الفنّان التشكيلي الفلسطيني ”معتز مصطفى العمري” للوفاق:
نحن نرسم طريق العودة بألواننا؛ والشهداء يرسمونه بدمائهم
تعتبر علاقة الفن بالواقع من أعقد العلاقات الجدلية في تاريخ الإنسان، حيث تختلف فيها الرؤى حسب الإختلاف القائم بين تلك الرؤى حول ماهية الفن ووظيفته؛ لكن أغلب المدارس الفنية في العالم اتفقت على الإرتباط الوثيق بين الفن والواقع الذي يعيشه الفنان. الفنان لا يعتبر فقط نهجاً معبراً عن الواقع الذي يعيشه المجتمع، بل يتحمل أيضاً مسؤولية أكبر، مسؤولية التعبير عن الواقع بمعنى أعمق من الحقيقة، أي تقديم البُعد الوجداني للواقع بمأساته ومعاناته وقضاياه ورسالته، وهو ما نجح به الفنان التشكيلي الفلسطيني السوري «معتز مصطفى العمري» الذي جسّد في أعماله واقع القضية الفلسطينية بوجدانها وثقافة الشعب الفلسطيني وتاريخه وعراقته، وفي لقاء أجرته معه صحيفة «الوفاق» تحدث الفنان التشكيلي عن أعماله.
الوفاق / خاص
سهامه مجلسي
ما أبرز الصفات التي يجب على الفنان التشكيلي التحلّي بها؟
أبرز الصفات التي على الفنان التحلي بها هي أن يكون فناناً حقيقياً ملامساً لهموم الناس وغير منفصل عن مجتمعه ليكون الناقل الحقيقي للصورة وما يجري من حوله وعلى الفنان التحلي بالتواضع والثقافة والفكر والبحث والتجريب وأن يبحث دائماً عن المعلومة التي تطور عمله الفني والاستماع للنقد لخدمة عمله الفني ونقل تجاربه للآخرين وعليه مساعدة الآخرين في تدوير مهاراتهم وتعليمهم ونقل تجربته لهم وأن يتعاطى مع الناس بمحبة ليصل إحساسه لهم من خلال عمله الفني.
وأنا كفنان فلسطيني أعيش في سوريا لا يمكن لأعمالي أن تكون بمعزل عما حدث ويحدث في فلسطين وما تعرضت له من احتلال من قبل الصهيونية العالمية ومحاولة طمس معالم الوجود الفلسطيني وتاريخه.
ما هي معايير رسم الحروف بالنسبة إليك؟
الحرف هو بداية للتعريف بالأشياء والحرف مع الحرف يكوّن الكلمة والكلمة تصنع الجملة ومن هنا تبدأ اللوحة، فلكل حرف شكل خاص به ودلالة خاصة من استقامة وانحناء فهو بالنهاية رسم وهو يساعد في العمل الفني إن كان في مكانه المناسب لأنه يخدم العمل وممكن أن يكون العمل كله من تشكيل الحروف، وقد استخدم الإنسان الحرف منذ بدء الخليقة لأنه هو أساس التواصل، فكانت الحروف مختلفه بالشكل ولكل حرف معنى وله شكل معين في كل حضارة على حدة وكل الحضارات استخدمت الحرف بشكل معين مثل الأحرف المعمارية وهي على شكل المسمار والحروف اللاتينية والحروف العربية والأجنبية والهيروغريفية والعديد من الأحرف في كل حضارة.
هل تعتقد أن الفن والسياسة متشابكان؟
الفن والسياسة متشابكان؛ لكن بطريقة غير مباشرة؛ فالفنان لا يمكن أن يكون بمعزل عن السياسة لأنها تلعب دور في حياته وحياة مجتمعه، ممكن للفنان أن يتكلم بالسياسة؛ لكن من خلال لوحته وألوانه لأنه يختزل الصور والعبارات ليصنع منها عملاً فنياً، وكثير من الأعمال الفنية لها علاقة بالسياسة مثل فن الكاريكاتور الذي يرتبط بالحالة السياسية وهو تعبير مباشر لما يجري، وفن البوستر أو الملصق وهو أيضاً مرتبط بالسياسة ويعبر بشكل مباشر عما يجري من أحداث في العالم. وهناك فن الشارع والرسم على الجدران فهو أيضاً مرتبط بالسياسة؛ حيث نرى لكل فصيل في فلسطين عباراته الخاصة وتضامنه مع شعبه.
ما هي علاقة الرسم بالواقع، وما هو الرابط الذي يجمع بين العمل الفني والحرفة؟
الفن يرتبط ارتباط وثيق مع الواقع وإذا انفصل الفن عن الواقع فهو لن يصل إلى المتلقي والجمهور ولن يكون فناً حقيقياً.. فالفنان هو ابن واقعه المُعاش من خلال أعماله ومن خلال رسم التراث الفلسطيني ورسم أشجار الزيتون والبرتقال ومفتاح العودة والكوفية وقبة الصخرة ورسم صور الشهداء والمقاومين ورسم التراب الفلسطيني والبحر، كلها رموز للتأكيد على هويتنا الفلسطينية وأن هذه الرموز هي حق للشعب الفلسطيني، وتشكل الجزء الكبير من تراثه الذي يحاول العدو سرقته، فهم لم يكتفوا بسرقته وإنما يحاولون سرقة التراث، لكنا سنبقى نرسم لفلسطين حتى التحرير الكامل من العدو الغاصب. الفنان يحاول توثيق حياة الأشخاص من حوله ورسم هذه المعاناة اليومية ورسم هذا الصمود فالواقع المعاش بالإضافة إلى المحلية تبرز عملاً فنياً يعبر عن هذا الواقع الصعب والمرير وللخيال دور كبير في العمل الفني فهو الذي يفتح الأفق للفنان ليرتقي بعمله الفني إلى اعلى المستويات ليحدث الدهشة عند المتلقي من خلال هذا الخيال.
أشارك في العديد من المعارض الفنية الجماعية والفن في فلسطين مهم جداً لأنه يواكب الثورة الفلسطينية مند انطلاقها، ويواكب كل الأحداث وكان مواكباً للنكبة في فلسطين عام 1948 ومواكباً للنكسة وللانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى ومعركة طوفان الأقصى العظيمة. فالفن الفلسطيني يسير جنباً إلى جنب مع ثورة شعبه لأنه هو جزء مهم من هذه الثورة من خلال رئاسته وألوانه وهو وسيلة للتواصل أحياناً من خلال اللوحات الجدارية في الشوارع التي تحمل الرسائل بين المقاومين كوسيلة تشفير لتنفيذ عمل فدائي.
ماذا يعني أن تكون فناناً في غزة؟ ما هي التحديات التي تتعامل معها بشكل منتظم؟
أن تكون فناناً من غزة يعني أن تكون بداية مشروع شهادة كبقية الشعب في غزة لأن القذائف الصهيونية والرصاص لا يفرق بين أحد، وأن تكون فناناً من غزة يعني أن تكون مقاوم بريشتك وبسلاحك لأن الدفاع عن الأرض والأهل يتطلب ذلك والتحديات التي يواجهها الفنان في غزة كثيرة، من صعوبات الحياة وتأمين القوت اليومي خاصة في ظل هذه الحرب الشرسة والهمجية. على الفنان في غزة أن يكون ناقلاً لواقع مجتمعه وما يتعرض له، ويرسم هذه الصور بأقسى الظروف. وأن تعيش مرارة النزوح من مكان إلى آخر تاركاً لوحتك ومرسمك وريشتك وأرشيفك الفني الذي ممكن أن تخسره في لحظة وعليه ابتكار أفكار للتعبير عما يجري من حوله ورسم صورة الدمار.
«فلسطين فصل طويل، طويل، طويل»، كيف تعكس أعمالكم بهذه القضية؟
إن القضية الفلسطينية على مدى 76 عام من الإحتلال الصهيوني مرّت بالعديد من المراحل النضالية التي حاول الفنان تجسيدها وتوثيقها لتكون شاهد للأجيال القادمة وكل مرحلة كان لها نمط معين من الرسم والفن الذي يعبر عنها، فمرحلة اللجوء رسمها الفنان الشعب الفلسطيني بحالة الهجرة، ورسم خيمة اللاجئ التي سكن بها شعبنا الفلسطيني، ورسم المجازر التي ارتكبها العدو في "دير ياسين" و"كفر قاسم" والعديد من المدن الفلسطينية. ومن ثم بدأت مرحلة الثورة الفلسطينية التي أبدع الفنان فيها برسم الفدائي ورسم السلاح الفلسطيني وإشارة النصر والقنبلة وكل هذه العناصر كانت رموز للعمل المقاوم ومن ثم البوستر الفلسطيني الذي كان يتناول الأحداث والمناسبات الفلسطينية وسمي بـ"الملصق الفلسطيني".
ومرحلة الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" التي رسم الفنانين العديد من اللوحات عنها، رسموا الأطفال وهم يرمون الحجارة والعبوات المتفجرة وإحراق الدواليب ورفع العلم الفلسطيني. ورسم الفنانون التراث الفلسطيني للتأكيد على الهوية الفلسطينية من بيوت وأشجار الزيتون ومفتاح العودة وقضية الصخرة، واليوم في ظل معركة "طوفان الأقصى" نرى العديد من الفنانين يرسمون عن هذه العملية الدولية أروع اللوحات.
فالعمل الفني عليه أن يكون معبراً عن الحالة الإنسانية وهي تشكل الجزء الكبير لأن البُعد الإنساني هو شيء مشترك مع كل الشعوب، ولكي تصل إلى العالم والشعوب الأخرى، على اللوحة الفلسطينية أن تحمل هذا البُعد الإنساني الذي يشترك فيه أحياناً العديد من شعوب العالم ويشابه لما تعرض له الشعب الفلسطيني من هجرة ونزوح ومجازر وقتل وتدمير، فاللوحة إن خلت من البُعد الإنساني فهي تفقد الكثير من المصداقية. وقضية فلسطين فيها البُعد الإنساني واضح وجلي ولا يمكن لأحد أن يجهله.
ونرى العديد من أعمال الفنانين الفلسطينين تحاكي الحالة الإنسانية بكافة أبعادها من خلال تناول الإنسان في اللوحة ومكونات الحياة من طيور وأسماك وأشجار ومنازل وكل هذه الرموز لها بُعد إنساني عند كل الشعوب.
ما الذي تحاول قوله عبر لوحاتك الفنية؟
أحاول، عبر لوحاتي، إيصال رسالة للعالم عن الإنسان الفلسطيني وتمسكه بأرضه وحقه المغتصب ورسالة التأكيد على قوة الإرادة وأن الشعب الفلسطيني شعب لا يقهر وهو شعب الجبارين الصامدين لأنهم أصحاب حق وقضية عادلة، فالفن هو جزء كبير في هدا الصراع مع العدو المجرم. ونحن كفنانين فلسطينيين من خلال لوحاتنا نحاول التأكيد على حقنا في فلسطين وأن هذه الأرض لنا -طال الزمان أم قصر- والتأكيد على هويتنا الفلسطينية وهي رسالة صمود وتحدي. وإنا مطالبون كفنانين بتوثيق ما يجري في فلسطين وتوثيق مراحل القضية الفلسطينية لأن العدو يهمه طمس معالم الهوية الفلسطينية والتراث الفلسطيني، فواجب علينا المحافظة عليها، ونحن مستمرون في الرسم والفن والنضال حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من يد المحتل الغاصب.
وما تتعرض له القدس حالياً حافزاً لكل فنان مؤمن بهذه القضية بأنها قضية إنسانية لتكون حاضرة في جميع أعماله الفنية القادمة حتى تعود هذه المدينة إلى مقدمة الحراك الفني. الصخرة المشرفة وخريطة فلسطين ومفتاح العودة وشجرة البرتقال والزيتون يجب أن تصل لكل العالم وأن تحمل الحسّ الإنساني وما تحمله من صور.
وسوف نرسم إن شاء الله على أرض فلسطين المحررة نحن وجميع الشرفاء في العالم من فنانين ومقاومين، نحن نرسم طريق العودة بألواننا، والشهداء يرسمون هذا الطريق بدمائهم.. فكل التحية لأرواحهم الطاهرة والزكية.