تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها
محاولات أميركية للتأثير على العلاقات الصينية - الباكستانية
مع تصاعد المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، قد تواجه باكستان تحديات في إقامة علاقات متوازنة مع البلدين. بالنسبة للصين وباكستان، فإن الحفاظ على علاقات اقتصادية واستراتيجية شاملة ومتبادلة مع باكستان أمر لا يمكن تجاهله، خاصة عندما تستمر الهند والولايات المتحدة في السعي لتعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية.
ضغوط مالية على باكستان
في حديثه الأخير مع الصحفيين، أكد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على تحسين العلاقات مع واشنطن، ولكن ليس على حساب العلاقات مع الصين؛ لأن بكين قد فعلت لبلد يعاني من ضغوط مالية شديدة ما لا يمكن لأي بلد آخر القيام به. وأضاف قائلًا: «ما فعلته بكين لبلادنا لن تستطيع الولايات المتحدة القيام به أبدًا». الجدير بالذكر أن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة فقط من رسالة رسمية من شهباز شريف إلى بكين لتعديل السداد المستقبلي من أجل الحصول على قرض جديد بقيمة سبعة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وفقًا للتقارير، طلبت باكستان من الصين والسعودية والإمارات إعادة سداد أكثر من 12 مليار دولار على مدى فترة من ثلاث إلى خمس سنوات لضمان حزمة المساعدات المالية لمدة 37 شهرًا من صندوق النقد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، طلبت إسلام أباد من بكين تحويل مشاريع استيراد الفحم إلى الفحم المحلي وإعادة هيكلة التزامات قطاع الطاقة البالغة 15 مليار دولار. وقال وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب في مؤتمر صحفي في 28 يوليو: إن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ناقش مسألة سداد قطاع الطاقة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الأخيرة إلى بكين. كما تابع شهباز شريف هذه المسألة في 2 أغسطس برسائل رسمية إلى الحكومة الصينية.
خيبة أمل و قلق صيني
كان من المتوقع أن تكون زيارة شهباز شريف مع وفد كبير من كبار الوزراء والجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، بمثابة تغيير في العلاقات الثنائية. أعلن الطرفان رسميًا بدء المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC). ومع ذلك، أعربت الصين عن خيبة أملها إزاء تباطؤ تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وعدم قدرة باكستان على ضمان أمن الموظفين الصينيين. الجدير بالذكر أنه في 26 مارس، قُتل خمسة مهندسين صينيين في هجوم انتحاري وقع في ولاية خيبر بختونخوا. وكان هذا ثاني هجوم على الموظفين الصينيين في هذه المنطقة منذ عام 2021.
أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن قلقه، مؤكدًا على أهمية خلق بيئة تجارية آمنة ومستقرة ويمكن التنبؤ بها لضمان أمن الموظفين الصينيين وحماية المشاريع والشركات الصينية. في السنوات الأخيرة، تعرض العمال الصينيون في باكستان لهجمات من قبل مجموعات متطرفة مختلفة، مما أدى إلى تفاقم مخاوف بكين. ونتيجة لذلك، يبدو أن الصين غير راغبة في استثمارات جديدة في باكستان حتى تتم معالجة مسألة أمن المواطنين. وصف ليو جيان تشاو، رئيس القسم الدولي للحزب الشيوعي الصيني، خلال زيارته لباكستان في يونيو، «الأمن» بأنه تحدٍ رئيسي يهدد مستقبل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. كما أكد على أهمية الاستقرار السياسي في باكستان لاستمرار ونجاح هذا المشروع الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات.
محاولات أميركية
وفقًا لأحدث تقرير للبنك الدولي لعام 2023، تدين باكستان بأكثر من 72٪ من ديونها الخارجية للصين. طلب صندوق النقد الدولي مرارًا من إسلام أباد الكشف عن تفاصيل الديون التي حصلت عليها من الصين وحذرها مرارًا من استخدام حزمة المساعدات المالية الخاصة به لسداد القروض الصينية. ونتيجة لذلك، لا يبدي صندوق النقد الدولي رغبة في الموافقة على حزمة مساعدات مالية جديدة لباكستان حتى يتأكد من سداد أكثر من 27 مليار دولار من ديون باكستان وديون الدول الصديقة.
كما أعربت واشنطن عن قلقها بشأن الاستثمارات الصينية في باكستان، مدعية أنها «قد تُستخدم كفخ» في محاولة منها لزرع الشك و استغلال الوضع الإقتصادي المتأزم في باكستان و تأخرها عن الوفاء بإلتزاماتها اتجاه الصين للدخول على الخط. وقال دونالد لو، نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب وسط آسيا، في حديثه مع المشرعين: «من حيث الاستثمار في باكستان، الصين هي الماضي ونحن (الولايات المتحدة) هي المستقبل».
بالإضافة إلى ذلك، طلبت الحكومة الأمريكية ميزانية قدرها 101 مليون دولار لباكستان تحت عنوان «تعزيز الديمقراطية ومكافحة الإرهاب والاستقرار الاقتصادي».
شهدت العلاقات بين إسلام أباد وواشنطن فتورًا عندما اتهم عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني السابق، الولايات المتحدة علنًا في أبريل 2022 بالتورط في إقالته من السلطة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، تحسنت العلاقات بين البلدين وجرت عدة لقاءات رفيعة المستوى. في ديسمبر 2023، سافر الجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، إلى الولايات المتحدة برفقة نديم أنجم، رئيس جهاز المخابرات الباكستاني. بالإضافة إلى مناقشة القضايا الدفاعية والأمنية مع المسؤولين الأمريكيين، تحدث الجنرال عاصم منير أيضًا مع المستثمرين الأمريكيين والباكستانيين المقيمين في الخارج وشجعهم على الاستثمار في باكستان.
على الرغم من أن العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة تدور في الغالب حول قضايا الأمن، إلا أن واشنطن قد تسعى إلى تنويع تفاعلها مع إسلام أباد بشأن القضايا غير الأمنية مثل التجارة والاستثمار لمنع التقارب الصيني الباكستاني.
الواقع هو أن القادة العسكريين والمدنيين في باكستان يصدرون دائمًا بيانات «مؤيدة للصين» لإظهار مواقفهم الثابتة لبكين. قال الجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، لنظرائه الأمريكيين خلال زيارته إلى واشنطن: «تتجنب باكستان سياسات الكتل وتؤمن بالحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول الصديقة». ونتيجة لذلك، قد تتخذ باكستان موقفًا محايدًا للحفاظ على موقعها فيما يتعلق بتصاعد المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
مصالح مشتركة
بالنسبة للصين، فإن القروض أو المساعدات المالية الخارجية لإسلام أباد من الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى مهمة للغاية لحماية مشاريعها واستثماراتها. ربما ترغب الصين في تقاسم عبء الأزمة الاقتصادية الحالية في باكستان مع دول أخرى. في أكتوبر 2023، وافقت الصين وباكستان على إشراك «أطراف ثالثة» في المشروع لتوسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان. من المثير للاهتمام أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) يتم تقديمه كـ «ممر مفتوح» لجذب المستثمرين الأجانب، على الرغم من أن هذا النهج لم يؤت ثماره حتى الآن.
ترغب الصين في اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يعد جزءًا من مبادرة الحزام والطريق (BRI)
ومع ذلك، هذا لا يعني أن العلاقات الدفاعية والاستراتيجية بين باكستان والصين ستتضرر أيضًا. وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن 82٪ من واردات باكستان من الأسلحة العسكرية بين عامي 2019 و2023 كانت من الصين. على الرغم من أن العلاقات الدفاعية بين باكستان والصين تتمحور بشكل أساسي حول الهند بسبب منافستهما المشتركة معها، إلا أن هذا التفاعل قد يظهر في المستقبل كرافعة قوة للصين في مواجهة الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفقًا للحسابات الاستراتيجية الصينية، تلعب باكستان دورًا مهمًا في مواجهة النفوذ الهندي والأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لهذا السبب، قد تتحمل بكين خسائر مالية أكبر مع بذل جهود في نفس الوقت لدفع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني قدمًا. ومع ذلك، قد لا تقبل عدم الاهتمام بضمان أمن المواطنين الصينيين من جانب باكستان.
تحت ضغط من بكين، أقرت الحكومة الباكستانية في 22 يونيو، بعد أيام قليلة فقط من زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف والجنرال عاصم منير قائد الجيش الباكستاني إلى الصين، عملية عسكرية جديدة باسم «عزم الاستقرار». ستركز هذه العملية العسكرية بشكل أساسي على تنفيذ عمليات عسكرية لمكافحة الإرهاب في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا.
من ناحية أخرى، ستواصل واشنطن تطوير علاقاتها مع إسلام أباد بهدف التأثير على العلاقة الصينية-الباكستانية، إلا أن المصالح الإستراتيجية المشتركة بين الطرفين تجعل مهمة الأميركيين صعبة جداً.