باحث اسلامي للوفاق:
الوحدة الإسلامية.. المخرج الوحيد من الذلّ والهوان
على أعتاب الذكرى السنوية لولادة الرسول الأكرم(ص)، وحفيده الإمام جعفر الصادق(ع)، تحيي الأمّة الإسلامية احتفالية هذه الذكرى العطرة لميلاد نبي الهدى ورسول الرحمة وسيد البشرية والإنسانية، حيث أجمع فقهاء وعلماء المسلمين بأنه وُلِد في شهر ربيع الأول من عام الفيل، ولكن اختلفوا في تحديد يوم ولادته المباركة، اذ ان المشهور عند علماء المسلمين الشيعة الإمامية هو في 17 من ربيع الأول، بينما ذهب علماء أهل السنة الى أنه في 12 من ربيع الأول. ولتجديد العهد مع النبي الأعظم(ص) وأهدافه السامية ولترسيخ مفهوم الوحدة بين المسلمين تبلورت فكرة الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، وقد اضفى مؤسسة الثورة الاسلامية في إيران سماحة الإمام الخميني(قدس) على هذه الاحتفالية فكرة رائدة من أفكاره القيّمة بجعل تاريخ ولادة الرسول الأكرم(ص) عند أهل السنة والشيعة منطلقاً للوحدة بين المسلمين، فأعلن خلال هذين التأريخين أسبوع يسمى بـ«أسبوع الوحدة الإسلامية»، مناسبة مباركة يُحتفى بها كل عام لتكريس التعايش الحضاري بين المسلمين باختلاف مذاهبهم دون عداوة بينهم أو إلغاء الواحد للآخر، وبهذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحث الإسلامي من النجف الأشرف الشيخ أسعد اللامي وفيما يلي نصه:
الوفاق / خاص
سهامه مجلسي
أسبوع الوحدة الإسلامية وتسميته
ذكر الشيخ اللامي انه عندما انبثق نور الثورة الإسلامية المباركة على يد أمل المستضعفين الإمام الخميني(قدس) كان هاجس إيقاظ المسلمين وتوحيدهم واحداً من أهم أهداف الثورة المباركة وشعاراتها التي رفعتها منذ أيامها الأولى.
ومن خلال الوعي الرسالي الكبير الذي يحمله ذلك القائد العظيم وأتباعه من الرعيل الأول وعلى رأسهم السيد القائد الامام الخامنئي دام ظله الشريف انبثقت فكرة ايجاد اسبوع يحتفى به سنوياً من قبل الامام الخميني (قدس)، وتقام فيه المؤتمرات، والندوات وتلقى فيه الأبحاث التي تجسّد ذلك المعنى العظيم، وهو توحيد الأمة والدعوة الى ترسيخ مفهوم الوحدة الإسلامية .
من المعروف تاريخياً أنّ هناك أكثر من رواية تنصب حول ميلاد النبي الأعظم(ص) فالرواية السائدة لدى أخوتنا أبناء السنة ويتبناها بعض علماء الشيعة هي رواية الثاني عشر من ربيع الأول والرواية الثانية التي يذهب اليها معظم علماء الشيعة هي رواية السابع عشر من ربيع الأول، فجاءت الفكرة بان يكون موسم الإحتفاء بميلاده المبارك(ص) خلال اسبوع كامل تجّسد فيه معاني الوحدة الإسلامية شعراً ونثراً، وتلقى فيه الكلمات والبحوث، وتجتمع فيه النخب الفكرية والدينية والثقافية على طول العالم الإسلامي لتتأصل في هذا الإسبوع معاني الوحدة وسمي هذا الاسبوع بـ«أسبوع الوحدة الاسلامية» توضع فيه كل الوسائل والسبل التي تجسد ذلك الشعار الكبير الذي دعت اليه الثورة الاسلامية ورمزها الكبير الإمام الخميني(رض) واستمر يحيي ذلك الهدف السامي والأمل الكبير قائد الثورة الإمام الخامنئي(دام ظله الشريف) استمر بأحياء ذلك الاسبوع العظيم من خلال توظيف كل قدرات الدولة لإنجاح هذه التظاهرة الوحدوية الفريدة التي تؤيدها السماء بوعد إلهي يظهر فيه الحق وتتهاوى فيه عروش الطغاة والظالمين والمستكبرين قال تعالى: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (الصف آية 9).
معنى التقريب والوحدة وأهدافهما
واوضح الشيخ اللامي منذ الأيام الأولى لعمر الإسلام العظيم تكالبت القوى الشيطانية، والجبت والطاغوت، والكافرون بأصنافهم، والمنافقون بأطوارهم على النيل من تلك الرسالة السماوية الخاتمة.
ولولا الاسناد الإلهي لنبينا الأعظم(ص) والرفد السماوي لتلك التجربة الخالدة، ولولا وعد الله بأن ينصر هذا الدين لفشلت تلك التجربة، ولهوت تلك الرسالة، ولذهبت ادراج الريح.
ولكن الوعد الإلهي بانتصار الإسلام وظهوره على كل الأديان، وعلى كل التوجهات الموجودة في عالمنا أصبح الملهم الحقيقي لبقاء هذا الدين مضافاً الى عظمة صاحب الرسالة(ص) وصبره على كل المصاعب التي عاشها من أجل عزّة وظفر الاسلام الحنيف حتى نقل عنه (ص) أنه قال «ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت» (بحار الأنوار). فتحمل أعباء تلك الرسالة يسانده فيها أخوه وابن عمّه ووصيه أمير المؤمنين(ع) والرعيل الأول من الصحابة الأبرار.
ولكن بعد رحيل النبي الأعظم(ص) بدأت أوصال الدين تتمزق وراحت قواه تتشتت بفعل اسباب مختلفة يبقى على رأسها القوى المعادية للإسلام التي لا تريد الخير لديننا الحنيف.
وبمرور الزمن وبفعل القراءات المتعددة للدين تمخض عن تلك القراءات ظهور المذاهب الإسلامية المختلفة على المستوى الفقهي والعقائدي والفكري.
وفي العصر الحديث وما يقاربه وبتقادم الزمان انتفضت قوى الطغيان والجبروت المتمثلة بالاستعمار الحديث وراح ينهش في جسم الأمة الإسلامية واجتمعت عليها قوى الشرّ وتكالبت عليها أيادي الكفر والطغيان يساعدهم في ذلك الخطّ النفاقي، وطواغيت الداخل الإسلامي.
وعند ظهور أخبث حركة عنصرية في هذا الكون متمثلة بالصهيونية العالمية التي اغتصبت أرض أول القبلتين وثالث الحرمين فلسطين السليبة وازدادت محنة الأمة وكبر تمزقها من هنا ظهرت الحاجة الى مؤسسة أو مؤسسات وظيفتها تقريب وجهات النظر بين الرؤى المختلفة لدى مذاهب العالم الإسلامي من مشرقه الى مغربه.
ويمكن تلخيص أهداف مؤسسات التقريب بين المذاهب الاسلامية وتوحيد رؤاهم بالآتي:
1- الدعوة الى احياء روح الحوار والنقاش العلمي الهادف للتقريب بين الرؤى المختلفة لدى المذاهب الإسلامية المتعددة.
2- بث روح الإلفة والمحبّة بين أوساط المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي كي تنعكس على روح وضمير ووجدان الشارع الاسلامي.
3- توضيح خطورة مؤامرات الأعداء الرامية الى النيل من الدين الإسلامي الحنيف.
4- التركيز على المشتركات بين المذاهب والفرق الإسلامية المختلفة سواء اعلى مستوى العقيدة أو الفكر أو الفقه.
5- طرح البحوث والمؤلفات الرامية الى تجسيد روح الوحدة بين أطراف وأوصال الأمة الاسلامية.
6- التمسك بالقرآن والعترة المباركة كأساسين من أسس التلاحم والتواصل على طريق الوحدة.
أسبوع الوحدة فرصة لتوحيد القلوب ورص الصفوف
وبهذا الموضوع اوضح سماحة الشيخ اللامي: عندما يجد الإنسان المسلم معظم وسائل اعلام الغرب والشرق تسعى للنيل من وحدة المسلمين، ويرى ويسمع وسائل الإعلام المحلية للدول الإسلامية تلهج يومياً بأشكال الوسائل الشيطانية لبث روح الفرقة والتمزق ويرى ذلك الإنسان بأمّ عينيه كيف استطاعت تلك القوى بمعونة شياطين الداخل الإسلامي التي تجسد أوضح صور النفاق كيف استطاعت أن تبعد المسلمين عن كل ما يمتّ الى الوحدة بصلة يفتش ذلك الانسان عن المنجي الحقيقي من هذه الدّوامة التي ينبذها وجدانه وضميره.
الضمير الإنساني، وأوليات الأشياء وبديهيات الأمور، والعقل السليم كل هذه الأمور تدعو الى التوحد والإلفة والتفاهم ورصّ الصفوف والتوجه الى المشتركات.
وهناك نقطة هامّة من الجدير الوقوف عندها هنا. وهي أن الضربات الموجعة التي تلقاها، ويتلقاها المسلمون، لا سيما ضربة العدو الكبرى في اغتصاب أرض فلسطين السليبة والنيل من شعبها ومقدسات المسلمين كل هذه الأمور تدعو الى ان يعي الإنسان المسلم خطورة التمزق والفرقة التي رفع شعارها الأستعمار الحديث بمنهج «فرّق تسد» واتخذ هذا الشعار نهجاً عملياً لينفذ به كل مؤامراته.
اسبوع الوحدة فرصة لأن يتنفس المسلم الصعداء وينظر بعين الأمل والتفاؤل الى أن هناك فرصة لان يعيش المسلمون حالة التوحّد كهدف سامي يخرجهم من دّوامة معظم المشكلات التي يعيشها الانسان المسلم المعاصر.
سرّ انتصار المسلمين
انتصر المسلمون عندما توحّدوا على قائد واحد هو الرسول الأعظم(ص) وعلى ثوابت مقدراتهم ومقدساتهم.
وانتصر المسلمون عندما جعلوا القرآن قائداً وصوتاً لله في هذه الدنيا.
وانتصر المسلمون عندما توحدت اهدافهم واندرجت تحت هدف واحد هو اطاعة الله ورسوله وعلو ورفعة وسمو الاسلام ومبادئه.
وانتصر المسلمون وينتصرون مرّة اخرى عندما يعرفون أعداءهم ومؤامرات اعدائهم.
فاليوم نجد غزّة بل كل فلسطين السليبة تستصرخ همم الرجال، وصراخ ایتامها وعويل أراملها وأنين جرحاها وأصوات الموت والدمار والقتل كل هذه الأمور تدعو كل ذي ضمير وكل مسلم له علاقة مع الله ومع رسوله أن يتسامى على تخندقه المذهبي وأنانياته الضيقة كي ينتصر لهذا الشعب البريء السليب المغتصب ولو بكلمة، أو شعار أو دينار ويجسد من خلال تضامنه مع ذلك الشعب المظلوم أسمى أهداف الاسلام واعظم شعارات القرآن وأرقى مبادئه السامية، وأعظم طريق لرضا الله، ورضا رسوله(ص).