تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
رغم الخلافات الكثيرة في الماضي
ما أسباب تعزيز العلاقات بين دول آسيا الوسطى وطالبان؟
مع ظهور حركة طالبان واستيلائها على المناطق الشمالية من أفغانستان، واجهت دول آسيا الوسطى ظاهرة جديدة. هذه الظاهرة الجديدة كانت حركة طالبان المتحالفة مع الجماعات الإسلامية المقاتلة من أصول آسيا الوسطى. دفع هذا الوضع الجديد دول آسيا الوسطى إلى مرحلة جديدة من التفاعل مع أفغانستان. من بين الدول الخمس في المنطقة، ظلت تركمانستان محايدة كما كانت من قبل، واتبعت كازاخستان وقيرغيزستان سياسة مراقبة الأحداث، بينما اتخذت أوزبكستان موقفًا معارضًا ولكن متسامحًا تجاه طالبان، أما طاجيكستان فقد وقفت إلى جانب ما يسمى بتحالف الشمال، الذي كان يتألف من جميع الجماعات المناهضة لطالبان، ودخلت في عداوة مع طالبان.
بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وتشكيل نظام سياسي جديد في البلاد، دعمت دول آسيا الوسطى الحرب الأمريكية ضد طالبان في أفغانستان وقدمت القواعد العسكرية وغيرها من المساعدات للولايات المتحدة، كما دخلت في علاقات سياسية واقتصادية مع الحكومة الأفغانية الجديدة.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانهيار النظام الجمهوري في البلاد، استعادت حركة طالبان السيطرة على أفغانستان مرة أخرى. على الرغم من الافتراضات الخطيرة حول الوجود المتجدد لطالبان في أفغانستان، خاصة بالنسبة لمنطقة آسيا الوسطى، إلا أن العلاقات بين حكومة طالبان ودول آسيا الوسطى، باستثناء طاجيكستان، بدأت بشكل سلس وتتطور بحرارة. في هذا السياق، يُطرح السؤال: لماذا تتوسع العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول آسيا الوسطى وحكومة طالبان؟
نهج طالبان المختلف
عندما ظهرت حركة طالبان في منتصف التسعينيات واحتلت المناطق الشمالية من أفغانستان المجاورة لآسيا الوسطى، أصيبت دول المنطقة بالخوف والقلق. كان السبب في ذلك طبيعة طالبان وتحالفاتها في ذلك الوقت.
اتبعت تركمانستان سياسة خارجية محايدة، وانسحبت من قضايا أفغانستان كما فعلت في الماضي، وحتى أنها عززت أمنها من جانب أفغانستان من خلال إقامة علاقات ضعيفة مع طالبان. أما أوزبكستان، فقد انتهجت سياسة التسامح تجاه هذه الجماعة رغم إعلانها المعارضة ضد طالبان، وبالإضافة إلى ذلك، منعت دخول الجماعات المقاتلة إلى أراضيها من خلال إغلاق جسر الصداقة وتشديد الرقابة على حدودها مع أفغانستان. أما طاجيكستان، فقد دخلت في عداء مع طالبان من خلال دعمها الشامل للقوات المعارضة لها. أما كازاخستان وقيرغيزستان، فقد اتبعتا سياسة المراقبة فيما يتعلق بالقضية الأفغانية بسبب بعدهما الجغرافي عن أفغانستان.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو الولايات المتحدة لأفغانستان، وقفت دول آسيا الوسطى إلى جانب الولايات المتحدة ضد طالبان من خلال منحها قواعد عسكرية والسماح لها باستخدام مجالها الجوي. في منتصف الحرب الأمريكية ضد طالبان، غيرت هذه الجماعة نهجها وقطعت دعمها للجماعات المقاتلة من أصول آسيوية وسطى. ومع حدوث هذا التغيير في نهج طالبان، خففت دول آسيا الوسطى من معارضتها لطالبان وبدأت تدريجيًا في اتخاذ موقف محايد فيما يتعلق بالقضية الأفغانية.
بعد أن مهدت طالبان الطريق للتعايش السلمي مع دول آسيا الوسطى خلال حربها مع الولايات المتحدة، فتحت باب التفاعل الإيجابي مع دول آسيا الوسطى بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودتها إلى السلطة. في المقابل، اغتنمت دول آسيا الوسطى، باستثناء طاجيكستان، الفرصة المتاحة ودخلت في تفاعلات سياسية واقتصادية مع حكومة طالبان. علاوة على ذلك، فإن تبني حكومة طالبان لسياسة خارجية تركز على الاقتصاد شجع دول آسيا الوسطى على توسيع تعاونها الاقتصادي مع أفغانستان. في الواقع، فإن سياسات طالبان الجديدة، القائمة على توسيع التعاون في المجال الاقتصادي والتعايش السلمي في المجال السياسي، خلقت تفاؤلًا كبيرًا في دول آسيا الوسطى وشجعتها أكثر من أي وقت مضى على الاستفادة من التفاعل السياسي والاقتصادي مع حكومة طالبان.
توافق روسي صيني بشأن أفغانستان
بالإضافة إلى النقاط الثلاث المذكورة أعلاه، هناك محور آخر يبقي أيدي دول آسيا الوسطى مفتوحة للتفاعل السياسي والاقتصادي مع حكومة طالبان، وهو النظرة المتوافقة والمواتية لكل من روسيا والصين في هذا الصدد. في الماضي، عندما كانت الولايات المتحدة موجودة في أفغانستان، اتخذت دول آسيا الوسطى خطوات حذرة للتقارب مع أفغانستان تحت الوجود الأمريكي. في الفترة التي تلت انسحاب الولايات المتحدة، أصبحت روسيا والصين من الدول الرائدة في إقامة تفاعل مع حكومة طالبان. ومع ذلك، فإن هاتين الدولتين تتحليان بضبط النفس إلى حد ما في التقارب مع طالبان، و لكن تركت هاتان الدولتان المجال مفتوحًا أمام دول آسيا الوسطى، بل وشجعتها على توسيع مستوى تفاعلها مع طالبان. وفقًا لتصور بكين وموسكو، فإن تقارب أفغانستان مع دول آسيا الوسطى يساهم في تعزيز المحور الشرقي في المنطقة، ويشكل حاجزًا أمام النفوذ الغربي فيها.
فرص اقتصادية
إن الفرص الاقتصادية التي توفرها أفغانستان لآسيا الوسطى مغرية لدول المنطقة. على هذا الأساس، فإن القضية الأهم هي النظرة الاقتصادية لدول آسيا الوسطى تجاه أفغانستان، والتي تجعلها أكثر جاذبية لآسيا الوسطى أكثر من أي قضية أخرى. من الناحية الاقتصادية، تتمتع أفغانستان بمزايا اقتصادية مربحة لدول آسيا الوسطى في عدة مجالات، مما يجعل هذه الدول ترى مستقبلًا مزدهرًا في توسيع التفاعل مع أفغانستان.
تُعد أفغانستان، باعتبارها دولة استهلاكية، وجهة مثالية لتصدير البضائع من آسيا الوسطى. في هذا السياق، تنظر كل من أوزبكستان وكازاخستان، اللتان تتمتعان بمستوى عالٍ من الإنتاج الزراعي والصناعي، إلى أفغانستان كسوق استهلاكية ذات طلب مرتفع وقريبة جغرافيًا. وكما يلاحظ، فقد تركز اهتمام هاتين الدولتين خلال السنوات الثلاث الماضية على تطوير الصادرات إلى أفغانستان، حيث قام مسؤولون رفيعو المستوى منهما بزيارات متكررة إلى أفغانستان ووقعوا العديد من الاتفاقيات لزيادة التجارة معها. وكان آخر هذه الزيارات زيارة رئيس وزراء أوزبكستان إلى كابول، حيث عقد عدة اتفاقيات اقتصادية مع طالبان، بالإضافة إلى افتتاح معرض كبير للمنتجات الأوزبكية في كابول.
بالنسبة لتركمانستان، فإن أفغانستان ليست فقط وجهة جيدة لتصدير النفط والغاز، وهما أهم صادراتها، بل إنها أيضًا تمهد الطريق لنقل الغاز التركماني إلى أسواق باكستان والهند التي تحتاج إليه بشدة. لقد أصبح مشروع نقل الغاز التركماني إلى الجنوب، والذي كان من خطط الحكم الأول لطالبان، فرصة مناسبة للتحقق في إطار مشروع "تابي". وفي هذا الصدد، بالإضافة إلى الزيارات المتكررة للمسؤولين التركمان للتشاور مع طالبان حول إعادة تشغيل المشروع، شارك قربان قولي بردي محمدوف والملا محمد حسن آخوند، رئيس وزراء حكومة طالبان، في مراسم بدء العمل ووضعا معًا حجر الأساس للمشروع.
ممر مهم
علاوة على ذلك، تعد أفغانستان الخيار الأفضل لتصدير الطاقة من آسيا الوسطى إلى أفغانستان نفسها وجنوب آسيا. وفي هذا الصدد، هناك عدة مشاريع غير مكتملة، بما في ذلك مشروع "كاسا 1000"، والذي تأمل دول آسيا الوسطى بشدة في تحقيقه في الظروف الحالية.
فيما يتعلق بدور أفغانستان كمعبر ونقطة اتصال مع الجنوب، وهو أحد الأحلام الكبرى لجميع دول آسيا الوسطى، ترى هذه الدول أن الوضع الحالي هو أفضل فرصة لتحقيق ذلك. وقد كان هذا الموضوع من أهم أولويات دول آسيا الوسطى خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان محورًا رئيسيًا في اتصالاتها مع حكومة طالبان. وفي هذا الصدد، هناك عدة مشاريع، لكن أهمها، والذي يحظى باهتمام معظم دول آسيا الوسطى، هو مشروع خط السكة الحديد المعروف باسم "عبر أفغانستان"، والذي يربط أوزبكستان بباكستان عبر أفغانستان. هذا المشروع، الذي أعربت كازاخستان مؤخرًا عن اهتمامها بالانضمام إليه، هو مشروع ضخم يتيح الربط بين منطقتي آسيا الوسطى وجنوب آسيا.
من بين دول آسيا الوسطى، كانت طاجيكستان وحدها متخلفة عن الركب بسبب معارضتها لحكومة طالبان، لكنها بدأت تدريجيًا تدرك أنها لا تستطيع الاستفادة من المزايا الاقتصادية العديدة التي توفرها أفغانستان دون التعامل مع حكومة طالبان. لهذا السبب، فتحت دوشنبه باب المفاوضات وإقامة العلاقات مع طالبان من خلال إرسال "سيد مؤمن يتيموف"، رئيس لجنة الدولة للأمن القومي في طاجيكستان، إلى كابول عدة مرات.