تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
«الوفاق» تحاور نشطاء سياسيين وحقوقيين حول جريمة اغتيال الشهيد السيد حسن نصرالله
المقاومة تعمل وفق نظام مؤسساتي؛ والسيد کان نموذجاً للتضحية والفداء
الجريمة الصهيونية النكراء جاءت في إطار تحركات مُكثّفة للصهاينة في الأسبوعين الأخيرين في محاولة خاوية إلى ضرورة سد الجبهة الشمالية من أجل شل حزب الله، وعلى وقع تخبّط الكيان الصهيوني وخلوّ جعبته من أي قدرة على مهاجمة لبنان على الأرض، فبدأ حربًا أمنية، بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال والقتل الجماعي للشعب اللبناني.
عقب ذلك، استعرّت الهجمات الجوية والإرهابية للكيان الصهيوني في الضاحية الجنوبية على المباني السكنية، وبالطبع استشهد إثرها عدد من كبار قادة المقاومة، وبدأت جولة جديدة من هجمات هذا الكيان في مناطق مختلفة من لبنان، وأخيراً انتهت هذه الأحداث بهجوم واسع النطاق على الضاحية وختمت باستشهاد سيد المقاومة.
خلال الأشهر الماضية، وبعيداً عن ردود الفعل الانفعالية، وبعملية دقيقة، واصل حزب الله مهاجمة العدوّ الصهيوني، ومن دون الكشف عن كافة قدراته وإمكاناته العسكرية والتسليحية، ومقراته ومستودعات أسلحته ومنشآته والمراكز اللوجستية، تم الهجوم على مواقع العدوّ العسكرية في مدينة حيفا شمال الأراضي المحتلة ومينائها الاستراتيجي.
وأن المقاومة ستستمر بكل قوة في هذا المسار حتى زوال الكيان الصهيوني.
خسارة سماحة السيد حسن نصر الله الذي استشهد في طريق الوفاء لفلسطين ومساندة الشعب الفلسطيني في ظل هذه المذبحة التي يتعرض لها من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ليكون بذلك شهيد الأمة الإسلامية، أحدثت موجة من الحزن والأسى لدى جميع الأحرار والشرفاء في أنحاء العالم نظراً لمحبوبيته الكبيرة بين الأوساط الشعبية الاسلامية والدولية، في ضوء ذلك أجرت صحيفة الوفاق سلسلة حوارات مع كل من المحامية والناشطة اللبنانية في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان رئيسة منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب الدكتورة «مي صبحي الخنسا»، وآخر مع الخبير السياسي في شؤون المنطقة الدكتور «يوسف الصايغ»، بالإضافة إلى حوار مع الكاتب المصري ومؤسس الإتحاد العالمي للمواطن المصري في الخارج الدكتور «بهجت العبيدي»، تحدّثوا خلالها عن سمات شخصية سيد المقاومة وتبعات جريمة إغتياله على المنطقة، وما سيتمخّض عن استشهاده في طيّات المرحلة القادمة.
الخنسا: شخصية الشهيد نصرالله مهمة جداً
في هذا السياق، قالت المحامية والناشطة في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان رئيسة منظمة مرصد لحقوق الإنسان في بيروت، ومنظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب الدكتورة «مي صبحي الخنسا» للوفاق: الشهيد السيد حسن نصر الله هو رمز وطني ورمز للمقاومة في لبنان، وفي الدول العربية، وفي جميع أنحاء العالم، لم يأل السيد الشهيد جُهداً في دعم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية والوطن العربي في كل المجالات، وفي كافة الميادين السياسية والعسكرية والاجتماعية، إذ إنه شخصية مهمة جداً نادرة الوجود، لديه القدرة الفائقة على التعامل مع كافة التحديات والأزمات التي تواجهه، وفي نفس اللحظة يمكن أن يكون هادئاً جداً ومتفهماً تماماً لما يحدث.
وأردفت كلامها للوفاق حول تبعات استشهاد السيد نصرالله، وهل سيكون لهذه الجريمة تأثير أو تداعيات على إرادة المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني: إن العدو لو كان لوحده فإن الأمر هيّن؛ لكن الشهيد المغوار كان يقف مقابل أميركا ودول الغرب والقوى العظمى، وحتى بعض الدول العربية؛ لكن استشهاده رغم أنها كانت مصيبة كبيرة، إلاّ أن هذا الأمر ليس له تأثير على فكر وعمل المقاومة التي ستستمر حتى تحرير فلسطين من الاستعمار الغربي. وأوضحت: المقاومة ماضيةٌ على خط الرسول الإكرم(ص) وخُطى سيدالشهداء الإمام الحسين(ع).
وبشأن طبيعة الردّ وضرورته، قالت الخنسا: من الواجب أخذ الثأر على أن يكون يليق بحجمه وعلى قدر الشهيد. وتابعت كلامها: فيما أثقل كاهلها الحزن على رحيله إبكي يا لبنان، ابكي يا بيروت، ابكي يا ضواحي الجنوب وحاراتها، ابكوا أيها الجنود الأبطال، فإن قائدكم الذي تحمل أشد الآلام بابتسامة ساحرة قد رحل، تاركًا وراءه ثقل الحزن والهموم التي حملها على شهداء فلسطين والأبطال الذين ضحوا لأجلها. لقد كانت التكنلوجيا المدمرة التي تطاولت على كرامتهم جزءًا من الألم. وأضافت: إبكي أيها العالم الإسلامي على رجل أفنى حياته في خدمة فلسطين وتقبله اللهم في عليين، وأسكنه فسيح جناتك مع الصالحين والأبرار، ومع جده الحسين(ع).
الصايغ: فقدن السيد خسارة كبرى
من جانبه، قال الخبير السياسي في شؤون المنطقة الدكتور يوسف الصايغ بشأن شخصية ومكانة الشهيد السيد حسن نصر الله: لا شك أن فقدان شخصية بحجم السيد حسن نصرالله وفي ظل معركة «طوفان الأقصى» يشكل خسارة كبرى على مستوى المقاومة في لبنان ومحور المقاومة بشكل عام، فالسيد نصرالله صاحب إطلالة كاريزماتية لها بالغ الأثر والتأثير في الجماهير؛ وكان ذلك يظهر بوضوح من خلال التفاعل مع خطابات السيد نصرالله وإطلالاته التي كانت تعطي شحنات معنوية لجمهور المقاومة.
وتابع: السيد نصرالله ليس مجرد أميناً عاماً لحزب الله، بل هو شخصية لها وزنها الإقليمي والدولي حيث شكّل العامود الفقري في محور المقاومة، من خلال الإنجازات التي تحققت في مواجهة الكيان الصهيوني وفي التصدي لخطر الارهاب الذي ضرب منطقتنا، ومن هنا كان له هذا الدور الفاعل والمؤثر على مستوى القرار السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة عموماً.
وأضاف بشأن تأثير إغتيال السيد حسن نصر الله على إرادة المقاومة في القضاء على العدو الصهيوني: إن غياب شخصية بوزن السيد نصرالله سيكون له تأثير على المستوى المعنوي نظراً لرمزيته وموقعه، إلا أن المقاومة تعمل وفق نظام مؤسساتي، وقراراتها تأتي وفق آلية وأطر تنظيمية، والسيد نصرالله كان هو الشخص الذي يطل إعلامياً لإعلان القرارات والتوجهات؛ لكن هناك مجلساً جهادياً يقوم بالتصويت على الشؤون السياسية والعسكرية، وبالتالي جسد المقاومة أصيب بانتكاسة؛ لكنه قادر على التعافي والنهوض كما فعل بعد اغتيال الشيخ راغب حرب وبعد السيد عباس الموسوي الذي خلفه السيد نصرالله على مدار 32 عاماً، حيث شهدنا كيف تطور عمل وآداء المقاومة ميدانياً وسياسياً؛ وبالطبع مسيرة الحزب مستمرة وهي ستعمل على ترميم وضعها الداخلي، واستعادة المبادرة، وتأهيل وضعها الداخلي، واستكمال مسيرتها الجهادية والنضالية.
وعن تقييم إنجازات وتضحيات حزب الله لبنان والسيد حسن نصر الله إزاء القضية الفلسطينية ودعم غزة، أضاف: لا يمكن تحديد حجم الدور الذي لعبته المقاومة في لبنان في نصرة فلسطين وقضيتها، لاسيما منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الفائت، حيث قدمت المقاومة في لبنان الغالي والنفيس إسناداً لغزة ومقاومتها. ومع استشهاد السيد نصرالله نكون أمام قمة العطاء والبذل والتضحية الذي يمكن أن تقدمه حركة المقاومة من أجل فلسطين عبر التاريخ، فهذه المعركة باتت معركة تضحية وملحمة فداء بكل ما للكلمة من معنى.
وبشأن ردّ محور المقاومة على جريمة إغتيال السيد حسن نصر الله، أضاف الدكتور الصايغ: لا شيء يمكن أن يعوض خسارة شخصية بحجم السيد نصرالله، ومهما كان مستوى الرد على اغتياله فانه يبقى أقل من أن يشكل رداً لأنه لا توجد في كيان العدو شخصية بحجم ووزن السيد نصرالله، لأننا أمام كيان جبان وعاجز يقتل؛ لكنه لا يقاتل، بينما السيد نصرالله اندفع بكل ما لديه، وقدم حياته ودمه فداء لغزة والأقصى. وبالأمس رأينا كيف وصلت الصواريخ والمسيّرات إلى القدس ويافا وطبريا من قبل محور المقاومة الذي يقوم بالرد على جريمة اغتيال السيد نصرالله ورفاقه الشهداء حيث ستكون دماؤهم من أجل فلسطين وحريتها.
وإختتم كلامه بالقول: إننا أمام مسار جديد بعد اغتيال السيد نصرالله وهذا العمل الجبان الذي أقدم عليه كيان الاحتلال الصهيوني بضوء أخضر أميركي هو جريمة موصوفة وعدوان تجاوز كل الحدود؛ وبالطبع فان طبيعة المعركة بعد هذا الاغتيال الآثم تغيرت وقواعد المواجهة تغيرت وثمن اغتيال السيد نصرالله سيكون بحجم دوره على صعيد المنطقة والعالم، ونحن بانتظار المسار الذي ستسلكه قوى المقاومة في لبنان والمنطقة الذي دخلت في منعطف كبير، وسنكون أمام تطورات كبرى في المرحلة المقبلة.
العبيدي: الإرث البطولي الذي تركه الشهيد
من جهته، قال مؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري في الخارج، الدكتور بهجت العبيدي، في معرض وصفه لشخصية ومكانة السيد حسن نصر الله: في البداية، نعزي الشعب اللبناني والعربي والأمة الإسلامية في استشهاد السيد حسن نصرالله الذي ارتقى مع الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، وإن الإرث البطولي الذي تركه الشهيد سيظل مرجعاً يتدارسه ليس أبناء الأمة العربية والإسلامية فحسب، بل جميع شعوب العالم التي ترزح تحت نير الاحتلال والتي تتعرض للظلم، حيث أن زعيم المقاومة الراحل قدم نموذجاً في الفداء والتضحية مرة، كما امتلك سيرة حافلة من العمل الدؤوب والتخطيط السليم والدراسات الاستراتيجية المتقنة مرة أخرى؛ ليحقّق ما حقق من انتصارات على عدو غاشم يجد مساندة وحماية من أكبر قوة في العالم وتدعمه العديد من البلدان، وكل ذلك لم يمنع، بفضل التخطيط الجيد والقيادة الواعية للشهيد، من تلقينه الدرس تلو الدرس وإلحاق الهزيمة تلو الهزيمة به.
وعن تأثير هذه الجريمة النكراء على إرادة المقاومة في القضاء على العدو الصهيوني، قال الدكتور العبيدي: لا شك أن رحيل زعيم المقاومة السيد حسن نصرالله يعد ضربة موجعة لمحور المقاومة كله، ولا شك أنه سيلقي بظلاله ولو لحين على الجميع، إلا أننا نذهب إلى أن ذلك لن يثني أبطال المقاومة عن موقفهم ولن يكون بمثابة الردع لهؤلاء الأبطال الذين يعلمون منذ اليوم الأول لانخراطهم في الدفاع عن قدس أقداس الأمة وشرفها؛ أن الشهادة هي إحدى الحسنين؛ إما النصر أو الشهادة، وفي كل خير. لم يلتحق أحد من الأبطال بالمقاومة وفي ذهنه أنه بعيداً عن نيل درجة الشهادة؛ فهم رجال آمنوا بربهم وزادهم هدى، ومن هنا فإننا نذهب إلى ثبات المقاومة على درب الشهداء والصديقين، وأنهم سيأخذون من مسيرة أسد المقاومة الراحل نبراساً يهتدون به، ومن سيرته، زاداً لطريق المقاومة الطويل حتى يتم تحرير الأرض وصيانة العرض ودرحر العدو الصهيوني.
وعن تقييم إنجازات وتضحيات حزب الله لبنان والسيد حسن نصر الله إزاء القضية الفلسطينية ودعم غزة، أضاف: يُنسى الجميع لا ينسون مطلقاً تلك الحياة الحافلة بالإنجازات لحزب الله وللشهيد الراحل السيد حسن نصرالله، فهل يمكن لعربي أو مسلم أن ينسى كم من مرة أذاق هذا البطل ورجاله وحزبه العدو الصهيوني من مرارات الهزيمة القاسية؟ وكم من مرة أقام الدنيا ولم يقعدها بضرباته الموجعة للمحتل الآثم؟ سيظل الشهيد الراحل نموذجاً يحتذى به في التضحية والفداء، كما سيظل نموذجاً للقدرة على مواجهة الظلم والطغيان، حيث استلهم روح سيد الشهداء الحسين بن علي(ع) فكان مغواراً مدافعاً عن الأمة رافضاً للظلم الواقع على أبناء الأمة، فاستحق هذا التقدير، كما استحق الشهادة والارتقاء إلى أعلى عليين.
وأضاف: كما عودنا أبطال المقاومة، فإن الرد سيكون حاسماً، وإن الثأر سيكون مؤلماً، وأن من اقترفت يداه هذه الجريمة الشنعاء لن يهنأ بجرمه، وأن الرد سيكون موجعاً، وإن كان العدو قد توهم أنه حقق نصراً بهذه الجريمة الشنعاء، فإنه يتناسى زأرة الأسد وغضبته، ومن هنا فإن الرد سيكون قاسياً بنفس قسوة خبر استشهاد البطل على نفوس محبيه، وإني على يقين بأن محور المقاومة لن يهدأ له بال قبل الثأر لزعيم المقاومة الراحل الشهيد السيد حسن نصرالله.
واختتم كلامه قائلاً: إن توهم العدو الصهيوني بإقدامه على هذه الجريمة الخسيسة بأنه يقلم أظافر المقاومة، ليهنأ بما يحلم من أمن وسلام لهو ضرب من الخيال، فالذي لا يعرفه العدو وغاب عن عينيه هو أن دماء الشهيد ستستحيل إلى نور ونار.. نور لأبنائه من المقاومين لتشتعل ناراً في قلوب الأعداء بضربات قاسية تذيق العدو الذل والهوان، وتجعل بينه وبين الأمن والأمان الذي يحلم به آماداً بعيدة.. رحم الله بطل أبطال المقاومة الذي يَعِدُه كل مسلم حر أن يظل على العهد باق وعلى الدرب سائر.