في ظل التنافس الهندي الباكستاني
هل سيشعل سباق التسلح صراعات جديدة في القوقاز؟
أصبحت منطقة جنوب القوقاز ساحة معركة جديدة للتنافس الاستراتيجي بين الهند وباكستان. يسعى البلدان إلى توسيع نفوذهما من خلال توريد الأسلحة إلى أرمينيا و جمهورية أذربيجان. وقد يؤدي هذا السباق التسلحي إلى تغيير التوازن العسكري ويقوض بشكل محتمل جهود السلام في المنطقة.
منافسة وتوريد للأسلحة
ظهرت الهند كأكبر مورد للمعدات الدفاعية لأرمينيا بصفقات أسلحة تقدر بنحو 600 مليون دولار في السنوات الأخيرة. باعت الهند لأرمينيا أنظمة صواريخ "بيناكا" متعددة الإطلاق، وأنظمة دفاع جوي "أكاش"، وصواريخ مضادة للدبابات. كما ستقوم الهند بتسليم 90 مدفع هاوتزر ATAGS إلى أرمينيا خلال السنوات الثلاث المقبلة.
في المقابل، عززت باكستان علاقاتها مع جمهورية أذربيجان من خلال تعاون عسكري متنوع. باعت باكستان طائرات مقاتلة من طراز "ثندر JF-17" إلى باكو، وبدأت منذ عام 2016 في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة وتدريب العسكريين الأذربيجانيين، مما أدى إلى تعزيز وتطوير التعاون العسكري بين البلدين.
وقد وصل مجال المنافسة بين باكستان والهند من جنوب آسيا إلى جنوب القوقاز، حيث يسعى البلدان إلى إبرام صفقات أسلحة مع أرمينيا و جمهورية أذربيجان لتعزيز قدراتهما العسكرية والدفاعية. مر الآن حوالي عام منذ أن سيطرت جمهورية أذربيجان على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها مع أرمينيا، وهو ما زاد من غموض مستقبل جنوب القوقاز.
باكستان وجمهورية أذربيجان
في السابع والعشرين من سبتمبر 2024، أنهى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف سنوات من التكهنات حول ما إذا كان بلده سيشتري مقاتلات من باكستان عندما نزل من قمرة قيادة مقاتلة "ثندر JF-17" باكستانية حديثة التسليم في مطار حيدر علييف الدولي في باكو. وفي اليوم التالي، أعلن الجيش الباكستاني عن توقيع عقد لبيع مقاتلات أحادية المحرك متعددة المهام إلى جمهورية أذربيجان، لكنه لم يكشف عن عدد المقاتلات المشمولة في العقد.
ذكرت وسائل الإعلام الأذربيجانية والباكستانية أن هذه أكبر صفقة لباكستان لبيع طائرات مقاتلة إلى أذربيجان بقيمة 1.6 مليار دولار، لكنها لم تكشف عن عدد الطائرات. ستقوم باكستان أيضاً بتوفير الذخيرة وتدريب الطيارين الأذربيجانيين. تقدر تكلفة المقاتلة الواحدة من طراز "ثندر JF-17" بنحو 24 مليون دولار.
يُقال إن مقاتلات "ثندر JF-17" قادرة على اختراق نظام الدفاع الجوي S-300. يعتقد بعض المحللين العسكريين أن مقاتلات "ثندر JF-17" تعادل مقاتلات MiG-29 وSu-25. أحدث طراز من "ثندر JF-17" قادر على حمل ثمانية صواريخ ومجهز برادارات حديثة وأنظمة حرب إلكترونية.
شراء المقاتلات من باكستان وأنظمة الدفاع الجوي من الهند زاد من احتمال نشوب موجة جديدة من الصراع في جنوب القوقاز. باكستان والهند متنازعتان على كشمير منذ عقود، مما دفع إسلام آباد إلى تحسين قدراتها في حرب الجبال. تشير بعض التقارير إلى أن باكستان ساعدت في الاستراتيجية العسكرية لأذربيجان من خلال إرسال مستشارين عسكريين ذوي خبرة في حرب الجبال اكتسبوها خلال عقود من الصراع مع الهند في كشمير.
إن حصول جمهورية أذربيجان على مقاتلات "ثندر JF-17"، المنتج المشترك بين باكستان والصين، يرجح الميزان العسكري لصالح جمهورية أذربيجان ويجعل أرمينيا أكثر ضعفاً. لمواجهة هذا التهديد، لجأت أرمينيا إلى تعزيز أنظمتها الدفاعية. بعد هجوم أذربيجان واحتلال كاراباخ، ساءت العلاقات بين روسيا وأرمينيا، حيث اتهمت يريفان موسكو بعدم دعمها ضد هجوم باكو على كاراباخ.
الهند وأرمينيا
دفع التعاون الدفاعي الذي تشكل في عام 2021 بين باكستان وجمهورية أذربيجان وتركيا الهند إلى إيجاد أوجه تشابه بين صراعات كشمير وناغورنو كاراباخ الجبلية وزيادة مبيعاتها العسكرية إلى أرمينيا. على وجه الخصوص، أدى حصول أذربيجان على مقاتلات JF-17 إلى دخول أرمينيا في مفاوضات مع الهند - المنافس التقليدي لباكستان - لسد بعض الثغرات الأمنية والدفاعية.
في أبريل 2021، أعلنت أرمينيا أنها ستحصل على عدة مقاتلات Su-30 من روسيا. طلبت البلاد 12 مقاتلة Su-30 لكنها تلقت أربعاً فقط. نظراً لانخراط روسيا في الحرب مع أوكرانيا وعلاقاتها المتوترة مع الحكومة الأرمنية الحالية، من غير المرجح أن تسلم المقاتلات الثماني المتبقية إلى أرمينيا. وبالتالي، سيكون شراء المقاتلات ونظام الدفاع الصاروخي من الهند خياراً أفضل ليريفان.
Su-30 هي مقاتلة ثنائية المحرك متعددة المهام بمقعدين. تم تصميم هذه المقاتلة للعمل في جميع الظروف الجوية وهي مناسبة جداً لمهام جو-جو وجو-أرض. تعتبر Su-30 منافساً خطيراً لطراز F-15 ثنائي المقعد. يمكن للهند مساعدة أرمينيا في استخدام مقاتلات Su-30 الأربع، حيث يتم إنتاج Su-30MKI الروسية بترخيص في الهند. تحظى مقاتلات Su-30 المصنعة في الهند بطلب كبير في سوق الأسلحة الدولية.
لم تُنشر حتى الآن تقارير عن طلب أرمينيا شراء مقاتلات Su-30 من الهند، لكن من غير المستبعد أن تأخذ يريفان زمام المبادرة في هذا الاتجاه، خاصة بعد شراء باكو مقاتلات "ثندر JF-17" من باكستان. لذلك سيساعد شراء مقاتلات Su-30 المصنعة في الهند أرمينيا على زيادة قوتها العسكرية إلى جانب الأسلحة الدفاعية المستلمة من نيودلهي.
كما تنتج الهند صاروخ "أسترا" المحلي جو-جو المتوافق مع مقاتلات Su-30، وقد تبيع هذا الصاروخ المتقدم المهم إلى أرمينيا. يمكن لمثل هذه التحديثات في القدرات الدفاعية مع تكنولوجيا الرادار المتقدمة أن تسمح لطياري Su-30 الأرمن بتتبع عدة أهداف في وقت واحد في المعارك الجوية الحديثة للحفاظ على تفوقهم التكنولوجي على مقاتلات "ثندر JF-17" الأذربيجانية.
وفقاً لوسائل الإعلام الهندية، تسعى أرمينيا للحصول على رادار Uttam AESA الجديد. في غضون ذلك، من المقرر أن تتسلم أرمينيا نظام صواريخ الدفاع الجوي Akash-S1 الهندي الصنع بحلول نهاية عام 2024. سجلت يريفان في عام 2022 طلباً بقيمة 720 مليون دولار لـ 15 نظام صواريخ Akash، لتصبح أول مشترٍ لهذا النظام الدفاعي. هذا النظام الصاروخي قادر على صد تهديدات المقاتلات والصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة.
في السنوات الأربع الماضية، أصبحت أرمينيا أكبر مستورد للأسلحة من الهند، وتعهدت نيودلهي ببيع المدافع والصواريخ المضادة للدبابات ومعدات مكافحة الطائرات المسيرة للجيش الأرميني.
تسعى أرمينيا من خلال تعزيز علاقاتها مع الهند إلى تقليل اعتمادها الشديد على الأسلحة الروسية. في المقابل، تسعى نيودلهي إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي في جنوب القوقاز وتراه فرصة لمواجهة نفوذ باكستان وتركيا في القوقاز. من جانب آخر، تسعى باكستان من خلال بيع مقاتلات "ثندر JF-17" إلى زيادة إيراداتها لمتابعة طموحاتها في مجال الإنتاج والأسلحة العسكرية بقوة أكبر. تعمل باكستان على تعميق تحالف "الإخوة الثلاثة" مع أذربيجان وتركيا.
مخاطر نشوب صراعات جديدة
على الرغم من استمرار محادثات السلام بين أرمينيا و جمهورية أذربيجان، يحذر المحللون من أن زيادة النشاط العسكري قد يشعل صراعات جديدة. لا يزال الوضع في المنطقة متوتراً مع استمرار النزاعات الإقليمية غير المحلولة وحتى خطر العمل العسكري الأحادي من
قبل أذربيجان.
كما يؤثر سباق التسلح هذا على المشاريع الإقليمية مثل "الممر الاقتصادي الأوسط" وأدى إلى ما يسمى "حرب الممرات". يهدف هذا الممر إلى ربط شرق آسيا بأوروبا عبر آسيا الوسطى والقوقاز. يضيف الدخول الرسمي الأخير للصين إلى هذا المشروع طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي.
يحذر الخبراء السياسيون من أنه مع التغيرات الاستراتيجية في وضع المنطقة، وفي الوقت الذي تتنافس فيه القوى الآسيوية الكبرى على النفوذ من خلال المبيعات والشراكات العسكرية، يجب على المجتمع الدولي أن يراقب بعناية تأثير سباق التسلح هذا على استقرار المنطقة، وأن يسعى لإيجاد طريق نحو سلام دائم.