أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية للوفاق:
المهنية الإعلامية في مهب المصالح الغربية
في خضم حرب الإبادة المستمرة على فلسطين والمتصاعدة في لبنان، يبرز دور الإعلام الغربي بمثابة شريك ومتواطئ في الحرب، يقدم صورة مشوّهة تخدم مصالح الاحتلال الصهيوني وتبرر جرائمه بحق المدنيين. ما يظهر بوضوح في التغطية الإعلامية لوسائل إعلام غربية في محاولة لصياغة الروايات وفقاً لأجندات تتماهى مع أهداف الكيان الغاصب الدعائية، على حساب الدماء والدمار والتهجير. ولكن ليست هذه التغطيات مجرد أخطاء عرضية، بل هي جزء من «نمط ممنهج» يستهدف تشويه صورة الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية، وتقويض شرعيتها في الوعي العالم الغربي والعالمي، وفي سياق التعرف على مبالغة الإعلام الغربي في منح الوقت والموارد لصناعة مشهدية درامية للمعاناة الصهيونية الكاذبة في حين أطفأ الكاميرا والميكروفون عن التراجيديا الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من عام، حاورت صحيفة الوفاق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام إسماعيل، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
المهنية الإعلامية مرتبطة بالمصالح الغربية والصهيونية
يشير الدكتور إسماعيل إلى أن الغرب يسوّق لفكرة أن الدولة في خدمة المجتمع في خدمة القيم والصالح العام في خدمة فكرة الخير المطلق، ولكن بالتطبيق الواقع يختلف تماماً عن ذلك إذ أن الجميع هناك يعملون لمصالح محددة يعتبرونها مصلحة المجتمع ولكن في الحقيقة هي مصلحة من يحكم ومن يقرر، ولذلك موضوع المهنية مرتبط بما يتوافق مع مصالح وقيم من يقرر فهو ليس مرتبط بقيم عليا ومبادئ مجردة وإنما بقيم تتوافق مع ما يريدونه ويقررونه، وبالتالي انطلاقاً من أن الكيان الصهيوني هو مصلحة غربية وهو حاجة غربية فيمكن تعريف المهنية الإعلامية في الغرب على أنها القواعد التي يعمل من خلالها على خدمة هذا المشروع الصهيوني، ولذلك ما يعتبرونه موضوعا مهنيا في التعاطي مع القضايا التي تهمهم وما يعتبرونه قواعد عليا وثابتة لم ينطبق أبداً على تعاطيهم مع قضايا المنطقة وقضايا المقاومة بشكلٍ عام.
ويعتبر الدكتور إسماعيل: " بغياب المهنية، التعاطي الغربي مع قضايانا وتغطية أخبار المقاومة لا يرتبط بمصلحة الغرب الذي يجد في المقاومة عدواً له ويراها تشكل عائقاً أمام تحقيق مصالحه القومية، وبالتالي المهنية من وجهة نظرهم أن تهاجم من هو عدوك وأن تقف في وجهه وأن تسوق بطريقة سيئة لمن تعتبره لا يتوافق مع مصالحك، إذاً فالتبني للرواية الصهيونية هو ليس فقط لا يحصل بدون تدقيق بل هو مقصود إذ أن المطلوب في مكان ما التبرير لهذا الكيان الصهيوني الذي يُشكل خدمةً لهم فهو يشكل قاعدة متقدمة لهم مقابل التصويب على أخبار المقاومة، ومن هنا نرى كيف يتم التسويق دائماً لفكرة إن الكيان الصهيوني يمثل العالم المتحضر والمقاومة تمثل التطرف، وأن هذا الكيان "المتحضر" من وجهة نظرهم يعبر عن القيم العليا مقابل تهديد المقاومة في فلسطين ولبنان لهذه القيم".
المهنية الإعلامية الغربية ترتبط بالمصالح وليس بالقيم والمبادئ
يؤكد الدكتور إسماعيل بأن الغرب لا يكتفي بتبني الرواية الغربية والصهيونية بل ويساعد في الترويج لها لأنه لا يرتبط بمصداقيتها وبحقيقتها وبمدى توافقها مع القيم الإنسانية ومع مبادئ القانون الدولي، ولكن لأنها تتوافق مع المصالح الغربية مع هذا الغرب الذي يمكن التعبير عنه بكلمة أنه متوحش عندما يتعلق الأمر بمصالحه وبما يراه صواب وعندما يتعلق الأمر بالتبرير لما يحدث إن كان عنده أو في البلدان الأخرى حتى في العالم الغربي، أنا لا أتحدث فقط عن جرائم العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان بل عن كيفية تعاطي الإعلام مع ما يمكن أن يحدث من مظاهرات واعتراضات في الدول الغربية، مثال تجربة فرنسا والقمصان الصفر وكيفية تعاطي الأمن معها كذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وكيفية التعاطي مع أصحاب البشرة السوداء ومع المهاجرين وما إلى ذلك، فمسألة شيطنة الفلسطيني وأنسنة الصهيوني يتوافق مع المصلحة ولذلك هو يعتبر مهنياً من وجهة نظر غربية، فنحن لا نستطيع إقناع إعلامي غربي بإنحيازه في تغطية أحداث غزة ولبنان، بل أنه سيتفاجأ كثيراً ويعتبرنا ساذجين في توصيف الواقع".
الإعلام العربي إعلام الحكام
يلفت الدكتور إسماعيل بأن الإعلام العربي يُعبر عن وجهة نظر الحكام العرب، مع أنه يدعي أنه صاحب قضية وملتزم بمبادئ وقضايا الأمة، ولكن بالحقيقة نراه يتفاخر بأنه منفتح على الغرب وعلى تفهم روايته ولذلك نراه يستقبل على شاشاته الضيوف الصهاينة، لا يتبنى الكثير من الاعلاميين العرب ووسائل الإعلام العربية على سبيل المثال مصطلحات مثل جيش الاحتلال وعدوان وشهادة بل يستخدم كلمة صراع بين الفلسطينيين والصهاينة، ويحاول أن يساوي بين الطرفين مع أنه في هذه المرحلة المساواة بين الصهاينة وأهل الأرض هو بمثابة طعنة بظهرهم وتبرئة لهذا الكيان الغاصب، كذلك اعتبار الشهداء الذين يسقطون في غزة وفي لبنان قتلة حتى المدنيين منهم، هو يتعاطى مع الأحداث الجارية في غزة ولبنان بالكيفية التي يعبر عنها الصهيوني ويسرد روايته لذا الإعلام العربي هو إعلام ظلٍ للإعلام الغربي والصهيوني، لذا موضوع الانفتاح على الرأي والرأي الآخر لا يصح في هذه الحالة، فالرأي الصهيوني ليس رأياً آخراً مختلفاً لنعطيه المجال للظهور في إعلامنا لسرد قصته بل هو عدو محتل قاتل احتل أرضاً وسرقها من أهلها الأصليين، ومجرد اعتبار رأيه رأياً آخراً فهو بمثابة تبرئته عن كل ما ارتكبه من مجازر في لبنان وغزة وبمثابة اعتراف بأنه كيان شرعي له الحق في الوجود، وأن المسألة بين العرب وهذا العدو هو مجرد صراع بين طرفين".
يعتبر الدكتور إسماعيل بأن الإعلام الغربي يشكل مرجعاً للإعلام وخاصةً المطبع منه فهو يعتبره العربي بمثابة مثل أعلى وقدوة يجب أن يصل إليه، هو لم يرسم لنفسه آلية يمكن أن تشكل مدخل لإعلام حقيقي موازٍ هو مجرد إعلام مقلد يقلد الغرب ويسعى إلى التماهي معه بكل سيئاته، تجدر الإشارة هنا أننا نستطيع الاستفادة من الإعلام الغربي في بعض تجاربه لكي تكون منطلقاً لندافع عن قضايانا وكيفية مقاربتها، ولكن الإعلام العربي يتعاطى معه على أنه مرجعه".
الإعلام الغربي وتدجين الرأي العام
الإعلام الغربي والدولة في الغرب قادران على تدجين الرأي العام، وفق الدكتور إسماعيل، بالطبع الرأي العام في الغرب سيكون له تأثير ولكن برأيي تأثير مرحلي لأن من يهيمن على القرار وعلى الدولة لن يتنازل ويتخلى بسهولة عما يعتبره مصلحة وحق إلهي ومقدس له، وبالتالي من السهل جداً عليه أن يُدجن الرأي العام الموجود لديه بوسائل مختلفة حتى لو استنفد بعضاً من الوقت، ولكن لا أعتقد أنه سيصل إلى المرحلة التي يصبح باستطاعة هذا الرأي العام الغربي أن يجعل الدول الغربية تؤمن بخطئها بما يخص الكيان الصهيوني وتغير مواقفها وتتبنى رواية المقاومة وتدافع عنها، لأن هذا الكيان الغاصب هو عضو حيوي في جسدها لا يمكن أن تعيش بدونه خصوصاً في ظل مشاريع الغرب الاستعمارية والهيمنة."
الإعلام الغربي والكيل بمكيالين
يشير الدكتور إسماعيل إلى أننا إذا أردنا إجراء مقارنة بين كيفية تعاطي الإعلام الغربي مع قضايانا في المنطقة وبين الحرب في أوكرانيا، على سبيل المثال مسألة تفجيرات البايجر في لبنان والتي ذهب ضحيتها مدنيين في المستشفيات وفي أماكن العمل وأطفال ونساء، بررها الإعلام الغربي على أنه استهداف لحزب الله، لو حدث هذا الأمر على سبيل المثال في الجيش الأوكراني لكانت قامت قيامة الدنيا ولم تقعد، ومثال آخر مقاربة هذا الإعلام لقتل المدنيين والأطفال في غزة ولبنان فلا يرف لهم جفن بل يبررون قتلهم ولكن إذا قتل مدني واحد في أوكرانيا أو في أي دولة أخرى، يبدأ الإعلام بالبكاء والنحيب على هؤلاء المدنيين وإظهار قصصهم في الإعلام وتبيان ما حل بهم، ينم هذا التصرف عن حقد لأن الغرب لا يقبل ولن يقبل بأن يكون له أي منافس أو معارض وبالتالي ظهور هذا الرأي المعارض وهو المقاومة سيجعله يستشرس في الدفاع عن العدو الصهيوني ومصالحه".
يلفت الدكتور إسماعيل بأن :" الإعلام الغربي يستهدف تكريس سردية معينة في الوعي الجماعي عبر التركيز على بعض النقاط التي من الممكن أن تدين المقاومة في مكان ما ومن الممكن أن تجعل الناس تحرف نظرها عن حقيقة جريمة الإبادة البشرية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، ففي لبنان، يدمر العدو الصهيوني مناطق سكنية بأكملها وإذا سقطت بضعة صواريخ على تل ابيب أو حيفا ولو في أماكن ومواقع عسكرية والتي تستهدفها المقاومة دائماً ولا تستهدف المدنيين بالرغم من كل إجرام العدو الصهيوني، يخرج الإعلام متحدثاً عن إصابات في صفوف المدنيين وحالات الهلع والخوف، هذا الإعلام يحاول أن يرسم صورة نمطية يبرر عبرها ما يقوم به الكيان الصهيوني ويدين ما تقوم به المقاومة ويعده إرهاباً وعدواناً وتوحشاً. هم يحاولون التبرير للكيان الصهيوني على أنه مجبر على قصف المدنيين بحجج واهية ، واليوم بعد صدور المذكرة الجنائية الدولية بتوقيف نتنياهو وغالانت نرى ردات الفعل حول كيفية التعاطي مع المذكرة، هم لم يقولوا بأننا سنوقفه عند سفره إلى بلادنا بل يتشاورون في كيفية تخطي هذا القرار في المقلب الآخر عندما صدر القرار نفسه بحق "فلادمير بوتين" في روسيا سارعت جميع هذه الدول إلى الإعلان عن إصرارها بالالتزام بالاعتقال وتوقيفه واحترام قرار المحكمة الجنائية الدولية وهذا يدل على كذب وحقيقة هذه الدول وكيلها بمكيالين للقضية نفسها وفق مصالحها".