كاتبة إيرانية للوفاق:
الشهيد مجيد قربان خاني أنموذجاً للشاب المقاوم
تعتبر الكاتبة «كبرى خدابخش دهقي» من الكتّاب المرموقين في مجال أدب المقاومة والشهداء، ونال أحد كتبها، بعنوان «مجيد بربري»، تقريظاً من سماحة قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، لذا أجرينا معها مقابلة لنناقش أهمية كتابة القصص عن الشهداء وتوثيق التاريخ الشفهي، وأيضاً لنكتشف قصة شاب غنيّة بالأحداث استشهد دفاعاً عن حرم أهل البيت(ع) والمسلمين المستضعفين في سوريا، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
التعريف بالشهداء الأبطال
تؤكد الكاتبة دهقي انه فيما يتعلق بأهمية الكتابة عن الشهداء مدافعي الحرم، هناك عدة نقاط يجب مراعاتها:
أولاً، هناك قول مهم لقائد الثورة الإسلامية: "اليوم مسألة شهداء الدفاع عن حرم أهل البيت (ع) مطروحة، إذ يذهب أشخاص من إيران وأفغانستان ودول أخرى للدفاع عن المقدسات؛ وهذا من عجائب التاريخ". وقال أيضا": "لقد جعلوا من أرواحهم درعًا كي لا تصل أيدي الأعداء الخبثاء إلى حرم أهل البيت(ع)، وبالتالي مكانتهم عالية جدًا". وفي موضعٍ آخر قال: "كم هو قوي هذا الدافع وكم هو صريح هذا الإيمان، حيث يترك هذا الشاب زوجته الشابة وطفله الصغير ويتخلى عن حياته المريحة، ويذهب إلى بلادٍ غريبة وأرض بعيدة في سبيل الله ليجاهد ويستشهد؛ هل هذا شيء صغير؟".النقطة الثانية، يجب أن نوضح لشبابنا وفتياننا ما الذي حدث بالفعل؟ ونشرح للناس الأسباب التي دفعت شبابنا للذهاب إلى العراق وسوريا للتضحية بحياتهم، وماذا كان سيحدث للإسلام ولإيران لو لم يذهبوا؟ كيف يمكننا توضيح الأسباب؟ حسنًا، إحدى الطرق هي عبر هؤلاء الأبطال الذين ذهبوا من مدن مختلفة ووقفوا في وجه تنظيم داعش الإرهابي والتكفيريين. يجب التعرف عليهم، وفي صميم القصص يجب أيضًا تعريف الناس بداعش؛ يجب أن يعرف الناس أن هذا التنظيم الارهابي اقترب بضع كيلومترات من حدود إيران ومحافظة كرمانشاه، ولكن القوى الفدائية أوقفتهم ومنعتهم من الدخول إلى البلاد."
التوثيق عبر التاريخ الشفوي
تشير الكاتبة دهقي :" هذا الكتاب مكتوب بناءً على التاريخ الشفهي، وأهمية ذلك تكمن في أنه بعد انتهاء الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات مع نظام صدام البائد، عندما بدأنا في جمع وتوثيق الذكريات، استغرق الأمر وقتًا طويلًا وتأخرنا. وبالتالي، كان العديد من المجاهدين إما قد نسوا التفاصيل، أو فارقوا الحياة، أو حصلوا على مناصب أمنية وعسكرية، فلم يكن من الممكن رؤيتهم أو مقابلتهم بسبب انشغالهم أو لاعتبارات أخرى، أو أن العديد منهم استشهدوا. أما الآن، فإن ما يميزنا هو أنه فور استشهاد شهيد أو وقوع عملية أو حادثة، يمكننا توثيق التاريخ الشفهي بفضل البنية التحتية المتاحة والتجارب المكتسبة. وأهمية هذا الأمر هي أنه يتيح التحقق من صحة الأحداث؛ فالكتاب الذي نكتبه حول جبهة المقاومة وشهدائها يكون مستنداً إلى الأبطال الذين شهدوا تلك الأحداث، مما يجعل الكتاب صادقاً ومطابقاً للواقع، دون خيال أو سرد قصصي أو لا قدّر الله، كذب في الكتب".
الشهيد مجيد قربانخاني يمتلك صفات مميزة
تُحدثنا الكاتبة دهقي عن بدايات تعرفها على الشهيد مجيد قربانخاني بالقول:" في عام 2016 كنت أكتب لموقع "مشرق نيوز" و"رجا نيوز". أثناء المقابلات التي كنت أجريها، تحدثت مع العديد من العائلات، وفي إحدى هذه اللقاءات تعرفت على عائلة الشهيد مجيد قربانخاني. ومن خلال المقابلات التي أجريتها مع عائلته، أدركت أن الشهيد يمتلك صفات مميزة تختلف عن غيره من شهداء مدافعي الحرم؛ وهذا ما جعلني أقرر أن أكتب كتابًا عنه.
كان لمجيد حياة تختلف عن حياة بقية شهداء مدافعي الحرم، فقد كان يملك مقهىً وكان عمله الرئيسي هو إدارته. في البداية، عمل في سوق الحديد في طهران، ثم قرر فتح مقهى، الغريب أن أول مقهى فتحه قد هدمته البلدية باستخدام الجرّافة بسبب مخالفات، فقام بفتح مقهى ثانٍ لاحقًا. وكان لديه زبائن كُثر، وكان يقضي اليوم بأكمله يعمل فيه . كان يحتفظ ببعض الامور لعدد من الزبائن، وكانت له علاقات مع أشخاص كثر ولكن حياته تغيرت فجأة وتحوّل أخلاقيًا بشكل كبير؛ وهذا التغيير جعله مميزًا بين شهداء مدافعي الحرم".
وتضيف:" بعد حادث غير متوقع، قرر مجيد الذهاب إلى سوريا للدفاع عن حرم أهل البيت(ع). وكان هو ورفاقه في خان طومان في سوريا عندما تعرضوا لهجوم. رغم أنه لم يكن مخططًا له المشاركة في العملية، لكنه دخل المعركة عبر أحداث معينة وكان من أوائل من نالوا الشهادة، تلك التغييرات والتحولات في حياة مجيد ومصيره دفعتني إلى كتابة سيرته في كتاب. وهدفي هو أن أقول للجميع إن هناك أشخاصًا، رغم أنهم قد يكونون مثقلين بمشكلات أخلاقية، فإن جوهرهم الإنساني يمكن أن ينقذهم ببركة أهل البيت(ع)، فيصبحون مثل الحر بن يزيد الرياحي".
تؤكد الكاتبة دهقي بأن :" العمل لأجل الشهداء، وإن كان مليئًا بالصعوبات والمرارة والتحديات، إلا أنه عمل محبب وجميل. الحمد لله، خلال السنة التي استغرقتها المقابلات وكتابة الكتاب، لم نواجه أي عقبات، ولم يكن هناك أي موقف يستدعي إلغاء الكتاب أو فرض رقابة عليه. بعد تعرفي على العائلة، تعاونت معي عائلة الشهيد بشكل كامل. وقمنا ببعض التنسيقات وأجرينا مقابلات مع أصدقاء الشهيد، سواء كانوا من أصدقائه من الشباب المتدين والتعبوي، أو من أصدقائه في المقهى الذين كان يقضي معهم معظم أوقاته. كانوا جميعهم، بسبب صداقتهم القوية مع مجيد متحمسين لمساعدتي بعد استشهاده، لأنه كان بحقّ رجلاً أصيلاً يقف مع أصدقائه ويساعدهم بقدر استطاعته، أما سبب تسمية الكتاب "مجيد بربري"، فهو أن عائلة مجيد من جهة الأب كانت تملك مخبزاً لصنع خبز البربري (نوع من الخبز في إيران). وكان مجيد يعمل عدة أيام في السنة في ذلك المخبز، ولم يكن يسمح لمن هم في حاجة والفقراء بدفع ثمن الخبز، بل كان يدفع عنهم. كان يقف بنفسه عند باب المخبز ويقدم الخبز للناس، وكانوا ينادونه: "أستاذ مجيد، بربري واحد"، أو "مجيد، بربري!"، وهكذا إلتصق به هذا اللقب، ونحن بدورنا اخترنا اسم الكتاب ليكون "مجيد بربري"".
قصص عن الشهداء مدافعي الحرم
تقول الكاتبة دهقي:" إلى جانب هذا الكتاب، حالفني التوفيق لكتابة سبعة كتب أخرى. منها كتاب "نذر الماء" الذي يروي حياة الشهيد مدافع الحرم عباس آبياري، الذي استشهد إلى جانب مجيد. وكتاب "به همین سادكي" (بهذه البساطة)، وهو قصص عن حياة وزواج ثلاثين من القادة والمقاتلين وشهداء الثماني سنوات من الدفاع المقدس في وجه نظام صدام البائد" وكتاب "جشم روشني" (الهدية)، سيرة شهيد مدافع الحرم موسی جمشيديان. وكتاب "انتظار الأب" الذي يقدم لمحاتٍ دافئة من حياة الشهيد محمدرضا تورجي زاده، قائد كتيبة "يا زهرا" (ع)، وكتاب "أعزّ من الروح" الذي يروي ذكريات الشهيد أبو الفضل راه چمني وفق رواية زوجته. كذلك "محسننا" الذي يتضمن مذكرات من حياة الشهيد محسن حججي، وأيضًا "جا مانده در سهيل"، والذي يروي حياة الشهيد محمد جعفر سعيدي وفق رواية زوجته. حاليًا، أعمل على بحث لكتاب عن الشهيد محمدرضا زاهدي، وهو قائد استشهد في طريق القدس إثر هجوم شنه الكيان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي كان سببًا في عملية "الوعد الصادق الأولى"، وهو أول هجوم رسمي لجمهورية إيران الإسلامية ضد العدو الصهيوني. وهناك ثلاثة كتب أخرى جاهزة للطباعة، الأول عن حياة الشهيد جواد عبدي، والثاني عن الشهيد محمد إسماعيل دلاور، والثالث عن الشهيد محمد كامران. كما أعمل حاليًا على تأليف كتاب يسرد حياة إحدى النساء الإيرانيات البطلات التي كان لها دور في دعم الجبهات، وشاركت في اقتحام السفارة الأمريكية والاستيلاء عليها."
قصة الشهيد النموذج
تُشير الكاتبة دهقي:" ان قصة الشهيد مجيد تقدم نموذجًا يُحتذى به لجميع شبابنا. في مقدمة الكتاب، كتبتُ أن مجيد كان من بين أولئك الشباب الذين قد نراهم في الشارع ونحكم عليهم بأعيننا، ربما نقول إنه ليس شابًا صالحًا.والكتاب بمثابة لافتة تدفع الشباب لقراءة قصة مجيد، وتساعدهم على السير في طريقه أو الاتجاه نحوه، وتوضح لنا القصة أنه حتى إذا أخطأنا في الطريق وسرنا في مسار غير صحيح طوال حياتنا، فالأبواب نحو التوبة تظل مفتوحة دائمًا، ويمكننا العودة في أي وقت، قبل فوات الأوان ".
تقريظ آية الله السيد خامنئي
تلفت الكاتبة دهقي إلى أنها كانت تتمنى أن يطّلع القائد العزيز على كتبها، وكانت غايتها أن يكتب ولو سطرًا واحدًا أو يضع توقيعًا صغيرًا. وتضيف: "والآن قد تحقق حلمي الكبير، وأنا ممتنة جدًا لله على هذه النعمة. إنه شرف عظيم للكتّاب، وخاصةً في مجال أدب المقاومة، أن يُزَيّن كتابهم بتقريظ الإمام. في السنوات الماضية، رأينا كيف أن كل كتاب يحظى بتقريظ من القائد يلقى اهتمامًا أكبر من القرّاء ويجذب المزيد منهم، لأن قائدهم قد أشاد به ووافق عليه".
الدفاع عن المظلومين لا يعترف بالحدود
تُشير الكاتبة دهقي بأن هذا الكتاب :" يُظهر الكتاب أن الشباب الإيرانيين لا يعترفون بالحدود في دفاعهم عن الإسلام والمسلمين والمظلومين، وأن حدودنا هي حيث يوجد مظلوم يعاني من الظلم. وقد أكد الشهيد اللواء قاسم سليماني على هذه النقطة في حديثه مع المجاهدين الفاطميين والحشد الشعبي والإيرانيين، حين قال إن الظهور سيحدث، وأننا من أنصار الإمام المهدي (عج)، وأنه يبدأ من هذه الحرب في سوريا التي تُعد تمهيدًا لمواجهة الظلم. ومن هنا، يمكن لهذا الكتاب أن يكون مرجعًا يوضح أن المقصود من محور المقاومة ليس إيران فقط، بل أي مكان يوجد فيه مسلم يتعرض للظلم، من المقرر أن يتم ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية بعد تقريظ الإمام، لكنه لم يُترجم بعد وهو في طور التنفيذ".