الأمين العام لإتحاد الكُتّاب والأُدباء الفلسطينيين للوفاق:
المثقف الفلسطيني يكمن خلف قلمه كالمناضل خلف سلاحه
تحظى فلسطين بمكانة خاصة لدى جميع أحرار العالم، فالقضية الفلسطينية قضية كل مقاوم وكل إنسان حرّ، الشعر والأدب الفلسطيني هو أنموذج بارز في أدب المقاومة، ففي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني المظلوم لمختلف الجرائم أمام أعين العالم، أجرينا حواراً مع الأمين العام لإتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين الأستاذ «مراد السوداني» والذي هو شاعر وكاتب فلسطيني، فكان الحديث عن الشعر والأدب الفلسطيني وأدب السجون وجائزة فلسطين العالمية للآداب، وفيما يلي نص الحوار:
موناسادات خواسته
الإنحياز إلى الشعر
يبدأ الأستاذ "مراد السوداني" الحديث عن الدافع الذي دفعه نحو الشعر والأدب، حيث يقول: أنا من أسرة فلاحية، تُتقن الحرث والزرع، وفي القرية بما فيها من طقوس ومن إرث وموروث واهتمام والدي بالتراث والزجل الشعبي، وتراديد أمي، كل ذلك كان له الأثر الكبير في الإنتباه إلى هذا الإيقاع الذي فهمت فيما بعد بأنه ضرب من الشعر، والقرية مفتوحة على الجماليات وعلى السياق الرعاوي، وعلى البر والوعر بما فيه ما من طاقة خير وفعل ومراقٍ إلى سدرة البهاء والحضور، كل ذلك كان له التأثير الكبير على قصيدتي فيما بعد، وانحيازي إلى الشعر.
بالدم نكتب لفلسطين
يعتقد السوداني أن الكتابة في فلسطين تختلف عن أية كتابة في العالم، ويقول: إذا كانت الكتابة في غير مكان من العالم بالحبر البارد، فإن الكتابة في فلسطين إستثنائية بامتياز، هي كتابة بحناء وردة السادة الشهداء وشعار العام لإتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين منذ عام 1972 هو "بالدم نكتب لفلسطين"، حيث وشم السيد الشهيد "حنّا مقبل" رئيس تحرير "فلسطين الثورة" هذه المقولة منذ التأسيس وبقيت حتى اللحظة، إلى أن قضى شهيداً في عام 1984 إغتيالاً في قبرص، فطوبى له لأنه قال ولأنه فَعَل، فالكتابة الفلسطينية، كتابة غايتها التحرير والذهاب نحو الحرية المـُنتهى من أجل حرية كل فلسطين، وبالتالي الكتابة لدى الكتّاب والمبدعين الفلسطينيين في الوطن والشتات ليست كتابة لطرف، وليست كتابة من أبراج عاجية، بل هي كتابة ميدانية ترغب في توثيق وتأصيل كل هذه التراجيديا الفلسطينية، لذلك الشعر هو واحد من الأدوات والمكوّنات التي إشتغل عليها المثقف والمبدع الفلسطيني في تأصيل الحق والحقيقة الفلسطينية في مواجهة روايات النقيض الإحتلال الذي يسعى لخلق رواية مزيّفة طيلة الوقت.
أدب مقاوم بامتياز
يواصل الأستاذ السوداني كلامه بالحديث عن الشعر والأدب الفلسطيني، حيث يعتبره أدباً مقاوما بامتياز، ويقول: منذ ما يزيد على 120 عاماً الشعر الفلسطيني قد خبأ أو قد كبى، وحدثت انزياحة باتجاه تجريده بعيداً عن أدب المقاومة وتقليعات تذهب نحو العدمية أو الذهاب إلى الهامش والمـُعتم في الروح والمكان والزمان ولكن الأدب الفلسطيني ظل إمتداداً لشعلة الفعل المقاوم، ونصب المثقف الفلسطيني رايته وثبّتها على أُحُد الثقافة والمواجهة والمناضلة مع هذا النقيض الإحتلالي، وكل استطالاته وسياقاته المعرفية والثقافية المرقومة، فظل محافظاً على قوة الثقافة الفلسطينية بامتدادها العميق بإرثها ومورثها، بهويتها الثابتة والراسخة التي لا تسقط في اللحظة ولا تُسقط عن لحظة، وظل المثقف الفلسطيني متقدماً ومشاركاً بالقلم والبندقية في كل مراحل الثورة الفلسطينية حتى اللحظة، ويواصل كتّابنا وأدباؤنا بصبر وثبات وصمود وتحد رغم كل الويلات وكل الأهوال، طريق فلسطين الطويل في كتابة هذا الوجع وهذه التراجيديا لغزة، أسطورة الدم والرماد والبطولة والعناد والفعل المقاوم.
ذهاب فلسطين إلى العالم من خلال الأدب
فيما يتعلق بإيصال صوت فلسطين عن طريق الشعر والأدب، يقول السوداني: للمثقف وللمبدع ولكل مكوّنات الإبداع في فلسطين مساحة وفضاء وطريق، من أجل إيصال معاناة شعبنا إلى العالم فإذا كان العالم لا يستطيع أن يأتي إلى فلسطين، فالتذهب فلسطين إلى العالم، من خلال الأدب والفن والثقافة والإبداع والمعرفة، على اختلاف مكوّناتها وبالتالي ليس لنا سواء أن نستعصم بجبل الثقافة وأن نؤكد على قوة هذه الثقافة في العبور إلى التخوم وتجاوز الحدود والعبور عبر الزمن في نقل هذه المعانات وفي توثيقها وتأصيلها، وفي فضح رواية النقيض الإحتلالي وجرائمه وكشف هذا القناع عن الديموقراطية الزائفة والإنسانية المعدومة وكل هذا الإدعاء والضلال الذي تحاول سياسات الإحتلال أن تعممه من خلال منظومة إعلامية وثقافية وتجنّد لها كل الدعم من أجل تزوير الحقائق، لذلك أمامنا تحدٍ كبير في أن نكتب سيرة المكان وبطولة المكان في فلسطين وأيضاً عبقرية هذا المكان من خلال الإنسان الفلسطيني المقاوم.
ترسيخ ثقافة المقاومة
يعتقد السوداني أن ترسيخ ثقافة المقاومة تكون عبر التوثيق والتدوين لكل ما يحدث على أرض فلسطين والحفاظ على إرث وموروث فلسطين التي تتعرض للسرقة والنهب، في محاولة لسلب الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال رواية الإحتلال النقيضة التي تقوم على سرقة كلما يتعلق بهذه الهوية من تراث وإرث وأكلات شعبية ودَبكة فلسطينية وأغاني فلسطينية وكوفية فلسطينية، التطريز الفلسطيني، وكلما يتعلق بمكوّنات الهوية الفلسطينية التي تتعرض للمحو والسلب والإستلاب، ويقول: فلم يكتفوا بسلب المكان بعد محوه واستبداله بأسماء عبرية وتهويد المكان، كما يحدث الآن في القدس وغيرها من الأماكن في فلسطين وما وطأ الإحتلال من أرض فلسطين، بل يسعون إلى تزوير التاريخ وإلى نسبه إلى هذا الإحتلال من خلال سرقة كل مكوّناته، وبالتالي كتابة كل هذه التفاصيل بتاريخ فلسطين وتأصيله من خلال الآثاريين والجغرافيين ومن خلال الكتّاب والأدباء والمختصين بالشأن الثقافي، هو إبقاء جذوة هذه الهوية حية وقدرة على مواجهة كل التحديات وكل مساحات الإلغاء والمحو الذي يقوم بها هذا الإحتلال وبالتالي عندما نكتب هذه الثقافة ونسعى إلى هذا التأصيل نحن نمضي بثقافة المقاومة لأن كما قال الشاعر المحارب رحمه الله خالد أبوخالد: "كلما يجرح سلاح"، وبالتالي الوردة على التل وهي تتعرض لأنياب الجرافات، كما زيتون فلسطين، الذي أصله ثابت وفرعه في السماء يتعرض لأنياب الجرافات هو سلاح، زغرودة أم الشهيد، وهي تودّع أجمل أبنائها، سلاح، دمعة الأم وهي تحتضن أطفالها الشهداء في غزة وفي كل فلسطين هي سلاح، الأغاني الفلسطينية الصادحة بالصمود والبطولة والمقاومة وهي تعزز صمود المقاومين، وشعب فلسطين منذ 100 عام، منذ أغاني نوح إبراهيم حتى اللحظة، من أغاني العاشقين وأغاني الجذور وكل أغاني الفرق الفلسطينية والمنشدين الفلسطينيين، كل ذلك سلاح، لذلك مجرد أن تكتب، إذن أنت تقاوم، ومن يقاوم ينتصر حتما ًوهذه حتمية.
أدب السجون
عندما سألنا الاستاذ السوداني عن رأيه حول أدب السجون، هكذا ردّ علينا بالجواب: منذ الثلاثاء الحمراء وما أُغنيت أغانيهم التي حفروها على جدار الزنزانة التي في عكّا حتى اللحظة، أدب السجون راكم تجربة مختلفة واستثنائية من خلال قدرة المثقفين الفلسطينيين والمقاومين الفلسطينيين في أن يحوّلوا هذه السجون وهذه الباستيلات إلى آكاديميات إبداعية وثورية، فتلقوا التعليم، وحفروا أسماءهم للحصول على وعي مختلف واستثنائي والإصرار على التعلّم بالإضافة إلى مجموعة من الإبداعات في الرواية والشعر والفن والرسم وبأدوات بسيطة إستطاعوا أن يقدّموا إنحيازهم للحياة ودفاعهم عنها في مواجهة السجّان والموت والرطوبة القاتلة والحصار والتعذيب، وكل الأوراق التي خرجت من السجون إستطاعت أن تقدّم أدباً ومعرفة وثقافة إلى العالم لكي تؤكد أن المعتقل والسجين الفلسطيني وهو في أبشع الظروف قادر على أن يُبدع ويقاوم، ومثلما قلت كل كتابة هي مقاومة، فكيف إذا كانت داخل السجون؟
جائزة فلسطين العالمية للآداب
عندما دار الحديث عن جائزة فلسطين العالمية للآداب وتأثيرها في دعم المقاومة وفلسطين، يقول السوداني: جائزة فلسطين العالمية للآداب هي إستطالة وسياق ورافعة لدعم أدب المقاومة وفي القلب منها فلسطين، حيث كتّاب وأدباء فلسطين مازالوا على قيد المواجهة وقيد الكرامة والفعل المقاوم ومازالوا يواصلون طريق تحرير فلسطين، وتأصيل مدارك الأجيال، والتأكيد على أن الكلمة المقاومة هي التي تُكاتف الفعل الثوري، وتتيح جائزة فلسطين العالمية للآداب أن تسلّط الضوء على الفعل الثقافي المقاوم في غير سياق من سياقات الأدب وكتّاب وأدباء فلسطين كما قلت وتحديداً في غزة، وفي السجون كذلك، يواصلون بإرادة وعناد مقدس، وفعل ثقافي محمول على التضحيات والفداء، تأصيل مدارك الأجيال وتأكيد أن الثقافة الفلسطينية ستدافع عن حق وحقيقة فلسطين وستبقى على طريق فلسطين الطويل حتى الإنتصار الواجب، والناجز بما يليق بتضحيات كتّابنا وأدبائنا، الذين قضوا شهداء، ما يقارب 50 شهيداً حتى الآن، في مختلف صنوف الآداب وأعضاء إتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، هؤلاء بدمائهم كتبوا كتاب البطولة وكتاب التضحية الفلسطينية وبالتالي يستحقون هم ومن أصّل وأكد على دورهم وفعلهم وعلى دور الكلمة المقاومة أن تنحاز لهم الجوائز، لأنهم هم الجوائز العليا
والأنقى والأبقى.
الكتابة أمضى أسلحة
فيما يتعلق باعتبار الأدب الفلسطيني كسلاح في يد الشاعر والكاتب الفلسطيني، يعتقد السوداني أن كل ما يجرح هو سلاح، كما قال الشاعر خالد أبوخالد، ويقول: الكتابة هي أمضى الأسلحة وهي ألقاها وأبقاها فكما يكمن المقاتل خلف سلاحه، يكمن المثقف والمبدع الفلسطيني خلف قلمه، والثقافة هي باقية، لأنها عماد نهضة الشعوب وهي الجوهر الأنقى والأعلى والأبقى، وبالتالي علينا مرة أخرى أن نمسك بقوة الثقافة الفلسطينية، وأن نحافظ على ثقافة المقاومة والثقافة في سياق التحدي والمواجهة، محمولة على الجماليات وطاقة فعل جمالي مختلف، لذلك الكتابة كما أقول دائماً: "من يكتب، يقاوم، ومن يقاوم ينتصر".
الصبر والصمود والمواجهة والمقاومة
وفي ختام كلامه يقول السوداني: إننا على قيد الصبر والصمود والمواجهة والمقاومة ككتّاب وأدباء ومنشغلين ومشتغلين بشأن الثقافة الفلسطينية وسنبقى نواصل هذا الطريق الطويل من أجل حرية فلسطين المـُشتهى كاملة غير منقوصة، على أرض الغزالة والأرجوان كما قال الغاوي الفلسطيني "محمود درويش" وأن نواصل كتابة تاريخ فلسطين بكل تفاصيلها وهي محمولة على البطولة والعناد وعلى الفعل المقاوم، وتُسند نفسها إلى ثقافة عميقة مقاومة، كل ذلك من شأنه أن يجعل من الثقافة الفلسطينية، ثقافة عابرة للزمن وباقية لا تغيب، ولا تُغيّب، وكل هذه الكتابات التي تنهض على جذر المقاومة ستُعلّم العالم معنى الصمود، ومعنى التضحية والبطولة والأدب المقاوم.