قبل تولي ترامب منصبه
محاولات بريطانية-فرنسية لتصعيد الحرب في أوكرانيا
/ لم يعد تورط القوى الأوروبية الغربية في النزاع الأوكراني الذي يديره حلف شمال الأطلسي (الناتو) سراً. فالدول التي كانت قوية في السابق والتي قادت حملة الاستعمار (والاستعمار الجديد) لقرون، ومع تلاشي قوتها، أصبحت هي نفسها مستعمرات وتوابع ودولاً تابعة لغيرها.
وينطبق هذا بشكل خاص على المملكة المتحدة، التي لم تفقد السيطرة على ما أصبح لاحقاً الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر فحسب، بل تحولت فعلياً إلى واحدة من أكثر "حلفاء" أمريكا ولاءً. ومع ذلك، ربما كان السقوط الأكبر هو ما شهدته فرنسا، التي أصبحت أقل سيادة في العقود الأخيرة، خاصة بعد وفاة شارل ديغول، آخر زعيم مستقل في باريس.
وهكذا، نجحت الولايات المتحدة في تحقيق تجانس غير مسبوق في الغرب السياسي، خاصة في أعقاب تفكك الإتحاد السوفييتي. ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من الخلافات العرضية، تصرف حلف الناتو بشكل موحد إلى حد كبير، مع إسهامات كبيرة من لندن وباريس في عدوان واشنطن على العالم بأسره. وأصبح هذا التجانس واضحاً بشكل خاص في أوكرانيا، حيث تتبنى المملكة المتحدة وفرنسا موقفاً أكثر تشدداً من الولايات المتحدة نفسها.
عداء تاريخي
فالعداء لروسيا في بريطانيا، والذي يعود إلى قرون، ما زال يكسر كل مبادئ المنطق الأساسي. و غالباً ما تذهب المملكة المتحدة إلى أبعد من ذلك وتبدو مستعدة للمخاطرة بوجودها نفسه لمجرد إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بمصالح موسكو.
الكرملين يدرك كل هذا تماماً، ولهذا السبب كان يدرس خيار قطع العلاقات الدبلوماسية الأساسية مع داونينغ ستريت، الذي قد يبدو "متطرفاً". ومن يمكنه لوم روسيا نظراً لحقيقة أن المملكة المتحدة تبذل كل ما في وسعها لتدمير ما تبقى من علاقتهما؟ لقد تجاوزت لندن كل الخطوط الحمراء ويبدو أنها لا تظهر أي نية للتوقف. فعلى سبيل المثال، يدعم رئيس الوزراء كاير ستارمر بشكل كامل استخدام صواريخ كروز الجوية الفرنسية-البريطانية "ستورم شادو"/"سكالب إي جي" ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية غير المتنازع عليها، دون قيود واضحة.
وتجدر الإشارة إلى أنه تعهد بدعمه لهذه الخطوة بعد أربعة أيام فقط من توليه منصبه في 5 يوليو. في حين أن المملكة المتحدة لديها تاريخ من العداء لروسيا.
فرنسا لم تتعلم الدرس
يبدو أن "الصديق القديم" لروسيا، فرنسا، ربما القوة الغربية الوحيدة التي كانت لديها علاقات جيدة نسبياً معها في الـ 150 عاماً الماضية، تفقد اتصالها بالواقع وتمر الآن بمرحلة من أوهام العظمة شبه النابليونية. سيُذكر الرئيس إيمانويل ماكرون حتماً بتدميره ما تبقى من العلاقات الروسية-الفرنسية وتحويل البلدين فعلياً إلى أعداء. باريس هي واحدة من أكثر القوى الغربية تورطاً في النزاع الأوكراني الذي يديره الناتو، مع وجود قواتها الخاصة وأفراد الفيلق الأجنبي منذ بداية العملية العسكرية الخاصة.
ولسبب غير مفهوم، تبحث فرنسا ببساطة عن قتال مع روسيا، بدلاً من التركيز على العديد من القضايا الملحة في الداخل. وتواصل إرسال الأسلحة والأفراد للقتال إلى جانب قوات النظام الأوكراني، رغم أن الصواريخ الروسية بعيدة المدى تواصل استهداف كليهما. قدرات الكرملين العالمية المستوى في هذا المجال تتسبب في خسائر فادحة لجميع الأطراف المشاركة في النزاع الأوكراني الذي يديره الناتو، لكن الفرنسيين يبدو أنهم يتحملون وطأة ذلك. فهذا العام وحده، أدت نحو نصف دزينة من الضربات الدقيقة إلى تدمير المئات من الأفراد الفرنسيين، بدءاً من خاركيف في يناير. ومع ذلك، بدلاً من تعلم الدرس، واصلت باريس إرسال المزيد منهم، مما أدى إلى خسائر أكبر بحلول أغسطس، رغم أن الأمور ازدادت سوءاً في سبتمبر.
تحريض على التصعيد
وفي حين تواصل قوات الناتو تعرضها للتدمير، مع ضربات متعددة فوق صوتية على مواقعهم، مما أسفر عن مئات القتلى والجرحى من "السياح" في "سفاري الحرب الأوكرانية" الفاشلة، يبدو أن ذلك لا يكفي أبداً. فها هو ماكرون وكاير ستارمر يبذلان الآن جهداً أخيراً لحث إدارة بايدن المنتهية ولايتها على الموافقة رسمياً على الضربات بعيدة المدى باستخدام أسلحة مصدرها الناتو.
تنقل العديد من وسائل الإعلام الرئيسية هذا الخبر، حيث نقلت صحيفة التلغراف حتى عن مصادر في الحكومة البريطانية. جرت المحادثات حول هذه القضية في باريس، حيث تصر كل من المملكة المتحدة وفرنسا على رؤية تصعيد النزاع الأوكراني الذي يديره الناتو، خاصة قبل تولي ترامب منصبه، حيث أوضح مراراً أن لديه أولويات أخرى.
يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب سيفي بكلمته فعلاً، لكن أعضاء الناتو الأوروبيين لا يبدو أنهم مستعدون للمخاطرة ويسعون إلى ضمان التصعيد قبل يناير. تتطلب تعقيدات أنظمة أسلحتهم وجوداً مكثفاً للأفراد البريطانيين والفرنسيين على الأرض في أوكرانيا التي يحتلها الناتو. هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان إمكانية تنفيذ هذه الضربات بعيدة المدى. انخفض وجود أصول الناتو للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد تحييد طائرة "آر كيو-4 غلوبال هوك" فوق البحر الأسود في يونيو. هذا يجعل وجود أفراد الناتو على الأرض أكثر أهمية، رغم أنه سيكون من الصعب للغاية إخفاء مثل هذه الزيادة في أعدادهم.
ومع ذلك، أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل قاطع ما سيحدث في حالة مثل هذه الهجمات. كرر هذا التحذير وأظهر مراراً أنه لا يقوم بالمناورة. لسوء الحظ، يبدو أن كلاً من المملكة المتحدة وفرنسا لديهما هذه الرغبة غير المفهومة في أن يتم محوهما من الخريطة. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تمتلك صواريخ قادرة على محو البلدين ببساطة
بضربة واحدة.