقد تتعرض للخطر مثل ماحدث للقائد الجليل متوسليان!
فابتسمت ابتسامة ساخرة وقلت: متوسليان كان قائداً بارزاً، أما أنا فلا قيمة لي لديهم. على أي حال، انطلقت مع صحفيتين نحو مناطق بيروت الشرقية والشمالية. تم الاتفاق على أن أظهر في دور مصور أخرس وأن تتولى الاثنتان طرح الأسئلة. في شارع قديم كان كل شيء فيه يشبه باريس، نزلنا من السيارة. في أول إجراء، قالت لي السيدة ريما: من فضلك انزع الخاتم الفيروزي من يدك. قلت: الفيروز لا مشكلة فيه، سيعتقدون أنه زينة. ثم نزعت الخاتم من يدي ووضعته في جيبي وتبعت الصحفيتين. وصلنا إلى سيدة مسنّة قليلاً ترتدي نظارات، وكان يرافقها كلب أبيض كبير.
سألتها ريما: هل يمكنك أن تجيبي على بعض أسئلتنا؟ سألت السيدة: من أي شبكة أنتم؟ قلت: نحن نصور فيلما وثائقيا! سألت: كم من الوقت يجب أن أنتظر لأرى نفسي؟ فضحكت ريما وقالت لها أنه يجب أن تسألني أنا. ثم التفتت السيدة المسنّة إليّ وسألتني نفس السؤال! شعرت بالدهشة لأنني لم يكن من المفترض أن أتحدث. حيث أن لهجتي الإيرانية ستفضحنا. في لحظة، أدركت ريما الخطأ الذي ارتكبته، وتزامن ذلك مع نظرة حادة من الأخت الكبرى التي لم ترغب في الكشف عن اسمها! على أي حال، بدأت أضحك بصوت عالٍ لتغيير الموقف. فقالت السيدة المسنّة: هل مصوركم على مايرام؟ أجابت ريما: نعم إنه بخير. قالت السيدة المسنّة: اسألوا بسرعة لأن «غريس» (اسم كلبها) يمل بسرعة. فسألت ريما بدون مقدمات: ما رأيك في الأحداث والحرب الأخيرة؟ قالت: لبنان بلد الأحداث والكوارث. حتى لو لم تحدث أي حرب، فإن الزلزال والتسونامي سيؤديان إلى دمار لبنان. نحن معتادون على لبناننا هذا!
قلت لـ"هـ" «الأخت الكبرى لريما»: اسأليها هل أثرت الحرب الأخيرة على حياتك؟ فذكرتني "هـ" أنه لا ينبغي أن تصورني وطرحت السؤال. أجابت السيدة المسنّة: كيف لم تؤثر؟ أنا إنسان. أشعر بالحزن لرؤية آلام البشر. أختي تعيش الآن في السويد. هاجرت عام 2000. لكنها أيضاً تشعر بالحزن مثلي.
سألت ريما: بالضبط لماذا تشعرين بالحزن؟ قالت: من تهجير وقتل الناس. سألت ريما: من المسؤول عن ذلك؟ قالت السيدة: لا تعرفي من المسؤول؟ فقالت ريما: قولي لنا رجاءاً، أجابت السيدة المسنّة: المسؤول هو الشيطان. شيطان قضى حياته في الموت والفساد. شيطان قضى حياته في الحروب. شيطان طعامه الدخان والنار ومشروبه دم الإنسان.
فقالت ريما: ما اسمه؟ أجابت السيدة المسنّة: اسمه الشيطان، فسألت ريما مرة أخرى: من فضلك قولي اسمه بدقة أكبر. كتبت السيدة المسنّة هذه الكلمة في هاتفها وأظهرتها للكاميرا ثم رحلت.
فقلت: دعونا نلتفت نحو الشباب. ورأينا فتاة شابة أثناء خروجها من السوبر ماركت، وعندما رأت الكاميرا غطت وجهها بيديها ورحلت. وكان هناك شاب يمر، سألت ريما: هل تود أن تجري مقابلة؟ قال الشاب: حول ماذا؟ قالت ريما: عن الحرب والمقاومة. قال الشاب: هذا كله مسرحية. فقالت ريما: والناس الذين يموتون ويصبحون مشردين، هل هذا أيضاً مسرحية؟
قلت له: أنت إلى جانب مَن؟ فقال: إلى جانب حياتي الخاصة. قال ذلك ثم أشعل سيجارته وذهب.
قالت "هـ": دعونا لا نلتقي الشباب مرة أخرى، فهم جميعاً هكذا. أنانيون ومتكبرون! فقلت: لا أوافق على ذلك. سنجرب حظنا مرة أخرى. ثم نزلت سيدة شابة وأنيقة جداً من سيارة جيب وذهبت إلى الجانب الآخر من الشارع. فذهبت ريما خلفها بالميكروفون اللاسلكي الصغير، وأنا اختبأت خلف شجرة وبدأت في التصوير.
يُتبع...