الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • الریاضه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وستمائة وستة - ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وستمائة وستة - ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

في معنى الكتابة الآن.. ما يحدث لا يمكن الصمت حياله

ما معنى الكتابة في خضم المذبحة؟ وما جدوى الحبر حين يُسفَك الدم ويسيل؟ وأي لغة تسعفنا في وصف الهمجية الصهيونية المتمادية من فلسطين إلى لبنان؟ علامات استفهام كثيرة تدور في الرأس كلما همَّ الكاتب بالكتابة، فما يحدث يفوق الوصف ويتجاوز مقدرة الكلمات على التعبير عنه.
كل تلك الأسئلة التي تعصف في الرأس لا تعني أبداً ألّا شأن للغة بما يجري أو أن الكلمة بإمكانها أن تنأى بنفسها، لكنها أسئلة مشروعة حين تكون الجريمة مروعة إلى هذا الحد.
كيف نرتقي بالكلمة إلى مستوى ما يحدث؟ وكيف نعبّر عما يختلج في نفوسنا من مشاعر وأحاسيس؟ وكيف نتجنب أن تكون نصوصنا مجرد إنشاء انفعالي وكلام عاطفي يذهب مفعوله بمرور الوقت؟ وهل الكتابة الملتزمة هي الخطابية المباشرة واللحظوية وليدة العاطفة والانفعال فقط أم أن النصّ الملتزم يذهب أعمق من ذلك بكثير؟
كثيراً ما كنا نسمع أو نردد عبارة الفن الملتزم باعتبارها وقفاً على نوع معين من الفنون، وخصوصاً تلك المرتبطة بقضايا سياسية أو وطنية.
حصر صفة الفن الملتزم فقط بالأعمال ذات الطابع السياسي أو الوطني يُبطن ظلماً كبيراً للصفة نفسها ولحامليها في الوقت نفسه، لكونه يُنمِّط الالتزام في خانة معينة ولون واحد، ويحاصر أصحاب تلك التجارب الرائدة ضمن قالب محدد، وهي، أي التجارب، ليست حكراً على الموسيقيين والمغنين، لأنها تشمل أيضاً الشعراء والروائيين والمسرحيين والرسامين وكل مَن وما يساهم في حفظ الذاكرة الوطنية ويرسّخ الانتماء إلى القضايا العادلة المتمثلة بالمقاومة والحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
أدب وفن يحاكي هموم الناس
يمكن استحضار تجارب شعراء المقاومة الفلسطينية والجنوب اللبناني ومسرح "الحكواتي" وروجيه عسّاف وجلال خوري ويعقوب الشدراوي وغيرهم ممن قدموا أدباً وفناً يحاكيان هموم الناس وتطلعاتهم نحو عالم أفضل، ورفعوا الصوت عالياً حين دعت الحاجة، لكنهم لم يتخلوا عن الشروط الفنية والجمالية الضرورية لكل نصّ إبداعي.
 ومع ذلك، فإن صفة الفن الملتزم بمعناها الانساني الشامل لا يمكن حصرها في إطار محدد أو قضية واحدة، ذلك أن كل عمل إبداعي إنساني عميق راق زاخر بالمضامين النبيلة والسامية ورافض للبذاءة والابتذال ولمنطق العرض والطلب الذي يحوّل الآداب والفنون إلى سلعة في سوق استهلاكي معولم هو نوع من الالتزام الإنساني والإبداعي.
الإبداع والإلتزام
هذه النظرة الرحبة إلى الإبداع والالتزام معاً هي ما دفعت أدباء وفنانين كباراً إلى عدم الاكتفاء بما قدموه من أعمال ذات طابع سياسي مباشر، بل سعوا دائماً إلى تطوير تجاربهم محاولين تجاوز اللحظوية والآنية والمناسبة المباشرة إلى فضاء إنساني أعمّ وأشمل يمسّ الإنسان في كل مكان وزمان، من دون التخلي عن السمات والخصائص المرتبطة والمنطلقة من الانتماء المكاني والوجداني.
وهنا، يمكننا الاستدلال بتجربة الشاعر محمود درويش الذي مرت قصيدته بمراحل ومنعطفات متعددة تعدد التجارب الإنسانية والكيانية التي عاشها كفلسطيني وكشاعر، فاستطاع تقديم نص يلامس كل وجع أو حلم أو تطلع، مازجاً بين صرامة الالتزام الفني والجمالي وضرورة الالتزام الوطني، حتى باتت قصيدته المحلقة في اهداء إنسانية عالمية واحدة من دعائم الهوية الوطنية الفلسطينية المعرّضة كل لحظة لمحاولات الطمس والتشويه من قبل الاحتلال الصهيوني.
ما نأمله ونتوقعه أن تولد من رحم هذه المواجهة الضارية مع المحتل الصهيوني نصوص إبداعية ترتقي إلى مستوى الحدث وتحتفظ بشروطها الفنية والجمالية، إذ لا يمكن لأي كاتب حقيقي، ولأي مبدع، أياً كان ميدان إبداعه أدباً وفناً وفكراً، أن يصمت حيال ما يجري أو ينأى بنصّه بعيداً من هذه اللحظة التاريخية المضطرمة.
صحيح أن الكتابة الإبداعية تحتاج إلى مسافة زمنية بينها وبين الحدث، لكن ما يحدث لا يمكن الصمت حياله أبداً، فما معنى الكتابة الآن إن لم تكن منحازة إلى الضحية ضد الجلاد، وإلى القتيل ضد القاتل، وإلى أصحاب الحق في مواجهة الاحتلال الباطل… والزائل لا محال!
البحث
الأرشيف التاريخي