بلجيكا.. استمرار أزمة تشكيل الحكومة
كتبت صحيفة "شتوتغارتر ناخريشتن" في مقال لها: "لقد تحول تشكيل الحكومة في بلجيكا إلى لعبة صبر. وليس من غير المعتاد أن تتفاوض الأحزاب لأكثر من عام لتشكيل ائتلاف مستقر نسبياً في هذا البلد. فبعد الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2019، استغرق الأمر أشهراً عديدة حتى تم تشكيل الائتلاف الجديد. وهذه المرة أيضاً، تواجه بلجيكا اختباراً صعباً في هذا الصدد منذ أشهر.
في يونيو، وبعد الاقتراع في البلاد، بدا كل شيء مختلفاً. ففي منطقة فلاندرز، حصل حزب N-VA القومي المحافظ على أكبر عدد من الأصوات، وفي والونيا حل الليبراليون محل الاشتراكيين كأقوى قوة سياسية. ولدى الفائزَين أهداف متشابهة في برامجهما: إذ يريدان تخفيف عبء الديون الهائل الذي تئن تحته بلجيكا وتحفيز اقتصادها المتعثر من جديد.
في يونيو، عيّن الملك فيليب بارت دي فيفر، عمدة أنتويرب، لقيادة مفاوضات الائتلاف، وبدأ المفاوضات مع خمسة أحزاب. بدا الأمر تمريناً سهلاً، حيث كانت بلجيكا تُدار مؤخراً من قِبل ائتلاف هش من سبعة أحزاب. لكن الأمل في تشكيل حكومة سريعاً تلاشى تدريجياً بسبب التوقف المتكرر للمفاوضات. ومؤخراً، تسبب حزب Vooruit الاشتراكي الديمقراطي من فلاندرز في مأزق بالمفاوضات بسبب مواقفه. فمن بين مطالبه، يريد الحزب فرض نوع من الضرائب على الأثرياء لتمكين أصحاب الثروات الكبيرة من المساهمة بشكل أكبر في إعادة بناء الميزانية العامة المتعثرة. لكن الشركاء الآخرين في المفاوضات يرفضون هذا المقترح.
والآن، فشلت المحاولة الأخيرة للخروج من هذا المأزق. وكان الملك فيليب يريد أن يُظهر مخرجاً من المأزق لأبطال النزاع، لكن اشتراكيي فلاندرز ظلوا ثابتين على موقفهم ولم يتراجعوا. وأُفيد أن الأحزاب الأربعة المتبقية تسعى الآن للتوصل إلى اتفاق. ويُقال إن بارت دي فيفر سيدعو على الأرجح حزب Open VLD الليبرالي الفلمنكي إلى طاولة المفاوضات.
تُعد المفاوضات الصعبة لتشكيل ائتلاف حكومي في بلجيكا تعبيراً واضحاً عن الانقسام السياسي والاجتماعي في البلاد. وبدلاً من تحقيق توازن مشترك، تزداد الانقسامات عمقاً. يضم هذا البلد الصغير حالياً ثلاثة أقاليم وثلاثة مجتمعات لغوية وعشر مقاطعات.
لم يؤد هذا فقط إلى عدم كفاءة لا تُصدق في التعاون بين القطاعات الفيدرالية والإقليمية والبلدية في البلاد، بل إنه منذ سنوات تجري محاولة حل المشاكل الواضحة والمتزايدة بأموال إضافية، مما أدى إلى دفع ميزانية الدولة إلى حافة الانهيار.
أما الآن، فقد شرع الفائزان في الانتخابات في والونيا وفلاندرز في إصلاح الحكومة وإعادة بناء الميزانية. ويصوت المواطنون البلجيكيون، الذين يزداد استياؤهم من المشهد السياسي وحكامهم، بشكل متزايد للأحزاب المتطرفة. ففي الانتخابات المحلية في أكتوبر، حقق الماركسيون وحزب فلامس بيلانغ اليميني المتطرف مكاسب كبيرة في بعض البلديات. ويحذر بعض السياسيين من أنه إذا استمر هذا التطور، فستصبح بلجيكا قريباً على وشك التحول إلى دولة يستحيل حكمها.
تتكون بلجيكا من منطقتين: والونيا الناطقة بالفرنسية في الجنوب وفلاندرز الناطقة بالهولندية في الشمال. وتُشكَّل الحكومات دائماً من خلال ائتلاف يضم أحزاباً
من كلتا المنطقتين.
تحمل هذه الدولة الرقم القياسي العالمي لأطول فترة لتشكيل حكومة، حيث استغرقت المفاوضات 541 يوماً حتى تم تشكيل ائتلاف في ديسمبر 2021.
وقد استقال ألكسندر دي كرو، رئيس وزراء بلجيكا، من منصبه معترفاً بالهزيمة بعد خسارة حزبه الليبرالي المحافظ "Open VLD" في 9 يونيو 2024. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع آنذاك أن يتراجع الحزب الليبرالي الديمقراطي لرئيس الوزراء البلجيكي خلف الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة في المنطقة الناطقة بالهولندية في بلجيكا (فلاندرز)، إلا أن الحزب شهد أكبر تراجع في دائرته الانتخابية في فلاندرز الشرقية، حيث انخفضت حصته من 17.85% عام 2019 إلى 10%، وحصل إجمالاً على أقل من 7% من الأصوات.