تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
بين التصريحات والمصالح
كيف سيتعامل ترامب مع أفغانستان؟
مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأربعاء الماضي، والتي أسفرت عن عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد تفوقه على كامالا هاريس، عاد التركيز مرة أخرى إلى طبيعة العلاقة بين كابول وواشنطن في عهد ترامب.
هل يمكن التنبؤ بسياسة إدارة ترامب تجاه حكم طالبان؟ من بين الفرضيات المطروحة قبل وبعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية حول سياسة ترامب تجاه كابول، أيها أقرب إلى الواقع الآن؟ هل ستسعى سياسته الجديدة إلى فرض قيود على دول المنطقة في علاقاتها مع أفغانستان؟
سياسة عاصفة؟
قبل فوزه على كامالا هاريس وانتخابه رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، صرح ترامب في أحد خطاباته الانتخابية قائلاً إنه في يوم تنصيبه، يجب أن تكون استقالات جميع العسكريين المتورطين في كارثة الانسحاب من أفغانستان على مكتبه.
هذه التصريحات، وتكرار عبارة "الانسحاب المخزي" لوصف عملية إجلاء القوات الأمريكية من أفغانستان، والانتقادات المتكررة للعلاقات الأفغانية-الصينية، حيث يزعم ترامب أنهم "استولوا" على قاعدة باغرام الجوية – هذه التصريحات عززت التكهنات بين المحللين والخبراء السياسيين في الشأن الأفغاني بأن عودته إلى قيادة البيت الأبيض ستكون بداية لسياسة عاصفة تجاه طالبان، وأنه سيضيق الخناق على حكومة كابول ويفتح فصلاً جديداً، وإن كان بتكلفة مالية وبشرية للأفغان.
رجل صفقات
في مقابل هذه النظرية التي تربط دخول ترامب البيت الأبيض بتغييرات عاصفة وفورية تجاه أفغانستان، هناك نظرية أخرى تستند إلى تحليل شخصية ترامب ونفسيته.
وفقاً لهذا الرأي، فإن مقولة "ترامب رجل أعمال" حقيقة واقعية ظهرت بوضوح في حياته السياسية السابقة. فقد تخلى بسهولة عن المعاهدات الدولية تحت شعار "أمريكا أولاً"، وانسحب من التزامات وقّع عليها رؤساء أمريكيون سابقون، وهدد شركاءه الأوروبيين، وزار الشرق الأوسط بقائمة طويلة من المعدات العسكرية.
على هذا الأساس، وخلال تعامله مع طالبان وحكومة أشرف غني ذات التوجه الغربي، مهد الطريق لـ"محادثات الدوحة" والاتفاق مع طالبان لإنهاء النفقات الباهظة لبلاده في أفغانستان.
ترامب على دراية بالوضع الجيوسياسي في أفغانستان، ولديه مخاوف من العلاقات الأفغانية مع محيطها كالعلاقات مع الصين المتمثلة في مبادرة "الحزام والطريق"، ويهتم بمراقبة المنطقة من خلال التواجد في باغرام. هذه العوامل، إلى جانب شخصيته التجارية، قد تمنعه من اتخاذ أي إجراءات متسرعة وانفعالية تجاه طالبان.
في كابول، هناك دوافع مختلفة تجعل الرغبة في مواجهة واشنطن إما غير موجودة أو ضعيفة جداً. فعلى الرغم من أن طالبان أخرجت العدو التقليدي لإيران وروسيا والصين من المنطقة، إلا أنها لم تنجح في كسب دعم طهران وموسكو وبكين كما كان متوقعاً خلال السنوات الثلاث الماضية.
إذا حصل ترامب على ضمانات ولو بسيطة من كابول للحد من نفوذ منافسيه التقليديين في أفغانستان، فمن المستبعد أن تصر أمريكا على تشكيل حكومة شاملة أو أن تثير قضايا حقوق المرأة وتعليمها (وتلعب شخصية ترامب المعادية للمرأة دوراً مهماً في
هذا السياق).
وقد أشارت وزارة الخارجية الأفغانية في بيانها الأخير إلى تطلعها لمثل هذا التطور المحتمل، مذكّرة بأن محادثات الدوحة بدأت في عهد ترامب، وطالبت منه إعادة النظر في سياسته تجاه طالبان والالتزام بتعهداته السابقة في اتفاق الدوحة لفتح فصل جديد في العلاقات بين كابول وواشنطن.
في الوقت نفسه، أكدت طالبان أن كابول تتخذ هذا الموقف على أساس احترام مبدأ السياسة المتوازنة في العلاقات مع الدول الأخرى. وعليه، ليس من المستبعد أن نشهد في فترة رئاسة ترامب الجديدة ميلاً أكبر من جانب الولايات المتحدة للتعامل مع طالبان.
مستقبل معقد
يتضح مما سبق أن مستقبل العلاقات الأمريكية-الأفغانية في عهد ترامب الجديد قد يكون أكثر تعقيداً مما يتوقع البعض. فبين النهج العملي الذي يميز شخصية ترامب كرجل أعمال، والضغوط الجيوسياسية في المنطقة، تبدو فرص التعاون والحوار أكثر ترجيحاً من سيناريوهات المواجهة المباشرة. ومع ذلك، يظل المشهد مرهوناً بعدة عوامل، أهمها:
- مدى التزام طالبان بالضمانات الأمنية التي قد تطلبها واشنطن.
- تطور الدور الصيني والروسي والإيراني في المنطقة.
- قدرة حكومة طالبان على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية.
- المصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية في المنطقة.
وفي النهاية، يبدو أن المصالح المشتركة والواقعية السياسية قد تفرض نفسها على الخطاب السياسي المتشدد، مما قد يؤدي إلى علاقة براغماتية تحكمها المصالح المتبادلة أكثر من الأيديولوجيات والمواقف المعلنة.