الباحث والخبير الاستراتيجي «الدكتور حسن أحمد حسن» للوفاق:
المقاومة كابوس يؤرّق قادة الإحتلال.. والدوافع الذاتية لاجتثاثهم تنمو وتتعاظم
في ظلّ أوضاع فارقة على مستوى محور المقاومة، وعقب جريمة إغتيال سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله ورفاق دربه من شهداء المقاومة، لا ينفك العدو الصهيوني يرفع كل يوم من نمط ارتكاباته ومجازره بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في لبنان وفلسطين على حدّ سواء، زاعماً أنه يستهدف مقاتلين ومواقع وبنى تحتية عسكرية لحزب الله، فيستمر في تنفيذ آلة القتل والتدمير، من دون أن يأخذ بالحسبان المؤسسات والقوانين الدولية والإنسانية وقوانين الحرب والمحاكم المعنية بمتابعة هذه الإبادة الجماعية، والتي أصبحت روتينًا عاديًا ضمن أهداف عملياته الجوية والصاروخية.في ظل هذه التطورات المقاومة صامدة وباسلة ومستمرة بقوة في وجه العدو ،كما نرى أن العدو يهدد بالعملية البرية، ولكن المقاومة الاسلامية في لبنان ورغم ما تمرّ به ما يزال يمسك بزمام المبادرة، ويدير معركته العسكرية لناحية القدرة الصاروخية والمسيرة، والتقليدية التي كشف عنها، أو غير التقليدية التي ما تزال خارج ميدان المواجهة، أو لناحية الانتشار التكتيكي والجهوزية العملانية على الحدود.ولمن يعتقد أن المعركة انتهت باغتيال شخص الشهيد القائد السيد حسن نصرالله فهو خاطئ تماماً، حيث نستطيع أن نقول بأن المعركة بمواجهة العدو ما تزال في بدايتها، وإن قدرة المقاومة في التعامل مع أي تطور ميداني أو عسكري، ما تزال على المستوى نفسه الذي عهدناه دائماً من التوازن ومن الجهوزية الكاملة، وأن اغتيال سماحة السيد وقادة المقاومة سيزيد من عزيمة أبنائها في تحرير الأراضي المحتلة ودحر العدو الصهيوني المجرم. في خضمّ هذه التطورات، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحث والمحلل المتخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية الدكتور حسن أحمد حسن، تحدّث خلالها بإسهاب عن أبعاد ومؤشّرات المرحلة الراهنة، ومآلات ما يتمخّض عنها، وفيما يلي نصّ الحوار:
قبل الجواب أحاول جاهداً حبس مجاري دموع الروح والعقل والقلب والوجدان لأستمطر شآبيب الرحمة والرضوان والمغفرة والقداسة لروحه السمحة الزكية المطمئنة وقد رجعت إلى ربها راضية مرضية، بعد أن أدت ما عليها تجاه الدين والقيم والأخلاق وتجاه شعبها ووطنها، بل وتجاه الحق وإنسانية الإنسان على الوجه الأكمل.. سماحة الشهيد القائد الجهادي المقاوم الأمين العام لحزب الله من قبس نوري قدسي أشرق وأضاء الدرب وارتقى بعد أن اطمأن على استواء عربات القطار جميعها على السكة نحو تحقيق الأهداف رغم أنوف طواغيت الكون.. إنه حفيد الإمام الحسين(ع) وهو درة شعشعانية في قلادة المقاومة التي حملت على منكبيها مسؤولية قول كلمة الحق في وجه أكثر السلاطين جوراً على امتداد تاريخ البشرية الطويل، فكان بحق في أقواله وأفعاله الأنموذج والقدوة في التمسك بأهداب الدين الإسلامي الحنيف، والتأسي برسول الله(ص) والاقتداء بنهج عترته آل بيته الأطهار(ع) وكان بحق المؤمن القوي الذي هو أحبُّ إلى الله وأقرب، وقد جمع في شخصيته القيادية الإيمانية الجهادية الفذة كل ما له علاقة بالكاريزما والهيبة والاحترام والتقدير في أعماق كل من لديه ذرة من وجدان وضمير وأخلاق وعقل يستضيء بنور الحكمة، فكان الإمام الجليل المُفَوَه، والخطيب الذي لا يدنو من أسوار بلاغته وحجته وقدرته على الإقناع أيٌّ آخر، وما بين القول وإيصاله مساحات على مد البصر والبصيرة من العمل والبذل والعطاء والإنجازات وتحصين رجال تجاوز عددهم المئة ألف ممن ينطبق عليهم شرف التوصيف والتسمية «حزب الله» «وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون».
سماحة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله(قدس) خير مَن جسّد الوفاء بأسمى معانيه، والالتزام بأعلى درجاته بالنهج الكربلائي الباقي والمستمر والمتجذر والمتصاعد ولو كره أعداء الله والحق والإنسانية.. ومن وجهة نظري الشخصية كان ويبقى شخصية القرن الحادي والعشرين بلا منافس وعلى مستوى العالم أجمع، وليس على المستوى الإقليمي فحسب، فالشهيد القائد وما تميزت به شخصيته المقاومة الفذة والهالة من التبجيل التي ترافق طيفه في الحل والترحال وكثير غير ذلك ما هو إلا جزء بسيط مما اختزنه شخصه الكريم من القيم الإنسانية السامية والإسلامية الندية المبرأة من كل عيب، والعروبية التي تتجاوز كل ما أثقل كاهل العروبة -على امتداد عقود- من علاقات مشبوهة سامّة مع قتلة الأنبياء والمرسلين، وسماحته كان ويبقى أيقونة المقاومة، وسيفها الأمضى الذي عاد إلى ملكوته النوراني، بعد أن عرفته ساحات المواجهة وميادين الذود عن الحق والكرامة والسيادة، ولم يعرف غمده منذ لحظة تجرده منه لإعلاء كلمة الله، وإحياء النهج الحسيني الكربلائي في مواجهة أعداء الإنسانية جمعاء.. باختصار شديد كان سماحة الشهيد القائد نصرالله ويبقى واسطة عقد القادة الشرفاء الميامين .
برأيكم هل سيؤثر اغتيال السيد حسن نصرالله على إرادة المقاومة في القضاء على العدو الصهيوني؟
حزب الله تنظيم مقاوم يتكامل في أدائه مع بقية التنظيمات والحركات المقاومة، ويشد من أزرهم دول مقاومة كما هو الحال في سورية وإيران، والمقاومة كظاهرة هي رد فعل مشروع على فعل لا مشروع، فمن المسلم به أن التنظيمات والحركات المقاومة تولد وتتطور في الدول التي يكون فيها دور الدولة المركزية هامشياً أو شبه غائب، كما هو الحال في فلسطين ولبنان الذي كان محكوماً بقاعدة: «قوة لبنان في ضعفه» فحولت المقاومة ذاك العرف البالي إلى النقيض، وغدت «قوة لبنان في مقاومته وشعبه وجيشه»، والانتقال بلبنان من تلك الضفة إلى الضفة الأخرى إنجاز خاص بالمقاومة بامتياز، وهذا ما لا يمكن تجاوزه ولا تغييب أو تحييد تأثيراته، وبخاصة أن هرمية البناء التنظيمي لحزب الله والتقيد الصارم والتام من جميع عناصره بتوجيهات المستوى الأعلى تمنح الحزب طاقة خلاقة في مواجهة المحن والشدائد، وليس جديداً على هذا الحزب الإلهي تحويل التحديات والتهديدات والمخاطر إلى فرص، ولا شك أن النفحة الإيمانية الخالصة التي تصبغ أداء حزب الله تضع في أول سلم اعتباراتها أن الأعمار بيد الله، ولكل أجل كتاب « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» وهنيئاً لمن يمنّ الله عليه بالشهادة، فهي الوسام الأرفع في الدنيا والدين بآن معاً، ومثل القناعات كفيلة باستمرار العمل وفق هيكلية تنظيمية دقيقة مهما كان حجم النوائب والكوارث المحتملة في أي وقت، وحزب الله معروف منذ انطلاقته الأولى بأن قادته ورموزه مستهدفون بشكل دائم من قبل العدو المجرم الصهيوني، وقد سبق للحزب أن فقد أمينه العام الأسبق الشهيد السيد عباس الموسوي الذي اغتاله جيش الإحتلال الإسرائيلي في عام 1992 إثر عودته من احتفال أقيم في قرية جنوب لبنان بذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب، وكان القتلة المجرمون يظنون أن حزب الله سيُقْصَم ظهره باغتيال أمينه العام؛ لكن ما ثبت على أرض الواقع أن المقاومة في حزب الله حملت دم قائدها ونهجه ومضت قدماً في مراكمة أوراق القوة والمنعة حتى غدت الكابوس الذي أرق قادة تل أبيب، وأرغم جنرالاتهم على الانسحاب من جنوب لبنان تحت جنح الظلام في أيار عام 2000م، وأتى عام 2006 وحرب 33 يوماً في تموز وآب لتعزز انتصار عام 2000 بانتصار ناجز وعلني ليس في مواجهة الكيان الإسرائيلي فحسب، بل في وجه «إسرائيل» وأمريكا والغرب الأطلسي ومعظم دول العالم ، وهكذا تحول حزب الله بقيادة سماحة الشهيد القائد حسن نصرالله إلى الرقم الأصعب الذي يفرض قواعد الاشتباك على العدو الإسرائيلي وليس العكس.الأمر الآخر المتعلق بالجواب على السؤال خاص بالأداء الميداني الإعجازي لرجال حزب الله في الميدان وتكامل الأداء السياسي مع الميداني، وهذا يبرهن على أن المسيرة الكفاحية للحزب هي بحق استكمال لنهج الإمام الحسين(ع)، ومثل هذا النهج الكربلائي يقوى ويشتد ويتعاظم، ولا يبهت أو يخفت قط.نعم، المصاب جلل والخسارة فادحة وكبيرة، والضربة أكثر من مؤلمة لجميع أقطاب محور المقاومة؛ لكنها الحرب، والوفاء لدماء الشهيد القائد نصرالله(قدس) يعني إكمال المسار، وإتمام الرسالة، وبقاء الراية مرفوعة، وهذا ما يحدث على أرض الواقع، فعلى الرغم من هول الخطب وعظم المصاب إلا أن الأداء الميداني لم يتراجع قيد أنملة ولن يتراجع، بل على العكس فحقد المقاومين وأنصار الحق على العدو الإسرائيلي تضاعف، والدوافع الذاتية لاجتثاث تلك الغدة السرطانية وينمو ويتعاظم، ولن يكون الثمن الأولي بأقل من اقتلاع الكيان بكليته، وإرغام راعيته الولايات المتحدة الأمريكية الشيطانية على الخروج من كامل المنطقة طال الزمن أم قصر.
كيف تقيّمون إنجازات وتضحيات حزب الله لبنان والسيد الشهيد حسن نصر الله إزاء القضية الفلسطينية ودعم غزة؟
قد يكون التقييم الأهم يظهر بوضوح عبر تصريحات المجرم نتنياهو وبقية أعضاء حكومته العنصرية المتوحشة، فضلاً عم يتم نشره عبر وسائل الإعلام الإسرائيلي ومنصات التواصل الإجتماعي، حيث يجمع المستوطنون الصهاينة على أنهم يثقون بكلام سماحة السيد نصرالله أكثر من ثقتهم بتصريحات جميع المسؤولين الصهاينة ومَن يدعمهم دونما استثناء «والحق ما شهدت به الأعداء»، ويمكن الإشارة ولو باختصار إلى بعض العناوين المهمة، والأفكار العريضة التي تساهم في توضيح الصورة، ومنها:
•أهمية جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله تبلورت بوضوح تام منذ الثامن من تشرين الثاني 2023م، أي منذ اليوم الثاني لبدء ملحمة «طوفان الأقصى»، وبالتالي حزب الله بقيادة سماحة السيد نصرالله هو أول مَن اتخذ القرار ونفذه بعدم السماح بالاستفراد بغزة والمقاومة الفلسطينية، وأكد بالأفعال قبل الأقوال، وبالنار والصواريخ والطائرات المسيرة قبل التصريحات والرد على أضاليل الإعلام الصهيوني.
• عندما نتحدث عن جبهة إسناد من جنوب لبنان، فهذا يعني إشتعال كامل المنطقة الحدودية على امتداد أكثر من مئة ألف كم: من رأس الناقورة إلى أطراف جبل الشيخ، وهذا ما ألزم الإسرائيلي على تخصيص أكثر من ثلاث فرق عسكرية باتجاه جبهة الشمال على امتداد الحدود اللبنانية - الفلسطينية، أي أن حجم الدمار وآلة القتل والتوحش في التدمير وحرب الإبادة ضد غزة على امتداد عام كانت ستتضاعف لولا قرار حزب الله إشعال جبهة إسناد على مدار الساعة.
•منذ الأيام الأولى لإشعال جبهة الإسناد في الجنوب اللبناني، قدم حزب الله عشرات الشهداء والجرحى، وواجه بكل صلابة ويقين آلة القتل الصهيو-أمريكية التي تطال شرورها الجميع مدنيين وعسكريين بآن معاً.
•قدرة حزب الله على فرض قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي وليس العكس، فقصف بعلبك يقابله قصف الجولان، واستهداف المدنيين يوازيه استهداف للمغتصبات التي أرغم مستوطنوها على الفرار وتركها خاوية على عروشها، وبالتالي التصعيد يقابله تصعيد، والتوسيع يقابله وبشكل آني توسيع مماثل، وهذا ما أدى إلى توقف عجلة الحياة في كامل الجزء الشمالي من فلسطين المحتلة، ولا شك أن لهذه النتيجة الأولية الكثير من التأثيرات المتفرعة وفي كل ما يتعلق بالزراعة والصناعة والسياحة، وبقية روافع الاقتصاد الإسرائيلي.
•دور حزب الله المحوري في دعم المقاومة الفلسطينية وعلى شتى الصعد والميادين، ولاسيما ما يتعلق بنقل خبرات تصنيع السلاح، والإمداد بشكل مباشر أو عبر حلقات أخرى بما أمكن من سلاح للدفاع عن النفس وحق الحياة في مواجهة التوحش الإسرائيلي الذي لم تعرف له البشرية مثيلاً قط، ولن يكون نصيب هذا الفصل الجديد من العدوانية والغطرسة ونزعة القتل والإبادة ومحاولة التهجير القسري التي تنفذ بالمشاركة والتعاون بين تل أبيب وواشنطن -لن يكون نصيبها- إلا كغيرها من الفشل والإخفاق الذريع وتعرية الوجه البغيض لهؤلاء القتلة أمام العالم أجمع.
هل لديكم ما تودّون قوله إزاء هذه الجريمة الهمجية وشخص السيد الشهيد حسن نصرالله؟
من المهم العمل على إيصال رسالة عملية للقتلة المجرمين فحواها يقول: خسئتم، لن تنالوا إلا لعنة التاريخ والأجيال، وهيهات لمجازركم وإجرامكم أن يفت في عضد المقاومة، فسماحة الشهيد القائد البطل حسن نصرالله قد أعد أفواجاً متتالية ولا متناهية لمواجهتكم، وكثيرون هم المؤهلون والأكفياء لتسنم المهمة وحمل الراية وإكمال الدرب والمسيرة، ولئن ارتقى السيد نصرالله شهيداً فتلك كانت أمنيته القصوى، وقد اجتباه الله واصطفاه لينضم إلى من سبقه من الشهداء والقادة الميامين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. فلتطمئن روحك السمحة الطاهرة يا سيدي الشهيد، فجدك الإمام الحسين(ع) سيد شهداء العالمين، وأنتم يا حفيد الحسين وعترة آل محمد الطيبين الطاهرين سيد الشهداء على طريق القدس، وسيد شهداء المقاومة في القرن الحادي والعشرين، ولسوف تبقى إشارة سبابتك عندما كنت ترفعها في أي خطاب -ستبقى- الكابوس الذي يقض مضاجع قتلتك الطغاة المجرمين، كما ستبقى معالم أيّة ابتسامة كانت ترتسم على محياك السموح طاقة معنوية خلاقة لجميع المقاومين الصادقين الثابتين الراسخين المصممين على تحقيق أمنيتك والصلاة في المسجد الأقصى عما قريب إن شاء الله، وعلى كل مَن يشغل نفسه يرد محور المقاومة أن يريح نفسه من عناء التفكير في أمر سبق لسماحة السيد أن وصفه بأن الخبر هو ما ستشاهدون وليس ما تسمعون، ومحور المقاومة مؤمن وعلى يقين مطلق بأن وعد الله نافذ لا محالة، وحاشا لله أن يخلف الميعاد.تغمد الله بواسع رحمته الشهيد القائد سماحة السيد حسن نصرالله، وعهداً على إكمال هذه المسيرة المقاومة وهذا النهج الكربلائي المحكوم بانتصار حتمي قريب بإذن الله تعالى وحسن توفيقه.