كاتب فلسطيني للوفاق:
لا وجود لمقاومة بدون أدبها.. والقمع السلطوي عدو الأدب الأول
وُلِدت المقاومة مع الإنسان، وظلت ملازمة له منذ نشأة الخليقة، لأنه مخلوق مقاوم بطبعه وفطرته لكل ما يحسبه عنصرًا يعمل ضده، إن كان هذا العنصر ينتمي إلى محيطه، وبيئته، أو كان من المجموعات الإنسانية أو الطبيعية الأخرى. وبما أنّ اللغة كانت ولا تزال تشكّل إحدى أدوات التواصل والمواجهة؛ فإنّ الانسان استخدمها كعنصر مؤثّر في الدفاع عن النفس. ونجد في التاريخ شواهد عدة لتأثيرها، وقد تحولت فيما بعد إلى أدب وشعر وخطابة وغيرها. لذا من الممكن القول إنّ أدب المقاومة هو التعبير بواسطة اللغة التي استحالت نصًّا ومنصةً للدفاع عن الإنسان في معركته مع الآخر المعتدي، والمعتدي هنا على فلسطين وبلادنا العربية منذ وجوده إلى الآن هو الكيان الصهيوني الغاصب، وفي هذا السياق وحول أهمية الأعمال الأدبية التي لا تقل قيمةً ولا أهميةً ولا شجاعة عن أي عمل مقاوم سهر الليالي، ليزرعَ عبوة تُحيل المحتل أشلاءً، حاورت صحيفة الوفاق الكاتب الفلسطيني خالد بركات، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
الأدب الفلسطيني أدب أممي
يؤكد الكاتب بركات :"لا يمكن فصل الأدب في فلسطين عن قضية الشعب الفلسطيني وخصوصاً في المئة سنة الأخيرة لأن الأدب الفلسطيني مرتبط بشكل أساسي ووثيق مع الحالة الفلسطينية خصوصاً في مواجهة الاستعمار الصهيوني والاستعمار بشكله العام، ولذلك الأدب الفلسطيني تصدى لأوضاع الشعب الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ارتباطاً بالمسألة الوطنية، هذا لا يعني أنه كان فقط أدب مقاوم ولكن هناك العديد من مصادر هذا الأدب سواءً الأدب الثوري في مختلف أشكاله الشعر الرواية القصة الفيلم السينمائي المسرح وتحديداً بعد العام 1948 لأن أوضاع الشعب الفلسطيني انتقلت جذرياً من حالة شعب موجود فوق وطنه يناضل ضد الاستعمار إلى مجتمعات فلسطينية متعددة فأصبحنا أمام أسئلة متشعبة، هناك أدب فلسطيني في السجون من الأسرى الفلسطينيين على سبيل المثال وهناك فلسطينيون وفلسطينيات يكتبون أدب فلسطين في المنفى وأحياناً بلغة غير لغتهم العربية، وبالتالي أصبح الأدب الفلسطيني بفعل واقع الشتات يناقش قضايا الإنسان متجاوزاً حتى الموضوع الإنساني الفلسطيني ولذلك أعتقد أن الأدب الفلسطيني بطبيعته أدب أممي".
العدو الصهيوني يبعد المثقفين قتلاً ونفياً خوفاً منهم
يؤكد الكاتب الفلسطيني بركات:"العدو الصهيوني يخاف من أدب يرتكز بالدرجة الأساسية على جوهر الإنسان والحقوق، فعندما يكتب على سبيل المثال الكاتب الأديب الثوري غسان كنفاني عن فلسطين وعن المجتمع الصهيوني فهو ينتقد الأدب الصهيوني على أنه أدب عنصري أُسس لمجتمع الكيان الصهيوني العنصري، لذلك يقدم العدو الصهيوني على قتل هذا الروائي المثقف الثوري، ومن المهم هنا أن نتذكر أن الكيان الصهيوني أول من استهدف بعمليات الإغتيال كان الأدباء والمثقفين والكتاب والشعراء مثل "كمال ناصر" "غسان كنفاني" "عز الدين قلق" "محمود الهمشري" وعشرات الأسماء من المثقفين الفلسطينيين من روائيين وشعراء، لأنه كان يخاف من الأدب الذي ينتج في الشتات وفي الأرض المحتلة واجه أيضاً معضلة كبيرة فيما يتعلق بالكتّاب والشعراء الفلسطينيين، ولذلك كان باستمرار يَقدم على اعتقالهم وعلى زجهم في السجون وأحياناً قتلهم أو نفيهم وإبعادهم عن فلسطين".
الأدب في خدمة المقاومة
يعتبر الكاتب بركات:" فيما يتعلق بأدب المقاومة نحن لا نستطيع أن نتخيل المقاومة دون وجود أدب للمقاومة ومن هنا تنبع أهمية الأدب المقاوم، ولكن لا يمكن للأدب أن يحل مكان المقاومة العسكرية إذ يجب أن يكون الأدب في خدمة المقاومة لا أن تكون المقاومة في خدمة الأدب. ولكن من المهم فيما يتصل بالعلاقة بينهم الأدب وبين المقاومة العسكرية أن يكون دور الأدب شارحاً ومفسراً لها، عندما نريد أن نفهم لماذا يقاتل الفلسطينيون ولماذا يقاتلون بهذه الطريقة يمكن للسينما وللفيلم وللمسرح وللكتابة أن تشرح وتعطي أجوبة أشمل من الجواب السياسي المباشر الذي لا يُحقق أحياناً الغرض المطلوب، مثلاً إذا أردنا أن نعرف أكثر عن حالة الفلسطيني فيما يتعلق بالمنفى والعودة يمكن أن نقرأ رواية "عائد إلى حيفا" أو نقرأ شعر لأحد شعراء المنفى ونسمع أغاني السيدة فيروز ومارسيل خليفة أو أغاني فرقة العاشقين لنعرف ارتباط الفلسطيني بوطنه عبر المقاومة العسكرية المسلحة وأن تشرح هذه الأشكال من الأدب لماذا يقاتل الفلسطينيون
عسكرياً".
الكاتب موقف أولاً وأخيراً
يلفت الكاتب بركات :"هناك أدباء ثوريون وهناك أدباء إصلاحيون وهناك أدباء ممكن أن يكونوا عملاء للغرب والصهاينة حتى لو كانوا مبدعين، ففكرة الإبداع ممكن تجييرها لصالح خدمة مشروع معادٍ، فيُمكننا أن نشاهد فيلماً سينمائياً يطرح قضية لا يخدم فيها فلسطين ويكون الفنانون المشاركون فيه معروفين ومشهورين بل وقد ينجح الفيلم تقنياً وحتى جماهيرياً، ولكن هذا لا يعني بأنه كان فيلما يخدم أو يشرح أو يحلل أو يقدم صورة حقيقية، وهنا الإشكال فيما يتعلق بالتطبيع فهناك مقولة أن المثقفين أكثر شريحة تملك القدرة على تبرير الخيانة، برأيي أنها مقولة صحيحة لأن المثقف يمكن أن يكون أحياناً مأجورا، هناك مثقف السلطة وهناك مثقف فوري، هناك أمثلة ونماذج كثيرة يمكن أن نتناولها مثلاً أحد أهم الكتاب الثوريين الفلسطينيين هو الشهيد الفنان رسام الكاريكاتير "ناجي العلي" فمعظم ما انتجه هذا المثقف كان نقداً للحالة الفلسطينية وللقيادة الفلسطينية حينها، وحالياً هو من أكثر الفنانين شهرةً في فلسطين وهو مخلد والشعب الفلسطيني يعتقد بأنه كان ضمير الشعب الفلسطيني ولكن عندما كان حياً لم يكن ينتمي بالضرورة إلى حزب أو يملك شعبية كما هو الحال الآن، هنا انتقل الكاتب بمصداقيته إلى هذه المرتبة بالدم عندما قدم حياته واغتيل في لندن لأنه كان مؤثراً، في الجهة المقابلة هناك كتاب وفنانون لا عمل لهم سوى تبرير ما يقوم به السياسي الفلسطيني وقيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وهم مشهورون ومعروفون، ولكن ينساهم الشعب الفلسطيني ولا يتذكرهم والمسألة هنا أن الكاتب هو موقف أولاً وأخيراً والأدب هو موقف أولاً وأخيراً".
الأدب جزء من المشروع الثوري
يؤكد الكاتب بركات بأنه من المهم جداً أن ننظر إلى الأدب كجزء من المشروع الثقافي التحرري أي لا يوجد أدب ثوري دون وجود مشروع سياسي ثوري والأدب مهمته أن يصوب السياسي وأن يكون جزءا من مشروع ثقافي تحرري فإذا كان هناك مشروع ثوري سياسي سيجد بالضرورة مشروع أدبي ثوري يلازمه مثل ظله ويعمل على نقده وعلى الحوار حتى لو أحياناً كان الحوار قاسٍ ولكن مهمة الأدباء العرب في مرحلة من المراحل كان بعضهم يذهب إلى تبرير سياسات السلطة حتى لو كانت معادية للعدو الصهيوني والاستعمار وهذا ما لا نريد نحن نريد أدب يصوب ويطور المشروع السياسي باستمرار وأن يكون جزءًا فاعلاً في حياة الناس اليوم مثلاً لا نجد أي حضور جدي للمسرح في العالم العربي، أقصد المسرح الجاد الثوري وحتى المسرح الكوميدي بالمعنى الثوري الساخر هذا غير موجود ومحاصر لأنه يتعرض إلى حالة غير مسبوقة من القمع على يد الأنظمة العربية ولكن نجد في الوقت نفسه حالة من حالات الدفع بالأدب الرخيص والأغاني الهابطة ويوجد أكثر من 800 فضائية عربية تحاول إنتاج ثقافة بائسة لا تعمل بالضرورة على تبيان ارتباط الإنسان العربي بقضاياه سواء المحلية أو قضية فلسطين أو حتى دور الإنسان العربي بالمعنى العام، ولذلك نجد بأن حالة الأدباء العرب اليوم هي حالة صعبة وأكاد أقول أنها تحتاج إلى ثورة في الأدب العربي يشارك فيها الأدباء العرب وأن لا يجلسوا في أبراج عاجية ويناقشون قضايا الشعب بدون أن يكونوا جزءا من حركة سياسية
شعبية مناضلة في الشارع".
يظن الكاتب بركات:" أن كل الأشكال الأدبية والأجناس الأدبية سواء في الرواية أو النص المفتوح النثري أو القصة القصيرة أو الشعر تراجع وخاصةً الشعر والذي كان يعد باستمرار ديوان العرب ديوان الأدب وهو الشكل الذي يصل إلى الناس بسرعة عندما يكون شعراً جيداً في وقته وسواء نتحدث عن الشعر بالمعنى السياسي الثوري أو نتحدث عن الشعر بالمعنى الإنساني، في إيران على سبيل المثال هناك سعدي هناك حافظ وعدد من الشعراء المهمين والذين يعرفهم الشعب الإيراني إلى الأن ويحفظ نصوصهم الشعرية وكذلك في العالم العربي عندما نتحدث عن "بدر شاكر السياب" و"محمود درويش" " أمل دنقل" وغيرهم فضلاً عن الشعراء يعني بالمعنى التاريخي المتنبي أبو العلاء المعري وغيره، لكن الكل تراجع لأنه عندما يتراجع الاقتصاد والسياسة والاجتماع بالضرورة أن يتراجع الأدب لكنه يكون سباق من أجل الكشف عبر مختلف الأجناس الأدبية سواء في المسرح أو الرواية أو الشعر أين يكمن الخلل، ومن المهم أن لا يكون هناك شعر فقط من أجل الشعر ولكن أن يكون هناك الشعر الذي يستطيع أن يكون أداة للتغيير وتحرير العقول وأن يكون هناك شعراء شجعان في مواجهة السلطة وهذا للأسف ما نفتقده في هذه المرحلة باستثناء يعني بعض الأسماء فضلاً عن ذهاب الناس إلى ثقافة سريعة تشبه الأكلات السريعة، فأصبحنا أمام حالة من الأدب يشبه أدب مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، وهو أدب ركيك ورخيص ولا يقدم أي شيء".
القمع السلطوي عدو الأدب الأول
يؤكد الكاتب بركات:" في الواقع نحن بحاجة إلى نصوص أدبية تنتقل إلى السينما وإلى التلفزيون وإلى معظم أدوات التعبير الفني وأشكال التعبير الفني ولكنّا اليوم أكثر ما نعانيه من قمع السلطة للنصوص الأدبية وهي التي تملك كل هذه الفضائيات التلفزيونية وبالتالي عندما ينتج أحد الكتّاب أو الكاتبات العربيات نص يمكن تحويله إلى سينما نجد أمامه العديد من المعوقات وعلى رأسها القمع، وثانيها افتقاد التمويل للمشاريع المعبرة عن قضايا الناس بعكس الأفلام الهابطة التي يتوفر لها التمويل بل يُسوق لها، ولذلك نجد بأن العديد من الأدباء وخاصةً الشباب يساوم على الأفكار وعلى المواقف السياسية من أجل إيصال أدبهم إلى السينما ثم ما يلبث أن يتحول الأدب من حالة متقدمة هدفها النقد إلى حالة أخرى تماماً، لذا يجب دعم الكتّاب الشباب والسينمائيين مما يسمح بتقديم سينما جيدة دون تقديم أي تنازلات لأي سلطة أو لأي أحد".
ويختم الكاتب بركات بأنه:" يجب أن نقدم أدباً يعالج قضايانا ويقدم حلول لها من منظورنا وأن يكون موجه إلى الجماهير العربية وليس إلى الغرب وأن نكتب بأصابعنا وليس بأصابع الآخرين".