بيروت.. الصبر والصمود
ستنشر ”الوفاق” على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء الأول من هذه السلسلة:
د.محمد علي صنوبري
إن أجواء هذه الأيام في بيروت تعطي إحساساً غريباً للإنسان. یتابع الناس حياتهم العادية، يقاومون، يصبرون؛ لكن يمكن الشعور بوضوح بفراغ وفقدان عظيم؛ هو فقدان الأب، فقدان الكبير، فقدان القائد، فقدان السيد.
على الرغم من أن المقاومة بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله(قدس) قد واصلت مسيرتها بشكل أقوى من أي وقت مضى، إلا أن الجرح العاطفي والمعنوي الذي أصاب أنصار المقاومة من كل دين وطائفة لیس بسهل ولا يمكن تعويضه.
قضيت بعض الوقت في التقرب من الناس في المناطق التي يسكنها أبناء الطائفتين السنية والمسيحية في بيروت، وكان هدفي هو جسّ نبض الحالة الاجتماعية في هذه المناطق.
في البداية، ومع إدراكي للعقليات والأفكار والصور النمطية السائدة، كنت أتحفظ عن الخوض مباشرة في الحديث حول المقاومة وحزب الله والسيد حسن نصر الله. كنت أمارس نوعاً من الرقابة الذاتية والتحفظ، ومن خلال بعض المحادثات مع الناس، سواء سائقي التكسي أو أصحاب المتاجر أو الشباب الذين يدخنون النرجيلة والتبغ على الرصيف أو الذين يمارسون الرياضة على الشاطئ، لاحظوا لهجتي غير اللبنانية وحاولوا أن يخمنوا من أي بلد عربي أتيت.. فكنت أُبسّط الأمر عليهم وأُعرّف نفسي بأنني إيراني.
المثير في الأمر هو أن السؤال الذي كان یتبادر إلى أذهانهم فوراً هو: ماذا تفعل هنا الآن؟ هل جئت للسياحة؟ وكانت إجابتي واضحة: "أنا صحفي وناشط إعلامي، وقد أتيت للتو". وبعد التعريف بنفسي، كان أول سؤال أواجهه، وربما كان يسأله تقريباً جميع الأشخاص الذين تحدثت معهم في بيروت هو: "ما مصير هذه الحرب؟"، هذا يعني أن الحرب هي الهمّ الأول الذي يشغل أذهان جميع الفئات والطوائف والأجيال في لبنان، وأن هناك حالة من الترقب تسود.
وکان هذا السؤال يوفر لي مساحة جيدة للدخول في النقاش الرئيسي بشکل أعمق وبدء قياساتي الاجتماعية.
يُتبع...