العدو الصهيوني يُقرّ بالهزيمة أمام حزب الله
د. أكرم شمص*
على مدى شهرين من العمليات العسكرية الشرسة، وضع العدو الصهيوني كل ثقله العسكري والاستخباراتي في محاولة لتحطيم قدرات حزب الله وتركيعه. إلا أن النتيجة لم تكن كما تخيلتها قيادات الاحتلال. صواريخ المقاومة اخترقت عمق العدو الصهيوني، والميدان فرض معادلاته، ليجد جيش الاحتلال نفسه محاصرًا بفشل تكتيكي واستراتيجي دفعه إلى طاولة المفاوضات دون تحقيق أي إنجاز يُذكر.
خطة العدو الصهيوني: «حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر»
- منذ الأول من أكتوبر 2024، انطلقت العملية البرية للعدو الصهيوني على لبنان تحت شعارات كبيرة، مثل شرق أوسط جديد «عودة المدنيين إلى مستوطنات الشمال» و«القضاء على بنية حزب الله الصاروخية». لكن الوقائع أظهرت عجز هذا الجيش عن تحقيق أي تقدم يُذكر.
- رغم تسخير 70 ألف جندي وخمس فرق مقاتلة، مدعومة بـ15,000 غارة جوية، فشل العدو الصهيوني في التوغل أكثر من 5 كيلومترات. هذا الفشل كان محاطًا بالتعتيم الإعلامي في محاولة لإخفاء حجم الخسائر.
الكارثة في داخل العدو الصهيوني.. «حرب بلا أمان»
- نزوح جماعي: أكثر من 100,000 مستوطن فروا من بلدات الشمال إلى وسط العدو الصهيوني، تاركين خلفهم مدنًا مدمرة وحياة منهارة.
- فشل أنظمة الدفاع: رغم الاعتماد على القبة الحديدية ونظام مقلاع داوود ونظام THAD الأميركي، تمكنت المقاومة في يوم واحد من إطلاق 340 صاروخًا دكت عمق العدو الصهيوني، بما في ذلك تل أبيب. هذه الضربات لم تُحدث فقط أضرارًا مادية، بل زرعت الهلع في نفوس العدو الصهيوني، حيث لجأ أكثر من 4 ملايين مستوطن إلى الملاجئ.
- الإحباط الشعبي والسياسي: رئيس المعارضة في العدو الصهيوني يائير لابيد وصف ما حدث بأنه «الكارثة الأكبر في تاريخ العدو الصهيوني»، مشيرًا إلى أن حكومة نتنياهو انجرت إلى اتفاق مع حزب الله بعد انهيار الجيش وحياة سكان الشمال.
كيف يرى حزب الله الانتصار؟
يرى حزب الله النصر في القدرة على إفشال اهداف العدو الصهيوني، سواء عسكريًا أو سياسيًا، وفرض معادلة ردع جديدة تجعل الاحتلال عاجزًا عن تحقيق مكاسب ميدانية رغم تفوقه التكنولوجي والعسكري. بالنسبة لحزب الله، النصر ليس فقط في الصمود الميداني، بل في تثبيت دوره كحامٍ للسيادة الوطنية، والتفاف الشعب حوله كرمز للمقاومة والتحرير. هذا النصر، كما يراه حزب الله، يتجلى في إرغام العدو الصهيوني على القبول بوقف إطلاق النار بشروط فرضتها المقاومة، مما يثبت أن إرادة الميدان أقوى من أي آلة عسكرية.
«معادلة الصمود التي بدأت في الميدان، ستُكمل طريقها كرمز للتحرير والانتصار في كل لبنان».
عودة إلى سياسة «الصمت مقابل الصمت»:
أ. معنى المفهوم:
- «الصمت مقابل الصمت» هو مصطلح يعبر عن تهدئة متبادلة بين الأطراف دون معالجة جذرية للقضايا الأساسية.
- هذا المفهوم يعني اعترافًا ضمنيًا بعجز العدو الصهيوني عن فرض شروطه بالقوة.
ب- فشل الردع العدو الصهيوني:
- الاتفاق يعكس تآكل قوة الردع لدى العدو الصهيوني، حيث اضطرت الحكومة إلى تقديم تنازلات كبيرة مقابل وقف إطلاق النار.
- بن غفير يرى أن الاتفاق يفتح المجال أمام حزب الله لإعادة بناء قدراته العسكرية.
«الاتفاق لم يكن انتصارًا سياسيًا للعدو الصهيوني، بل كان استسلامًا لشروط المقاومة».
نتنياهو يعترف ضمنيًا بالهزيمة: «خطاب بلا منجزات»
في خطابه الأخير، اعترف نتنياهو بثلاثة أسباب وراء وقف إطلاق النار:
التركيز على إيران، إعادة التسلح والتنظيم بعد مواجهة عقبات ميدانية كبيرة، فصل الجبهات بين حماس وحزب الله.
- هذا الخطاب كان إقرارًا ضمنيًا بالفشل، حيث لم تُحقق العملية أهدافها الاستراتيجية، وعاد العدو الصهيوني إلى نقطة الصفر عبر اتفاق سياسي.
- تصريح نتنياهو الأخير، الذي تم تسجيله مسبقًا دون أسئلة مباشرة، أثار استياءً واسعًا.
اتفاق بلا انتصار: «الاستسلام بشروط المقاومة»
- نص الاتفاق المعلن كشف أن العدو الصهيوني اضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة، أبرزها:
التزام الطرفين بعدم شن أي عمليات هجومية، اعتراف بأهمية قرار مجلس الأمن 1701، انسحاب تدريجي لقوات العدو الصهيوني خلال 60 يومًا، ابعاد بريطانيا وألمانيا من اللجنة المشرفة بطلب من المقاومة، هذا الاتفاق، الذي وصفه قادة العدو بأنه استسلام، فرضته المقاومة بفضل صمودها الميداني وقدرتها على إبقاء الجبهة الداخلية للعدو تحت الضغط.
دروس من الهزيمة: «العدو الصهيوني يخسر معركة الردع»
- فشل القوة العسكرية: رغم امتلاك العدو الصهيوني لأحدث التقنيات العسكرية والدعم الدولي، لم يستطع كسر إرادة المقاومة.
- انهيار الثقة الداخلية: الانتقادات الحادة من المعارضة والسياسيين أظهرت مدى الانقسام والإحباط داخل مجتمع العدو الصهيوني.
- تعزيز مكانة المقاومة: تمكن حزب الله من فرض نفسه كقوة ردع إقليمية، مما يعزز مكانته في أي معادلات مستقبلية.
الجنوب في عيون المقاومة: «راية التحرير تُرفع من جديد»
الجنوب يحترق ولكنه صامد: وطني كجسد يعقوب، تُنهِكه الجراح ولكن لا يُسقِطه الدود. على تخوم الخيام وفي ظلال كفركلا، هناك رجال من نور، زرعوا الفخر في قلب هذا الزمان. رجال الله، جباههم تعانق السحاب وعيونهم ترى النصر قبل أن تُطل شمس الغد.
- جنوب لبنان ليس مجرد أرض، بل هو قصيدة كتبها رجال المقاومة بأرواحهم. هناك، فوق الحقول التي سقتها دماء الشهداء، يقف المقاومون كأعمدة قلعة بعلبك، لا تهزهم ريح ولا يهدهم زلزال.
- وعلى طرف آخر، هناك كيان مهزوم، يطلق تهديداته أكثر مما يطلق صواريخه، ولكن كل التهديدات تسقط أمام بسالة هؤلاء الرجال.
- في اليوم التالي للحرب، سيرفع أبناء الجنوب والبقاع والضاحية وكل شريف راية التحرير والمقاومة، تلك الراية التي صمدت في وجه آلة حرب العدو الصهيوني وحافظت على عزتها بدماء الشهداء.
- المقاومة الإسلامية أثبتت أن إرادة الميدان أقوى من كل الاتفاقات، وأن النصر الحقيقي ليس في طاولة المفاوضات، بل في صمود الرجال الذين يقاتلون بإيمان وشرف.
«الميدان هو من يرسم معادلات النصر، وفي جنوب لبنان كتب المقاومون قصيدة من دماء وشرف لن ينساها العالم».
خاتمة: حرب ايلول 2024 على لبنان أكدت مرة أخرى أن آلة حرب العدو الصهيوني عاجزة عن تحقيق أي نصر حقيقي أمام مقاومة مدروسة وحكيمة ومنظمة. فالعدو الصهيوني، الذي بدأ الحرب بطموحات كبيرة، انتهت إلى اتفاق وصفه قادته بـ«الاستسلام». في المقابل، خرجت المقاومة أقوى، ومعها معادلة جديدة تعيد رسم موازين القوى في المنطقة.
الاتفاق بين العدو الصهيوني وحزب الله لم يكن خيارًا استراتيجيًا بل كان ضرورة فرضها الميدان. تصريحات بن غفير عن «خطأ تاريخي» تكشف عن عمق الإحباط داخل العدو الصهيوني، حيث لم تحقق الحرب أهدافها المعلنة ولم تؤمن الشمال. في المقابل، استطاعت المقاومة فرض معادلة الردع التي جعلت أي استمرار للحرب مكلفًا جدًا للعدو الصهيوني.
«في الميدان تنتصر الإرادة على الآلة، ومع المقاومة تسقط مشاريع الهيمنة».
* خبير في العلاقات الدولية