حوار خاص مع مستشار الإمام الخامنئي الدكتور علي لاريجاني، بشأن زيارته الأخيرة إلى سوريا ولبنان:
الروحيّة التي لمستها لدى مجاهدي حزب الله ستجعلهم ينتصرون
نقل مستشار قائد الثورة الإسلاميّة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، الدكتور علي لاريجاني، خلال زيارته إلى سوريا ولبنان الأسبوع الفائت، رسالتين من الإمام الخامنئي إلى رئيس الجمهوريّة العربية السورية الدكتور بشار الأسد ورئيس مجلس النواب اللبناني السيّد نبيه برّي. حازت هذه الزيارة على اهتمام الوسائل الإعلاميّة الإقليميّة والدوليّة، وقد صبّت في مصلحة جبهة المقاومة، وجرى تحليلها وتقييمها بأساليب متعدّدة. في هذه المناسبة، أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حوارًا خاصًّا مع الدكتور لاريجاني مستشار قائد الثورة الإسلاميّة ، جرى فيه تقييم المجالات والأحداث والمعطيات الميدانيّة لهذه الزيارة وتحليلها، إضافةً إلى تداعياتها السياسيّة، والدوليّة، والميدانيّة على الظروف الاستثنائيّة التي تشهدها المنطقة. وفيما يلي خلاصة الحوار :
كيف وجدتم معنويّات قادة حزب الله، ودور الشيخ نعيم قاسم في القيادة، إضافةً إلى قضيّة الآليّات والبنية التنظيميّة لحزب الله بعد فقدان الشهيد السيّد حسن نصر الله؟
في هذا السّياق، يجب تقسيم هذه المرحلة إلى قسمين: المرحلة الأولى منذ حوالي الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر حيث وقعتْ حادثة البيجرات، وتلاها استشهاد السيّد حسن نصر الله، ثمّ استشهاد السيّد هاشم صفيّ الدين، وغيرهما من الشخصيّات المهمّة في حزب الله، أما المرحلة الثانية فهي ما بعد ذلك الى هذا اليوم. المرحلة الأولى شملت تقريبًا الأيام العشرين أو الثلاثين الأولى، وبعدها أتت المرحلة الثانية. في المرحلة الأولى كانت هذه الضربة قاسية بطبيعة الحال. حيث تعرّض حوالي ثلاثة إلى أربعة آلاف من كوادر حزب الله للإصابات بسبب البيجرات، واستشهاد قيادة هذا الحزب، وكان أمرًا مهمًّا جدًّا. وكانت هذه المرحلة التي أوجدت انطباعًا لدى الكيان الصهيوني بأنّ أمر هؤلاء قد انتهى، وقد عكسوا هذا التصوّر أيضًا إلى الدول العربيّة والغربيّة، بأنّ هؤلاء قد انتهوا. كانت بعض الرسائل التي يبعث بها الصهاينة تتضمّن هذا المعنى. لكن بعد هذه المرحلة الأولى، تبدّلت الظروف بنحوٍ كامل. كانت الأمور تسير في منحى انحداري، لكنّها انقلبت فجأة إلى منحى تصاعدي. لماذا حدث ذلك؟ كان المتوقّع أن قوى المقاومة، وهي قوى راسخة من الناحية الاعتقاديّة، [ستضعف]، وأنا سمعتُ أنّه في ذلك اليوم الذي نشروا فيه نبأ استشهاد المرحوم السيّد حسن نصر الله، كان هذا النبأ خبرًا صاعقًا جدًّا، وأحزن الكثير من هذه القوى، وأقاموا العزاء، لكنّهم بعد ذلك أقسموا وعاهدوا بعضهم أن يدافعوا عن لبنان حتى آخر رمق، وأن يبذلوا أرواحهم في هذا السبيل. هكذا كان تأثير حدث استشهاد السيد حسن نصر الله، عكس ذاك الذي كان يتوقّعه نتنياهو والكيان الصهيوني، بأنّهم ضربوا، وذهبوا، وانتهى أمر هؤلاء، لكن قوى المقاومة شُحنت بطاقة جديدة. أي بدأوا يقاتلون بروحيّة عاشورائيّة، وأدّى هذا إلى تبدّل الأوضاع، وتعويض الكوادر كلّها.
شاهدتُ خلال هذه الزيارة معنويّات وصلابة تشبه الصلابة في يوم عاشوراء، هؤلاء كانوا على هذا النحو، أي مثل ما نقرأه في الأحاديث والروايات بأن كيف كانوا يقاتلون [في عاشوراء]، وأيّ نوع من الناس كانوا، وكيف ثبتوا على مبادئهم. على سبيل المثال، الشهيد السيّد محمد عفيف الذي استُشهد مؤخّرًا، التقيته هناك لساعة من الزمن تقريبًا، وتحدّثنا معًا. كان يقول لي: «نحن ثابتون بقوّة، ولتعلموا أنّنا مستعدّون للصّمود. لا يظننّ أحدٌ من أصدقائنا في لبنان أنّنا نشعر بالانكسار. نحن مستعدّون». كان هذا أحد النماذج. وكثيرون من الإخوة الآخرين في حزب الله الذين كنت ألتقيهم، كانوا أشخاصًا يتمتّعون بمعنويّات عالية جدًّا، ومفعمين بالحيويّة. التسلّح بالمعنويّات مهمٌّ جدًّا في الحرب، مهمٌّ للغاية. هؤلاء يملكون روحيّة قويّة، ويعقدون الآمال على المستقبل. أي إنّهم مفعمون بالحيويّة، ويتمتّعون بمعنويّات وروحيّة قويّة، ويعقدون الآمال على المستقبل أيضًا. بالنسبة لي، بعث ذلك فيّ الثقة والاطمئنان بأنّ هؤلاء منتصرون. أي إنّ هذه الروحيّة وهذه الصلابة والشجاعة في العمل، ستجعل هؤلاء ينتصرون.
أنا أعتقد أنّ الكيان الصهيوني ارتكب خطأ هنا، وكان يظنّ أنه بعد هذا القصف، وحادثة البيجر، وأمثال هذه الأمور، سيصل في غضون أسبوع أو اثنين إلى نهر الليطاني. حسنًا، لقد مرّ الآن أكثر من ثلاثين يومًا، وهم عاجزون عن تحقيق أيّ تحرّك برّي جاد، كما أنهم يخسرون جنودهم بنحوٍ متواصل. وحتّى الآن، لم تُستخدم القدرات الأساسيّة لدى حزب الله. هؤلاء لا زالوا يملكون إمكانات كبيرة، وهؤلاء أصبحوا يصنّعون بأنفسهم هذه الإمكانات. في السابق قال [الصهاينة] أنّنا دمّرنا بعض مخازنهم، حسنًا، إذا دمّرتموها، من أين تأتي هذه الصواريخ التي تُطلق الآن؟ هي لا تأتيهم من كوكب المرّيخ طبعًا. هم يصنعونها. أنا أعتقد أنّ الكيان الصهيوني سيندم بشدّة في المستقبل بسبب هذه الحرب. طبعًا، لطالما قلنا وأكّدنا أنّنا سندافع عن لبنان كله، وعن الحكومة في لبنان كله، ونحن إن كنّا نذكر حزب الله ونقدّم له الدعم، فذلك لكونه حصنًا قويًّا وصلبًا في الدفاع عن أرض لبنان، ومنع هذه الاعتداءات الصهيونية على كلّ المنطقة. وعدا ذلك، فإنّنا نقدّم الدعم للبنان كبلد صديق، ولشعبه كشعبٍ صديق، ولكلّ لبنان. وبالمناسبة، كنّا نقول دائمًا أنّنا نرى وقف إطلاق النار خطوة مفيدة. هؤلاء الصهاينة هم الذين بدأوا الحرب وأشعلوها، وخلاصة الأمر، في ظلّ الظروف الراهنة، هم علقوا في هذه الحرب، ونأمل أن تثمر هذه المفاوضات التي يجريها السيّد نبيه برّي من أجل حلّ الموضوع.
أثارت وسائل الإعلام الصهيونيّة، ووسائل الإعلام التابعة لها، وآخرون، قضيّة مفادها أنّكم حين دخلتم الأراضي اللبنانيّة، جرى تفتيشكم أنتم والفريق المرافق لكم بنحوٍ جدّي. نرغب في أن توضحوا لنا بهذا الخصوص، وتعلمونا بمدى صحّته.
برأيي هذه من المزحات السخيفة التي يروّج لها بعض الأشخاص خلال هذه الزيارة، بأننا حينما كنا في سوريا على سبيل المثال، قصفوا منطقة قريبةً من مكان محادثاتنا لكي يغيّروا الموضوع ويبدّلوا الأجواء. أو على سبيل المثال في لبنان، ضربوا مكانًا قريبًا من المطار قبل قدومنا. حسنًا، ما هي هذه الرسالة التي أرادوا توجيهها في هذه القضيّة؟ قالوا أنّنا بعثنا برسالتنا. حسنًا، ما هي الرسالة؟ أردتم القول أنّنا نملك القدرة في سماء لبنان، ونستطيع ضرب مكانٍ معيّن، حسنًا، نحن كنّا نعلم مسبقًا قدرتكم على توجيه الضربة، لكنكم كنتم تنفّذون عملكم، وكنا ننفّذ عملنا أيضًا. لم يكن لذلك تأثيرٌ علينا أيضًا. ماذا كانت الرسالة؟! هذا [الموضوع الذي أشرتم إليه] أيضًا هو من تلك الأكاذيب العجيبة والغريبة، أي إنّه خلاف الواقع من الأساس. حين ترجّلنا من الطائرة، كان سفيرنا حاضرًا عندها، وبعض نواب المجلس هناك، وكذلك كان هناك أشخاصٌ من حزب الله، وآخرون. كانت توجد سيارة هناك أيضًا. ركبنا السيارة وذهبنا. أي إنّنا لم ندخل قاعة الاستقبال أبدًا حتى يرانا أحدٌ هناك. وكان موعد أحد اللقاءات قد تأخّر أيضًا، كما كانت هناك زحمة سير. انطلقنا من هناك، من عند الطائرة.
النقطة المهمّة التي ينطوي تحليلها على أهميّة كبرى هي نظرة سائر الفئات اللبنانيّة لحزب الله. فنتيجة الأحداث الحاليّة، والهجمات التي شنّها الكيان الصهيوني خلال هذه الأيام الثلاثين ونيّف على الضاحية وأطرافها، هل تغيّرت نظرة سائر الأحزاب اللبنانيّة لحزب الله أم لا؟
ربّما، لو أردت أن أتكلّم بواقعيّة، ففي تلك الفترة الأولى التي صَعُبَت فيها ظروف حزب الله بعض الشيء، وشهدت بعض التغييرات، كانت تُسمع بعض الأصوات (المعارضة لحزب الله) أيضًا، لكن الأمر ليس على هذا النّحو الآن. أي إنّ كثيرين عدّلوا مواقفهم، وأدركوا أنّ حصن حزب الله هذا هو للدفاع عن الأمن القومي للبنان، وهم أشدّ مقاومة من أن تتمكّن بعض عمليّات البيجر ومثيلاتها من القضاء عليهم. لاحظوا، قضيّة هذا العمل الإرهابي، البيجر، لقد كانت خطوة كبيرة جدًّا، وعلى كلّ حال تضرّر ثلاثة آلاف شخص من هؤلاء، من ناحية العين، واليد. يجب أن تكون المنظّمة قويّة جدًّا لتستوعب هذا الأمر. أو عندما استهدفوا قيادة هذه المنظّمة، لم يكن ذلك بالأمر الهيّن. كانت هاتان الحادثتان متزامنتين، لكن هذه المنظّمة كانت على مستوى من النّضج والحكمة والعقلانيّة والمرونة الميدانيّة، وكانت توجهاتها في الجوانب السياسيّة والعقائديّة ناضجة، بحيث تمكّنوا من الاستبدال فورًا. وكانت منظّمتهم أيضًا - من الناحية الهيكليّة - بالنحو الذي خوّلها معاودة تنفيذ العمليّات. لاحظوا اليوم كم عدد العمليّات التي ينفّذونها يوميًّا. من الواضح إذًا أنّهم استعادوا أنفسهم، ووقفوا على أقدامهم. لهذا السبب، تبدّل أسلوب تعامل سائر
الأحزاب [في لبنان].
يُتبع...