«الوفاق» تحاور الباحثة السورية مياده رزوق، والخبيرة الجزائرية فاطمة حاكمي
الشهيد نصرالله حفر في وجدان الشعوب ما لا تقوى صواريخ أمريكا على محوه
كان سماحة الأمين العام لحزب الله حجة الاسلام والمسلمين الشهيد السيد حسن نصرالله شخصية تاريخية قاد محور المقاومة في وجه العدو الصهيوني وباستشهاد سماحة السيد، الجميع يتألم؛ لكن إرادة المقاومين والمُحبّين باتت أقوى بكثير، لأن الشهيد نصرالله أكثر تأثيراً. كما لا يمكن للعدو ولا للصديق أن ينكر أن سماحة السيد نصرالله مثّل رمزية كبرى للمقاومة ضدّ المشروع الصهيوأميركي في المنطقة العربية والإسلامية، ومع استشهاده دخلنا مرحلة جديدة من التصعيد ستُكثّف فيها المقاومة من حجم ضرباتها كمّاً ونوعاً، ناهيك عن المفاجآت التي تحضّرها للعدو في حال نشوب حرب شاملة قد يُقدم عليها.وبعد الاغتيال الإجرامي من قبل الصهاينة، ذهبت المقاومة على طريق القدس، وفي نصرة غزّة، إلى أقصى مراتب التضحية والجهاد، رفعت سقف المواجهة إلى أعلاه، قدّمت أغلى ما لديها وأنبل: شبابها وقادتها الذين أفنوا أعمارهم في محاربة هذا العدو وجرّعوه الهزائم منذ انطلاقة أولى الرصاصات، دخلت المقاومة المواجهة دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في غزّة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورفضت التراجع عن هذا الخيار الأخلاقي بالدرجة الأولى بالرغم من كلّ ما حُمل إليها عبر الوسطاء من مغريات وتهديدات أميركية وغربية وعربية، ورغم التخاذل الذي لاقته من قبل بعض الدول الإسلامية التي وقفت موقف المتفرّج إزاء ما يحدث لشعب غزّة الأعزل من مجازر، فيما المقاومة قدّمت آلاف الشهداء خلال العام الأخير أي منذ إنطلاق عملية «طوفان الأقصى» التي جاءت ردّاً على حصافة وتعنّت العدو الصهيوني في توسيع رقعة احتلاله في الأراضي المحتلة.في ضوء التصعيد الصهيوني الأخير، والذي جاء بعد أن خسر الكيان كافة أوراقه في مواجهة جبهة المقاومة، واعتماده أسلوب الإغتيالات والضربات العمياء على المدنيين لبثّ حالة من الرعب في نفوس شعوب المقاومة، وتحطيم المعنويات، وبينما أثبتت المقاومة للعدو أن إرادتها أقوى بكثير مما يتصوّر، وأنها عدّت العدّة لما هو أبعد من ذلك، أجرت «الوفاق» حوارين منفصلين مع الباحثة والأكايمية السورية الدكتورة مياده إبراهيم رزوق، وآخر مع الباحثة والخبيرة السياسية الجزائرية فاطمة حاكمي، تحدّثتا خلاله عن شخصية السيد الشهيد حسن نصرالله، وأبعاد وتبعات المرحلة الراهنة.
الباحثة والأكايمية السورية د. مياده إبراهيم رزوق، قالت للوفاق مستعيدةً للأذهان بعضاً من سمات سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله: إنه سيّد العشق.. سيّد المقاومة.. سيّد الشهداء.. سماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله الذي حفر في وجدان الشعوب والتاريخ ما لا تقوى صواريخ الولايات المتحدة وأطنان من المتفجرات على محوه، هو صاحب الحضور الآسر المهيب وقوة البيان والحجة.
وأضافت مُستفيضةً في وصف سماحة الشهيد: هو السيد الذي بث الروح الثورية في مئات الآلاف، وترك وراءه مئات الآلاف من السائرين على طريق النصر.. هو أحد أعظم رجال الأمّتين العربية والإسلامية، وأحد أعظم القادة، والذي شكّل نموذجاً وقدوة لمئات الآلاف.. قاد الحزب منذ عشرات السنين، وأشرف على تحوله إلى قوة عسكرية ذات نفوذ إقليمي، عمل على إخراج قوات كيان الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000 من دون قيد أو شرط.. ممرغاً أنفها بالتراب.. مثبتاً للعالم كله أن «إسرائيل هذه، التي تملك أسلحةً نوويةً وأقوى سلاح جو في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت».
صاحب معادلات العزّة والكرامة
وأردفت: إنه السيد الذي لا تحدّه حدود مصطنعة، قرأ معادلات الإقليم بعين ثاقبة، ثم حسم قراره بشأن الحرب على سورية، ومن ثم الحرب على اليمن، في إطار القضية الأسمى، قضية فلسطين. كان يجب أن تصمد سورية بقيادتها، وألا تسقط في أيدي الولايات المتحدة و»إسرائيل» والتكفيريين، حتى تصمد المقاومة وفلسطين، وحتى لا يدخل سكان المنطقة في الظلمة والظلام. وتحقيقاً لهذا الهدف، أعلن السيد نصرالله، في أيار/ مايو 2013، قيام حزب الله بالقتال في سورية إلى جانب الجيش السوري ضدّ الإرهابيين، ثم من أشد الداعمين لليمن.
وتُسهب رزوق في وصف شخصية وتأثير سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله على الأمة، قائلة: هو صادق الوعد.. صاحب معادلات العزة والكرامة.. والرسائل الاستراتيجية.. صاحب المواقف التاريخية الذي رسخ مجموعة من المعادلات الاستراتیجیة.. هو من ارتقى شهيداً عظيماً على طريق القدس وفلسطين، ليلتحق بقافلة رفاقه الشهداء، وأبى حتى اللحظة الأخيرة، حتى النفس الأخير، أن يتخلّف عن أداء الواجب نصرةً للمقاومة في قطاع غزة.. في «طوفان الأقصى»، التي مثّلت المعركة «بين الحق كله، والباطل كله».
رمزية كبرى للمقاومة ضدّ المشروع الصهيوأمريكي
واستعرضت رزوق بعض النقاط المهمة حول تأثيرات اغتيال الشهيد السيد نصرالله في تحولات المنطقة وعزم المقاومة، وقالت: لا أحد ينكر أن سماحة السيد حسن نصرالله (رحمه الله) مثّل رمزية كبرى للمقاومة ضد المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية، وأن استشهاده يعدّ ضربة قوية لجماهير المقاومة في كل مكان ولقواعد حزب الله بالذات؛ لكن لا يمكن أن نغفل العين عن مجموعة من الحقائق:
- المقاومة فكرة بلورت مشروعاً من أهم أسسه الاستمرارية، ولذلك رغم الفقد والحزن لقادة المقاومة إلا أن استمرارية المشروع ليست مرتبطة بالأشخاص مهما كانت مواقعهم التنظيمية، قد يتعثّر المشروع قليلاً؛ لكن سرعان ما ينهض بسرعة من كبوته، وحزب الله أضحى نموذجاً جيداً للتدليل على ذلك. فبعدما اغتالت «إسرائيل» الأمين العام السيد عباس الموسوي عام 1992، في محاولة منها لتدمير حزب الله، تلقّت «إسرائيل» كابوسها الأخطر عليها على مدار أكثر من ثلاثين عاماً السيد حسن نصرالله.
- حزب الله تنظيم يستند على قاعدة شعبية كبيرة، وهرمية تنظيمية عريضة، ونخبة قيادية واسعة على مستويات العمل التنظيمي كافة، ولديه هيكل ونظام داخلي واضح ومؤسسات حركية مبنية على فكر المؤسسة وليس الفرد الواحد، وبذلك يمكن للحزب على مستوى الهيكل التنظيمي ملء أيّ فراغ يحدث بداخله، وخاصة أن حزب الله كتنظيم يقاتل «إسرائيل» منذ ما يقارب 40 عاماً، وهو معتاد على تغطية الاستنزافات البشرية التي ترافق عمله الجهادي، قد يكون الأمر صعباً نفسياً على قواعد حزب فقدان رجل بحجم ورمزية سماحة السيد نصرالله؛ لكن على المستوى العملياتي التنظيمي الأمور ستكون أكثر اندفاعاً.
- حزب الله تنظيم ذو طابع فكري وأيديولوجي واضح ومتين لا خوف على مواقفه السياسية والأيديولوجية، وقد أدّى سماحة السيد حسن نصرالله، دوراً محورياً في تثبيت ذلك وجعلها مسلّمات عند كلّ أركان حزب الله وقاعدته الجماهيرية.
- فكرة إنهاء المقاومة الذي تسعى لها «إسرائيل» فكرة هزلية، لن تجد موضوعية لها إلا في عقول قادة «إسرائيل» المأفونين، وعند الحديث عن حزب الله بالذات يصبح الأمر أكثر تعقيداً لوجود الحاضنة الصلبة والدعم اللامتناهي من كل أطراف محور المقاومة الذي يعدّ حزب الله درة التاج به.
وتابعت: كما قلت في مداخلة سابقة، قرأ سماحة السيد حسن نصرالله معادلات الإقليم بعين ثاقبة، وجعل فلسطين قضيته والقدس بوصلته، فلم تقف الحدود المصطنعة حاجزاً أمام مشروعه التحرري، فكانت مشاركة المقاومة الإسلامية اللبنانية «حزب الله» سورية بالحرب على الإرهاب جزءاً من حرب تحرير فلسطين، وكذلك دعم القوات المسلحة اليمنية.. من بعد مجموعة من الانتصارات وتكريس للمعادلات الاستراتيجية بدءاً من «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» في عام 2000 إلى «ولّى زمن الهزائم وأتى زمن الانتصارات» في عام 2006.. إنتقالاً إلى تموضعه كجبهة إسناد ودعم لغزة في معركة «طوفان الأقصى».
تآكل هيبة الولايات المتحدة
وأشارت رزوق إلى أهمية تضحيات حزب الله والمقاومة في المنطقة، موضحةً: أدّت بالتنسيق والتشبيك مع جبهات محور المقاومة في اليمن والعراق وسورية وايران إلى تآكل هيبة الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع نفوذها في الإقليم.. وتآكل قوة ردع كيان الاحتلال الصهيوني وتراجع الرواية الصهيونية التلمودية على حساب تقدم الرواية الفلسطينية في الرأي العام العالمي.. نحو الاستعصاء في عنق زجاجة أزماته وانقساماته الاجتماعية والسياسية.. ومشاكله الاقتصادية.. يحارب بخطوات تكتيكية دون أفق لتحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة في قطاع غزة وشمال فلسطين المحتلة.
وقالت: لقد بدأ رد محور المقاومة بسلسلة عمليات خيبر بسواعد أبطال حزب الله.. إلى الصواريخ اليمنية على السفن الأمريكية والبريطانية في عرض البحر الأحمر.. إلى عمليات بطولية جهادية فلسطينية في تل أبيب.. إلى عمليات حيدرية إيرانية في إطار «الوعد الصادق2»، معيدة الأمور إلى نصابها، ومؤكدة على قوة ووحدة محور المقاومة.. وأن قادة المحور تغضب؛ لكن تغضب بحكمة كما قال سماحة السيد حسن نصرالله.. من قبل ولدى أي حدث جلل.. أو خسارة فادحة كنّا نستمد القوة والعزيمة والإرادة من نبض حروف وكلمات سماحة السيد حسن نصرالله.. أما اليوم نستمد القوة والعزيمة والإرادة من قدسية وحرارة دمه الطاهر النقي.
لا خشية على حزب الله
وأكملت بشأن حزب الله ما بعد الشهيد حسن نصرالله، قائلة: لا خشية على حزب الله كتنظيم وكمقاومة بعد اغتيال سماحة السيد حسن نصرالله، في مواجهة المخطط الإسرائيلي لتخريب المنطقة.. «ترتيبات جديدة» بذات التشبيك والتنسيق مع كافة أطراف محور المقاومة، فالاندفاعة الإسرائيلية غير المسبوقة وخاصة بعد نشوة اغتيال السيد نصرالله، ستجعل الحسابات الإسرائيلية تتجه نحو مزيد من المعارك والحروب مع باقي مكونات محور المقاومة، فالحديث الإسرائيلي يدور حول قتال على سبع جبهات للمقاومة، بمعنى أن سورية والعراق واليمن وإيران ضمن المخطط الصهيوني، لاسيما أن قادة «إسرائيل» انتقلوا من الأهداف الموضوعية المحدودة تحت استراتيجية إدارة الصراع، إلى استراتيجية حسم الصراع ذات الأهداف النازية التلمودية الهزلية، وبالتالي تلقي «إسرائيل» بكامل قوتها وآخر أوراقها في معركة التاريخ، وسننه تخبرنا أن نتيجتها الفشل ليبزغ فجر الانتصار الحتمي للمقاومة ومشروعها المرتقب.
من القادة القلائل الذين واجهوا العدو الصهيوني
من جانبها، قالت الكاتبة والخبيرة في الشؤون السياسية الدكتور فاطمة حاكمي عن شخصية السيد الشهيد نصرالله: مكانته في قلوب الشعوب العربية، هي أنه من الرجال البواسل الذين لا يتكرّرون.
وتابعت: بالنسبة إلى السيد حسن نصرالله(رحمه الله) مما لا يختلف فيه إثنان أنه من القادة القلائل الذين واجهوا العدو الصهيوني بكل شجاعة في عدوان سنة 2000 و2006 في زمن كثر فيه المنبطحون والمطبعون، وخرست ألسنتهم في وقت كان عليهم أن يقفوا إلى جانب القضايا العادلة في فلسطين ولبنان.
وتابعت: اغتيال السيد حسن نصرالله رغم أنه سيغيّر بعض الموازين في مسار المقاومة اللبنانية لدوره المحوري فيها منذ سنوات، إلاّ أنها لنّ تتأثر سلباً بالتراجع عن المسار الذي رسمه الرجل.. فنحن في الجزائر مثلاً، وكما قال الراحل بومدين: «نحن دولة لا تزول بزوال الرجال.. يذهب الرجال ويبقى الأثر»، فالأكيد حسب قراءتي الوضع أن المقاومة سيزيدها اغتيال الرجل الأول فيها دفعاً إلى الأمام دفاعاً عن لبنان وغزة.
هيبة أمام الأعداء
وأردفت كلامها للوفاق: الشهيد حسن نصرالله الرجل الأول في حزب الله والرجل الأول بالنسبة للحكام العرب والمسلمين الذي واجه العدوان الصهيوني على لبنان في أكثر من مرة سنة 2000 و2006 وأجبره على التراجع، وهذا ليس بالأمر اليسير، وما الحزن الذي خيّم على المواطن العربي منذ إعلان خبر استشهاده إلاّ دليل على مكانته في قلوب الشعب العربي.
المقاومة في عهده استطاعت أن تحقق للبنان هيبة أمام الأعداء، وأعتقد لولا حزب الله لاستبيحت لبنان من زمان، والأيام القادمة كفيلة بتوضيح الأمور.
واختتمت كلامها بالقول: في الختام أود أن أقول أن الكيان ومعه أمريكا والناتو يعملون على القضاء على كل من يقف في طريقهم أو يعارض سياستهم العدوانية التوسعية، والاغتيالات التي طالت الكثير من الزعماء العرب وصولاً الى الشهيد السيد حسن نصرالله دليل على سياسة التصفية الممنهجة، فالعدو الآن لن يكتفي باغتيال السيد نصرالله، بل سوف لن يتوقف إلاّ إذا قضى على عناصر المقاومة واحداً واحداً، سيما إن كان هناك خونة وعملاء، فالعملية تكون سهلة عليهم، وهذا ما لا نتمناه أن يحدث.
وتابعت: إن كانت الأمور واضحة اليوم، فالخذلان العربي واضح وضوح الشمس.. فإما البقاء على المبادئ والمواقف وعدم الاستسلام إلى آخر نفس، وإما الخضوع والخنوع والاستسلام كما حدث في الأندلس.