والد الشهيد مجيد قربانخاني:
الله تقبل الشهيد مجيد الغيور
مع تزامن تاريخ 20 نوفمبر، يوم «البطل الوطني» وذكرى انتصار جبهة المقاومة ونهاية سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، ستقوم مؤسسة الأبحاث والثقافة للثورة الإسلامية بتنظيم احتفال بهذا اليوم والاحتفال السابع عشر بالأدب الجهادي والمقاوم، ونشر تقاريظ سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي على ثلاثة كتب تتعلق بشهداء جبهة المقاومة بعنوان «إني معك»، «مجيد بربري» و«عشرون عاماً وثلاثة أيام». كتاب «مجيد بربري» يروي حياة الشهيد مجيد قربان خاني، الذي اشتهر بلقب حُرّ المدافعين عن المقدسات، وقد كُتب في 152 صفحة بقلم الكاتبة كبرى خدابخش دهقي، وتم نشره من قبل دار النشر «دار خوين» . وبهذه المناسبة أجرى موقع khamenei.ir مقابلة مع أفضل قربانخاني، والد الشهيد مجيد قربان خاني «مجيد بربري»، لإلقاء نظرة على حياة «حر المدافعين عن المقدسات». وننشر هنا ملخص من هذه المقابلة:
مجيد كان الإبن الوحيد في العائلة ولديه أختان؛ واحدة أكبر منه وواحدة أصغر. كانت علاقته بي وبوالدته وأخواته جيدة جداً. إذا كان هناك شخص في الحي يشعر بالحزن أو لديه مشكلة، كان يقول مجيد إنه يشعر بصداع عندما يرى مشاكل ذلك الشخص. كان إنساناً يساعد الآخرين بقدر استطاعته، ولم يكن يبخل بشيء من ممتلكاته لمساعدة الناس. على سبيل المثال، إذا أراد أي شخص في الحي نقل شيء أو الإنتقال، كانت سيارته متاحة لهم بدون أي مقابل، كان مجيد يتمتع بالكثير من هذا السخاء، وقد
اختاره الله.
كيف كانت علاقتك مع الشهيد مجيد؟
عندما كبر مجيد وبدأ يتعرف على نفسه، قلت له: "مجيد، صحيح أننا أب وإبن، لكن افترض أننا أصدقاء، دعنا نعيش معًا كأصدقاء." أدرك ما قلته، وأصبحنا معًا مثل رفيقين. كان يناديني ووالدته بأسمائنا، وقليلاً ما ينادينا بأبي وأمي، كنا نتعامل معه بهذه الطريقة. فعلت ذلك حتى لا يخفي عنا شيئًا إذا ارتكب خطأً أو قام بعمل جيد، وأن يتحدث معنا بصدق. كنت أقول له، أنه مهما فعل، لا توجد مشكلة، سواء كان الأمر جيدًا أو سيئًا، كنا نتشاور ونتحدث مثل صديقين، من هذه الناحية، كان مجيد حقًا مرتاحًا معنا وكان يكن لنا احترامًا كبيرًا.
عندما ننظر إلى الشهداء من بعيد، تبدو خصائص العديد منهم متشابهة؛ ولكن عندما نتعمق قليلاً في حياتهم، نرى أن كل واحد منهم كان لديه خصائص أخلاقية خاصة به.
ما هي الخصائص الأخلاقية التي يمتلكها مجيد والتي جعلت الله تعالى، يشتريه؟
يقولون إن الشهادة لا تُعطى بمناسبة، بل تُعطى بثمن. دائماً باب الشهادة وإعطاء الروح من أجل الإسلام مفتوح. ربما يتأخر قليلاً أو يتقدم، ولكن دائماً ممكن. كان لدى مجيد لقب "مجيد بربري" الذي يحمل كتابه نفس الإسم. لماذا كانوا يسمونه بـ "مجيد بربري"؟ كان لديه دخل جيد، كنا نحن أيضاً في ذلك الوقت نمتلك دكاناً في سوق الحديد. وكان لديه أيضاً مقهى يذهب إليها بعد الظهر. ولكنه كان عصر كل يوم يتركها لعماله ويقف أمام مخبز عمي لبيع خبز البربري (نوع من الخبز في إيران). كان الناس يأتون ويقولون: سيد مجيد، أعطني اثنين من البربري، أو ثلاثة من البربري؛ لذا بقي هذا اللقب مصاحباً له. الآن، ما هي النية التي كان يذهب بها إلى هناك؟ هذه النية مهمة. نحن نجلس في مناطق جنوب طهران، المنطقة 18، وتضم هذه المنطقة أناساً فقراء وأيضاَ يسكنها أغنياء. كان سيد مجيد يعطي الناس الفقراء الخبز ويدفع ثمنه بنفسه. وكان هذا أحد أعمال الإمام علي(ع)، كان مجيد يقوم بذلك حتى لا ينام الناس جوعى.
تفضلتم بأن الشهيد كان لديه مقهى خاص، ماذا حدث حتى قرر فجأة الذهاب إلى سوريا؟
جاء الشهيد يومًا إليّ وقال: سيد افضل! (كان يناديني باسمي) أريد أن أذهب إلى سوريا. قلت: مجيد، حتى السيد عبدالعظيم لا يسمح لك بالدخول، فأين سوريا وأين أنت! حسنًا، كنت أعرف إبني. ف مجيد كان لديه وشم على يديه. قال: سأذهب. قلت: مجيد لن يأخذوك. في الحقيقة، لم نكن راضين أيضًا عن ذهابه، لأنه كان الإبن الوحيد في المنزل. شارکت بنفسي في الحرب المفروضة، وعندي معرفة كبيرة بالأسلحة. قلت له: سأذهب بدلاً منك. لم نكن نصدق
أنه سيذهب.
تعرف الشهيد مجيد في مقهاه على شاب يُدعى مرتضى كريمي، هو أيضًا استشهد. كان صديقًا مقربًا لمجيد. وكان كريمى مداحًا ويقيم مجالس عزاء، في يوم من الأيام، دعا مجيد إلى مجلسه. في تلك الليلة التي ذهب فيها الشهيد مجيد، قرأوا عن المدافعين عن المقدسات. ويقول أصدقاؤه، بكى مجيد كثيرًا حتى ساءت حالته. عندما أفاق، قال: "هل نحن أموات حتى يتجرؤون على حرم السيدة زينب(س) والسيدة رقية(س)؟ يجب ألا ينقص من هناك حتى طوبة واحدة؛ هل نحن أبناء الشيعة أموات حتى تتكرر الأحداث التي حصلت قبل 1400 عام مرةً أخرى؟" في تلك اللحظة، قال إنه يريد الذهاب إلى سوريا وسجل إسمه. منذ ذلك الحين، انضم مجيد مع صديقه مرتضى إلى لواء السيدة الزهراء(س) للقيام بأنشطة في التعبئة تخوله الحصول على بطاقته، ثم ذهب للتدريب، وأخيراً ذهب إلى سوريا.
هل لديك ملاحظة حول الكتاب الذي نُشر عن الشهيد مجيد؟
بعد سنتين من استشهاد مجيد جاءت السيدة خدابخش إلى منزلنا وعرفتنا بنفسها، قالت أنها جاءت من نجف آباد في أصفهان ورأت مجيد في المنام الذي قال لها "لماذا لا تذهبين لتكتبي كتاب لي؟" وهكذا بدأت كتابة هذا الكتاب. قامت السيدة خدابخش بإجراء مقابلات معي ومع زوجتي وبناتي وأبناء عمومتي وأصدقاء مجيد، ووفقاً لهذه المقابلات كُتب الكتاب. كتاب مجيد حجمه صغير ولكنه ذو معنى عميق. عندما تقرأ هذا الكتاب، تضحك في صفحة وتبكي في الصفحة التالية، إنه كتاب مثير جداً وقصته حقاً
تعكس الحقيقة.
هل ترغب في أن تخبرنا كيف استشهد مجيد؟
ذهب مجيد إلى سوريا مرة واحدة فقط، وبقي هناك لمدة سبعة أيام، وفي اليوم الثامن استشهد في منطقة خان طومان. نحن ذهبنا بأنفسنا إلى مكان استشهاده، وكان لا يزال هناك مسلحون على بعد خمسمائة متر من مكان استشهاده.
وصل خبر استشهاده إلى بعض أفراد الأسرة، ولم يكن بإمكانهم إخبارنا. كان الإبن الوحيد وذهب في تلك الظروف. كان كل شخص يقول شيئًا. قال أحدهم إن مجيد محاصر، وقال آخر إنه سيفرج عنه بعد عدة أيام. كانت ليلة جمعة عندما ذهبت إلى مقبرة الشهداء في "يافت آباد" لزيارة قبر والديّ. هناك جاء أولاد خالي، وضع أحدهم يده على جبهته واستند إلى شجرة وقال: "آه مجيد." حينها في ذلك المكان فهمت أن مجيد قد استشهد مئة بالمئة. وبعد عشرة أيام جاؤوا إلى منزلنا وأعلنوا رسميًا عن استشهاد مجيد. سألنا عن جثمانه فقالوا ما زال في الجبهة وسنحضره لاحقاً، لكن لم يحدث ذلك.
استشهد مجيد مع إثني عشر شخصًا آخر. نتيجة للحصار، سحب الشباب جثماني شهيدين معهم وبقيت بعض الجثامين هناك. وجاء المسلحون في المساء ومن بين هذه الجثامين الإحدى عشر، أخذوا فقط جثمان الشهيد مجيد إلى مدينة إدلب في سوريا. لقد شاهدت الفيلم الخاص بالشهيد، علق المسلحون الشهيد من رأسه وقدميه على الشجرة، وأطلقوا النار على جسده، وقطعوا رأسه، وقطّعوا جسده إلى أشلاء ثم أضرموا النار فيه. أنا سعيد لأنه استشهد من أجل السيدة فاطمة الزهراء(س) والسيدة زينب(س) والإمام الحسين(ع). كان لدي مجيد واحد، لكن لو كان لدي عشرة من أمثال مجيد، لكنت قدمتهم من كل قلبي في سبيل أهل البيت(ع).
قبل أن يتوجه إلى سوريا، أحضروا شهيدًا يدعى الحاج محسن فرامرزي ليدفن في محلتنا. ذهبنا مع الشهيد لحضور مراسم تشييعه ترافقنا زوجتي وشقيقتي، أثناء الدفن قال الشهيد مجيد لعمته: "عمتي العزيزة ، سأذهب إلى سوريا بعد أسبوعين وسأستشهد بعد أسبوع. إذا أحضروا جثماني، ادفنوها هنا." وعندما سألته لماذا يصر على الذهاب فأجاب: " الحقيقة أن السيدة فاطمة (س) جاءت في منامي، وقالت إذا جئت إلى سوريا ستبقى معنا أسبوعًا." وهكذا حدث. بقي في سوريا لمدة سبعة أيام، وفي اليوم الثامن استشهد، مجيد الذي كان وزنه حوالي مئة كيلوغرام وطوله قريب من متر وثمانين، عندما أحضروه لم يكن سوى بعض العظام في تابوته، ولم يكن يزن سوى أربعة أو خمسة كيلوغرامات. تخيلوا شخصًا يكبر أمام أعينكم منذ يوم ولادته، حتى يصبح عمره 25 عامًا، ثم في غضون سبعة أيام لا يتبقى منه شيء؛ لا شيء. أشعر بالحزن ولكن أفتخر به كثيراً.
الشهيد مجيد أصبح قدوة لشباب العالم
اتصل بنا شباب من الهند والذين كانوا يدرسون في الحوزة العلمية في مدينة مشهد المقدسة وأخبرونا أن الشيعة هناك أقاموا مراسم العزاء له. لقد جذب الشهيد الشباب الغيورين والشباب الثوريين، يقول الشباب الثوريون إن مجيد الذي كان شاباً غيوراً قد استشهد، فلماذا نبقى نحن في الخلف؛ والشباب الغيورين يفتخرون بالشهيد الذي كان منهم ويقولون لماذا لا نذهب، مجيد لديه الكثير من المحبين، لا يوجد أحد لا يعرفه.
ويختم والد الشهيد حديثه بالقول جميع الشهداء أعزاء، وأغلى ما يملكه الإنسان هو حياته التي ضحى بها لإنقاذ الآخرين، جميع الشهداء أعزاء علينا، ولكن بعضهم معروفون أكبر، والشباب يميلون إليهم بشغف أكبر. لذا يجب على المسؤولين أن يعملوا على التعريف بهؤلاء الشباب بشكلٍ أفضل. فلدى جميع الشهداء شيء في داخلهم دفعهم للذهاب بقلوبهم وأرواحهم ليصبحوا شهداء، هل تم تقديمهم بشكل جيد للناس؟ كان لديهم أيضًا زوجات وأبناء، وكان لديهم آباء وأمهات، وإخوة وأخوات. لماذا ذهبوا ليصبحوا شهداء؟ يجب على الكُتاب، وأولئك الذين يمسكون بالقلم، وأولئك الذين يجيدون الحديث والتعبير، أن يتحدثوا بهذه الأمور للناس وأن لا يقصروا في حق الشهداء.