مسؤول الإسعاف والطوارئ في الخدمات الطبية شمال القطاع للوفاق:
تدمير ممنهج لمنظومة غزة الصحية.. والمقاومة مستمرة
منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة في أكتوبر العام الماضي، عمد جيش الاحتلال على تركيز استهدافه ضد المنظومة الصحية العاملة في القطاع، استهداف سيارات الإسعاف أثناء عملها في الميدان وقصف المستشفيات واقتحامها وتحويلها لثكنات عسكرية قبل تدميرها، في سابقة من نوعها، فلم يحدث أن تم استهداف مستشفيات ومراكز صحية بهذا الكم في مدة زمنية قصيرة ولا مساحة صغيرة في أي من الحروب التي حدثت في العالم، مثلما يحدث الآن في قطاع غزة، مما شكل اختراقاً صارخاً لكافة المواثيق والأخلاقيات الدولية التي تمنع استهداف الصحة في الحروب .وفي هذا الصدد، حاورت صحيفة الوفاق الأستاذ فارس عفانة مسؤول الإسعاف والطوارئ في الخدمات الطبية شمال القطاع، وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق / خاص
عبير شمص
انهيار كامل للمنظومة الطبية
بعد مرور 11 شهرا تقريباً من عمر هذا العدوان والإبادة الجماعية ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة، يقول الأستاذ عفانة: "هناك انهيار كامل للمنظومة الصحية في القطاع، فيتعمد الكيان المحتل تدمير كافة المستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية، وذلك في ظل إستمراره بتنفيذ الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فلم يبق مستشفى ولا مركزاً صحياً إلا وتعرض للقصف والإعتداء من قبل الكيان الصهيوني الذي لم يدع حرمة لأي من الحرمات الدينية أو الدولية إلا وانتهكها."
الاعتداء على المستشفيات
يؤكد الأستاذ عفانة بأنه:" حوّل الاحتلال الصهيوني مستشفيات قطاع غزة لهدف رئيسي له وهو منذ بداية العدوان بدأ باستهداف المنظومة الصحية وكانت البداية مع المستشفى الأهلي "المعمداني" عبر قصف ساحته والتي كانت تؤوي مئات النازحين من مناطق شرق غزة وراح ضحية الإستهداف حوالي 500 شهيد وتم إخراج المستشفى عن الخدمة، وشكل هذا الإستهداف صدمة دولية رسمية وشعبية، واستنكرته كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية، وأكمل العدو الصهيوني تدميره لمستشفيات القطاع فاستهدف "مجمع الشفاء الطبي" الذي داهمه العدو ما يقارب ثلاث مرات وتم تدميره بالكامل في الهجمة الأخيرة مما أخرجه من الخدمة، هذا ويُعد مجمع الشفاء الطبي المستشفى المركزي لمحافظة شمال غزة بل لقطاع غزة بالكامل، وسبب خروجه عن الخدمة إنهيار المنظومة الصحية بشكلٍ كبير جداً".
وتوالى استهداف المستشفيات، من المستشفى "الأندونيسي" إلى مستشفى "كمال عدوان" ومستشفى العيون التخصصي في شمال قطاع غزة وغيره، وحاولت الطواقم الطبية إعادة تأهيل هذه المستشفيات للحاجة القصوى لمعالجة المرضى، فنجحت في إعادة تشغيل البعض منها، فرُمم المستشفى "الأندونيسي" وهو الآن يستقبل الجرحى والمصابين من أبناء شعبنا الفلسطيني، وعاد مستشفى "كمال عدوان الطبي" للعمل ولكن في تخصصات الأطفال والنساء والولادة والخُدج ـ وهو يركز على هذه التخصصات الغائبة عن شمال قطاع غزه بعد فقدان أغلب المستشفيات العاملة في هذه التخصصات".
ويشير الأستاذ عفانة إلى أن: " تدمير المنظومة الصحية في القطاع سبب انقطاع العلاج للعديد من المرضى بل واستشهاد العديد منهم وخاصةً أصحاب الأمراض المزمنة مثل غسيل الكلى ومرض السرطان وغيره وكبار السن، فمرضى السرطان لا يتلقون العلاج اللازم لهم من جرعات الكيمياوي بسبب تدمير المستشفى التركي المتخصص في علاج هؤلاء المرضى وبعد خروجه عن الخدمة أصبح مرضى السرطان بلا علاج ومتابعة يموتون موتاً بطيئاً، ويحاول الطاقم الطبي في القطاع في تحسين الوضع، فرممت بعض المراكز الصحية والمستشفيات وتم إعادة انشاء مركز جديد لغسيل الكلى في مجمع "كمال عدوان" الطبي واستصلاح بعض الكراسي الخاصة في غسيل الكلى لمتابعة المرضى".
التوصيف القانوني
وفق اتفاقية جنيف الرابعة التي تغطي كيفية حماية المدنيين في فترة الحروب، فإنها توسع مفهوم المرافق الطبية لتطال كل البنايات التي يوجد فيها مصابون أو مرضى، وتتم العناية بهم، وليس فقط المستشفيات، وحسب المادة 18 من هذه الاتفاقية، فإنها تنص على أنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفاً للهجوم، بل يجب على أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات".
ووفق الإتفاقية نفسها، فإن أي خرق لحماية هذه المؤسسات الصحية، من خلال هجمات تؤدي لمفاقمة معاناة الموجودين في هذه المؤسسات، أو تتسبب في إصابتهم أو جرحهم تعتبر خرقاً خطيراً للقانون الدولي أو جريمة حرب، ويمكن أن تؤدي بمن يقترفها إلى مواجهة تُهَم جنائية حسب القانون الدولي". ولكن لا يكترث العدو الصهيوني للقوانين الدولية فقد ضرب كيان الاحتلال بهذه الاتفاقيات عرض الحائط وما زال يستهدف ما تبقى من المنظومة الطبية في القطاع، ويشير الأستاذ عفانة في هذا السياق إلى:" أنه يجب الضغط على الاحتلال الصهيوني لتحييد المنظومة الصحية، وعدم ملاحقة كوادرها حتى تستطيع القيام بعملها في إنقاذ الجرحى والمصابين والمرضى في قطاع غزة. فالطواقم الطبية تعمل في ظل ظروف قاسية جداً حيث انعدام المواصلات الآمنة التي تمكنهم من الوصول للمستشفيات لممارسة عملهم وأيضاً انعدام أبسط المستلزمات الطبية التي تمكنهم من تقديم الرعاية الصحية بشكلها المطلوب".
إقفال المعابر ومنع المساعدات
يلفت الأستاذ عفانة إلى أنه بسبب الحرب وإقفال المعابر وعدم السماح بإدخال المستلزمات الطبية الضرورية للعلاج، تفاقم الوضع الصحي بشكلٍ كبير، وعانى الجسم الطبي من تأمين المعدات الضرورية لإجراء العمليات الجراحية في القطاع وخاصةً فيما يتعلق بعلاج كسور العظام، وغياب الأجهزة الضرورية للمرضى والذين ينتظرون فك جهاز من مريض ليقدم لمريض آخر، ويمكن ان تمتد فترة انتظار المريض لهذه المعدات لفترة طويلة".
ويشير الأستاذ عفانة إلى:"تحسن الوضع الصحي نسبياً بعد السماح بدخول الطواقم الطبية الى القطاع ولكن لم تكن بالدرجة الكافية لتلبية كافة المتطلبات، إضافة إلى أن معظم المساعدات التي سمح بدخولها لم تكن بالمستوى المطلوب وغير كافية".
المنظومة الصحية ركيزة البقاء والصمود
يُشير الأستاذ عفانة بأن:" وحدة الإسعاف والطوارىء عانت بشكلٍ كبير في الحرب كغيرها من الوحدات، مشيرًا إلى أن الاحتلال استهدف عددًا من سياراتها وعناصرها بصورة مباشرة لإعاقة عمل الخدمة ولكن بفضل الله (عزوجل) استمرينا بعملنا عبر إصلاح عدد من سيارات الإسعاف حتى نخدم أبناء شعبنا الفلسطيني ولا نحقق ما يتمناه العدو من تهجير وإبعاد له وتفريغ هذه الأرض من أصحابها الأصليين الى خارج قطاع غزة".
ويتابع الأستاذ عفانة حديثه بالقول: "يمنع العدو الصهيوني دخول مركبات الإسعاف الى شمال القطاع لأن غالبية مركبات الاسعاف التي نعمل عليها هي مركبات متهالكة ولا تصلح للعمل ولكن تم إصلاح بعض المركبات التي تم تدميرها وإعطابها من قبل قوات الاحتلال الغاصب وإعادتها للخدمة وهذا يكلفنا الكثير للحفاظ على هذه المركبات المتهالكة من صيانة ومتابعة حتى لا يتم ايقاف اي مركبة وتشغيلها وإبقاؤها مستمرة في العمل".
استهداف الكادر الطبي
تعمل الكوادر الطبية بكامل قوتها للحفاظ على استمرار عمل المنظومة الصحية ولو بالقليل، فرممت بعض المستشفيات وأعيد العمل بها، وفق الأستاذ عفانة الذي يؤكد على رغبة عارمة لدى الجميع بالعمل الدؤوب والمستمر لتقديم الخدمات للمواطنين، وإعادة تأهيل بعض مركبات الإسعاف والطوارئ التي تعرضت للاستهداف الممنهج وتدمير واسع أثناء قيامها بواجبها وعملها الإنساني وللأسف الشديد ارتقى عدد من الشهداء أثناء قيامهم بعملهم وواجبهم الإنساني أثناء ذهابهم الى مهمة طبية، نحن في الطواقم الطبية نعلم جيداً مدى خطورة عملنا في الاسعاف والطوارئ ونعلم جيدا بأننا ممكن ان نخرج الى اي مهمة طبية ولا نعود الى أماكن عملنا الا محمولين على الأكتاف، وهذا ما شهدناه في مرات عديدة مع طواقمنا الإسعافية عندما كانوا يخرجون لإنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء، بالرغم من منع القانون الدولي لاستهدافهم، واستهداف مركبات الاسعاف، فهذه الأخيرة تحمل إشارات وعلامات واضحة ويرتدي طاقمها زياً خاصاً يميزها عن غيرها ويدل على هويتها، وهناك إشارات فسفورية تحدد بأن هؤلاء يقومون بعمل انساني لا يشكلون خطراً على قوات الاحتلال الا انه يأبى الا ان يستهدفها وهذا صراحة يعد جريمة حرب تضاف الى سجل قوات الاحتلال الصهيوني وهذا مخالف لجميع القوانين الدولية واتفاقيات جنيف التي تحرم على استهداف الطواقم الطبية والاسعاف اثناء قيامها بواجبها وعملها".
ويتابع الأستاذ عفانة حديثه بالقول: " يسبب تدمير مركبات الدفاع المدني ومعدات الدفاع المدني وخروجها عن الخدمة إعاقة كبيرة في عملية الانقاذ وانتشال الشهداء والمصابين من تحت الركام وهذا يزيد من وقت انتشال مصاب واحد على قيد الحياة وايصاله للعلاج".
ويختم الأستاذ عفانة حديثه بالقول:" لا تستطيع أي دولة في العالم تحمل ما يتحمله الشعب الفلسطيني من الظلم والقهر والتدمير والتهجير القسري والكم الهائل من القصف بالقنابل المحرمة دولياً والتي أصابت كل بيت في القطاع ، قوات الاحتلال دمرت كل شيء في القطاع سوت القطاع بالأرض، انتشر الدمار في كل مكان لم يسلم أي شيء من قوات الاحتلال. وهي أجرمت ولا تزال تجرم بحق الأطفال والنساء لم نر جيشا في العالم مثل حقارة هذا الجيش الصهيوني وعدم انسانيته فهو استباح كل شيء في القطاع . ونحن نشهد يوميا تدمير المنازل ونتجه لإنقاذ المصابين من هذه المجازر واخراجهم من تحت الانقاض كل يوم يتكرر المشهد معنا في نقل الشهداء وخاصة النساء والاطفال ولا أحد يحرك ساكنا، تم قتل النساء وهن حوامل من شدة الإنفجارات خرج الجنين من بطن والدته هذا ما نراه أثناء عملنا ويترك تأثيره الكبير علينا لكننا لا نترك عملنا وسنستمر فيه. ونحن نطالب العالم والمجتمع الدولي التحرك وتحمل المسؤولية تجاه الإجرام الصهيوني ويجب منع هذه الإبادة الجماعية ومن يحاول إنكارها وتجميل صورة العدو الصهيوني فهو مجرم ولكن لا يوجد من يسمع".